يقبل أطفال التعليم الأولي، في عمر ثلاث أو أربع سنوات، على تجربة جديدة مع بداية الموسم الدراسي، حيث يجدون أنفسهم لأول مرة في فضاء يختلف عن البيت وما يتيحه من دفء وألفة، لينتقلوا إلى عالم مدرسي منظم يقوم على قواعد وعلاقات جديدة.
وترافق هذه المرحلة المبكرة مشاعر متعددة، إذ يعيش الطفل مزيجا من الدهشة والقلق والخوف، نتيجة انفصاله المؤقت عن أسرته واحتكاكه المباشر بوسط غير مألوف؛ مما يجعل الأيام الأولى من الدخول المدرسي محطة نفسية مميزة في مساره الطفولي.
جبير مجاهد، أستاذ وباحث في الشأن التربوي، قال إن “الأطفال الذين يلجون المدرسة لأول مرة يعيشون حالة من القلق أو الخوف، بسبب ولوج المدرسة لأول والابتعاد عن الأسرة”، مبرزا أن “هذه الوضعية النفسية تدفع الطفل إلى البكاء والرفض والتمرد والتمسك بالأم والمقاومة خاصة في الأيام أو الأسابيع الأولى”.
وأوضح مجاهد، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “هذه المرحلة لا تدوم طويلا، إذ يشرع الطفل تدريجيا في القدرة على الاعتماد على نفسه؛ وهو ما يساعد على تعزيز ثقته بنفسه”، مؤكدا أن “التحولات التي يعيشها الطفل ترتبط بمدى حسن استقباله وتهيئته للاندماج في الوسط المدرسي”.
وشدد المتحدث ذاته على أن “تعامل الأساتذة مع الأطفال في الأيام الأولى يلعب دورا حاسما في تسهيل عملية التكيف مع الوضع الجديد، وتخفيض حدة القلق والتوتر، خاصة بالنسبة للفئة العمرية ما بين ثلاث وأربع سنوات التي تكون أكثر حساسية أمام مثل هذه المواقف”.
وأضاف الباحث في الشأن التربوي أن “استقبال الأطفال بابتسامة وعبارات تشجيعية ونبرة صوت دافئة وحنونة يشعر الطفل معها بالأمان”، معتبرا أن “هذه السلوكات البسيطة تترك أثرا إيجابيا لديهم وتساهم في جعلهم يحبون المدرسة منذ البداية”.
ندى الفضل، أخصائية ومعالجة نفسية إكلينيكية، قالت إن “الطفل يعيش أول اتصال له بالوسط المدرسي بشكل يطغى عليه قلق الانفصال، حيث يشعر في الغالب بالخوف والارتباك نتيجة ابتعاده عن والديه لأول مرة، وقد يظهر ذلك في شكل بكاء متواصل أو تمسك بالأم أو رفض الدخول للقسم”.
وأضافت الفضل، في تصريح لهسبريس، أن “بعض الأطفال يعبرون عن الفضول والاكتشاف، إذ تثير المدرسة لديهم رغبة في التعرف على المكان الجديد والألعاب والرفاق، بينما قد يعيش آخرون حالة من الارتباك وفقدان الأمان بسبب صعوبة فهم القواعد الجديدة والشعور بالتهديد من وجود أشخاص جدد وسلطة المربية”.
وأوضحت الأخصائية أن “التذبذب العاطفي يعد من أبرز السمات النفسية في هذه المرحلة، حيث يمكن أن تلاحظ المربية أو الوالدين تقلبات بين البكاء والضحك أو بين الرفض والقبول؛ وهو أمر طبيعي في الأيام الأولى من التجربة المدرسية”.
وحول متى يكون الوضع عاديا ومتى يشكل مؤشرا على خلل نفسي، أشارت ندى الفضل إلى أن “الأمر يبقى طبيعيا إذا استمر القلق والبكاء لبضعة أيام إلى أسبوعين كحد أقصى، وعبر الطفل عن مشاعره ثم بدأ تدريجيا يتكيف مع المكان. كما أن ظهور علامات اندماج بسيطة مثل اللعب أو الحديث مع الأطفال أو التعلق بالأنشطة يُعد مؤشرا إيجابيا”.
لكنها سجلت أن “الوضع قد يتحول إلى مؤشر لمعاناة نفسية إذا استمر الرفض القوي والهلع لأسابيع دون أي تحسن، أو ظهرت أعراض جسدية متكررة مثل التقيؤ وآلام البطن أو التبول اللاإرادي عند الذهاب للمدرسة فقط”، مضيفة أن “الانعزال التام وعدم التواصل مع المربية أو الأطفال، والسلوكيات العدوانية المبالغ فيها أو الانطواء الشديد، إضافة إلى رفض مطلق للأكل أو اللعب داخل القسم، كلها إشارات مقلقة”.
وأكدت المتحدثة أن “هذه الحالات قد تكون مرتبطة باضطراب قلق الانفصال أو صعوبة في النمو العاطفي والاجتماعي”، مشددة على أنه “يستحسن استشارة مختص إذا استمرت الأعراض أو تفاقمت بشكل ملحوظ”.
أما عن كيفية التعامل مع هذه الوضعيات، فقد أبرزت الفضل أهمية “التهيئة المسبقة عبر شرح فكرة المدرسة للطفل باستخدام القصص أو الزيارات القصيرة للمؤسسة قبل بداية الدراسة، واعتماد الانفصال التدريجي بتقليل مدة بقاء الطفل في اليوم الأول ثم زيادتها تدريجيا، مع توفير الاطمئنان العاطفي من خلال إظهار التعاطف لمشاعره والتأكيد على أنه سيرى والديه بعد قليل”.
وختمت ندى الفضل توضيحها بالتأكيد على ضرورة “التعاون بين المربية والوالدين في تقديم رسائل مطمئنة، وجعل اليوم الأول ممتعا بالأنشطة المرحة، إلى جانب تشجيع الطفل على كل إنجاز صغير والحفاظ على الروتين اليومي في الأكل والنوم”.