آخر الأخبار

الحكم الذاتي لا يغذي الانفصال.. و"تقرير المصير" يسمح بانتهاك الحدود

شارك

في خضم اتساع وتشعب النقاش الأكاديمي والسياسي المستشرف لتنزيل مقترح الحكم الذاتي للأقاليم الصحراوية المغربية خاصة بعد تسارع وتيرة الاعتراف الدولي بجديته ومصداقيته، أكد هشام الإسماعيلي، الباحث المغربي بجامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، ضمن دراسة بحثية حديثة، أن “العالم لم يشهد قط منطقة تتمتع بحكم ذاتي ديمقراطي في طريقها إلى الانفصال”، موضحا أن “استقلال تيمور الشرقية وجنوب السودان وبنغلاديش وإريتريا نتيجة لرفض الاعتراف بالحكم الذاتي وليس العكس”.

وأوضحت الدراسة المنشورة، تحت عنوان “الحكم الذاتي.. المفاهيم النماذج والتحديات”، بالمجلة الدولية ” International Journal of Civilizations Studies & Tolerance Sciences”، أنه “رغم أن نتائج الاستفتاءات في إسكتلندا وكيبيك كانت متقاربة، وأن استطلاعات الرأي في كاتالونيا وبوغانفيل تشير إلى رغبة في الاستقلال، فإن الحكم الذاتي لم يؤد بعد إلى الانفصال؛ ولكن يؤدي غالبا إلى المطالبة بمزيد من السلطات مع وجود بعض النزعات نحو الانفصال”.

وعلى هذا الأساس، قال الباحث بسلك الدكتوراه بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بفاس: “الحكم الذاتي غالبا يدير بدلا من أن يحل المطالب الانفصالية والتوترات بين الجماعات؛ ولكنه يعمل على تحقيق أهدافه، لأن السماح بالحكم الذاتي قد يضع الدولة المضيفة في صورة إيجابية، ويقلل من التهديدات المحتملة للأقليات، ويجبر الانفصاليين على تحمل مسؤوليات الحكم، ويكشف عن الانقسامات بين الجماعات الأقلية”.

نماذج رئيسية

وتطرقت الدراسة إلى خمسة نماذج رئيسية للحكم الذاتي؛ أولها الحكم الذاتي الديمقراطي، الذي ينشأ “عادة عندما تحشد الأقليات العرقية التي تتمتع بتاريخ من الحكم الذاتي قواها للمطالبة بالاعتراف بها كسلطة سياسية”، مفيدة بأن “الحكم الذاتي الديمقراطي قد يتوسع ببطء من خلال العديد من الاتفاقيات والقوانين والمفاوضات المستمرة”، مشيرة إلى نموذجي لألاند (بفنلندا) وجنوب تيرول (بإيطاليا).

وأوضح هشام الإسماعيلي أن مثل هذه الأنظمة تتميز عادة بوجود أحزاب جهوية تتضمن برامجها “حماية الثقافة المحلية والقومية الإقليمية”، مقدما أمثلة، “الحزب والكتلة الكيبيكية والحزب الوطني الإسكتلندي؛ وحزب التقارب والاتحاد في كتالونيا؛ والتحالف الفلمنكي الجديد؛ واتحاد الشعب في فلاندرز”.

أما النوع الثاني فهو الحكم الذاتي بعد الصراع، إذ “برز الحكم الذاتي كخيار أساسي للتغلب على الصراعات الانفصالية العنيفة، حيث يوفر حلا وسطا بين وحدة الدولة والاستقلال”. وقد يشبه النموذج سالف الذكر، “وخاصة عندما تتميز سياقات ما بعد الصراع بتنظيم الانتخابات وإنشاء الأحزاب الجهوية”.

وللتمييز بين النموذجين، ذكر الباحث أن الحكم الذاتي بعد الصراع “عادة ما يتم إنشاؤه كجزء من اتفاق سلام، وينطوي على وسطاء خارجيين، ويكون غير ليبرالي بشكل خاص، حيث تتشكل قاعدة القادة والنخب السياسية من المقاتلين والانفصاليين السابقين”، موردا عددا من الأمثلة على هذا النموذج؛ بينها أيرلندا الشمالية (المملكة المتحدة)، ومنطقة الباسك (إسبانيا)، واتشيه (إندونيسيا)، ومينداناو (الفلبين).

ويعد “الحكم الذاتي المتداخل” النموذج الثالث، الذي تشرحه الدراسة، حيث أكدت أن فكرته “مستمدة من النموذج الفيدرالي كمثال على ذلك “فيدرالية ماتريوشكا” في روسيا، حيث تعتبر المناطق المتمتعة بالحكم الذاتي وحدات فيدرالية”. وذكرت أنه يشير إلى الحكم الذاتي من الدرجة الثالثة داخل وحدات إدارية لا مركزية من الدرجة الثانية”.

معرجة على الشكل الرابع من أشكال الحكم ذاتي، توقفت الدراسة عند “الحكم الذاتي الإداري”، الذي “لا ينطوي الحكم الذاتي على الأقليات العرقية أو التهديد بالانفصال؛ بل يوجد بدلا من ذلك لأغراض الكفاءة الإدارية والاقتصادية”. وقالت إن “هذا هو النوع الوحيد الذي ينتهك السمة التعريفية للحكم الذاتي الذي يمثل الأقليات العرقية المميزة”.

ولدى بسطها الشكل الخامس، أي “الحكم الذاتي والديناميكي”، استحضرت الدراسة قول أندري لوكورس André Lecours أستاذ الدراسات السياسية بجامعة أوتاوا بكندا، أن “الحكم الذاتي ليس ثابتا تماما ولا ديناميكيا دائما، فإذا كانت لدى الأحزاب القومية ومواطني المجتمع الوطني الداخلي أسباب وجيهة للاعتقاد بأن الحكم الذاتي ديناميكي، وأنه يمكن تحسينه في المستقبل، فإنهم يكونون أقل حافزا لتبني مواقف انفصالية قوية مما لو كانوا يعتقدون أن نظام الحكم الذاتي الحالي هو اقتراح إما أن تقبله أو تتركه، أو أنه يمكن تقليصه أو إلغاؤه تماما”.

وعلى النقيض من ذلك، أردفت الدراسة، “إذا كانت لدى الأحزاب القومية ومواطني المجتمع الوطني الداخلي أسباب وجيهة للاعتقاد بأن نظام الحكم الذاتي ثابت، وأنه تسوية نهائية، وأن التغيير لن يأتي إلا بالاستقلال، فإنهم يصبح لديهم حوافز كبيرة لتبني مواقف انفصالية”.

انتهاك الحدود

على صعيد متصل، و”رغم أن الدول تفضل تنظيم شؤونها الداخلية وفقا لقاعدة السيادة الوطنية”، فإنها “في بعض الأحيان “مضطرة” إلى التنازل عبر منح الحكم الذاتي لحل صراع أو للاستجابة لمطالب كيانات فرعية”.

ويمكن للدول التعديلية Revisionist states ، وفق المصدر نفسه، “أن تستغل هذا الاستعداد للتنازل عن السيادة عندما تتمكن من دعم مزاعم مقنعة لمبدأ تقرير المصير الوطني على إقليم معين.. وبالتالي يمكنها استخدام تقرير المصير كذريعة لانتزاع الأصول الإقليمية لدولة أخرى”.

وأوضح الباحث معد الدراسة أن “قاعدة تقرير المصير” تسمح بمراجعة نظام السيادة الإقليمية؛ مما يسمح للدول بالتصرف خارج حدودها في تناقض مع قاعدة احترام السيادة الإقليمية للدول”، مفيدا بأن هذه التصرفات يمكن أن تتم، “طالما أن الدول قادرة على تبرير أفعالها وفقا لمبدأ تقرير المصير”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا