انطلقت صباح اليوم الخميس 28 غشت الجاري أولى جلسات التحقيق الإعدادي بمحكمة الاستئناف بالرشيدية، في قضية الطفل الراعي محمد إينو، الذي عثر على جثته قبل أشهر في ظروف وملابسات وُصفت بـ“الغامضة” بمنطقة أيت زعرور التابعة لجماعة أغبالو نواحي إقليم ميدلت.
ووفقا للمعطيات التي حصلت عليها جريدة “العمق المغربي”، فإن قاضي التحقيق قرّر تأجيل الاستماع إلى الشاهدين تودة عيسى وحمو بويسلخن إلى غاية 11 شتنبر 2025، مع الشروع في الاستماع إلى بعض الشهود الحاضرين، وإصدار أوامر بإعادة استدعاء عدد من الشهود الذين لم يتم التواصل معهم.
وفي هذا السياق، كشف محامي العائلة، صبري الحو، أن “انطلاق جلسات التحقيق يشكل خطوة أساسية على درب الكشف عن الحقيقة”، مشيرا إلى أن “هيئة الدفاع لا تزال تؤكد على ضرورة تحمل النيابة العامة كامل مسؤوليتها، من خلال إصدار أمر بفتح بحث جدي ومعمق، وفقا لما تضمنته الشكايات والملتمسات التي تم وضعها لديها”.
وأوضح صبري في تصريح لجريدة جريدة “العمق المغربي”، أن “جميع المعطيات المرتبطة بالقضية باتت معروفة لدى الرأي العام”، مضيفا في الوقت ذاته، أن “وسائل التواصل الاجتماعي تعج بتفاصيل الواقعة وتركيباتها المحتملة، وهو ما يستدعي إستحضار هذه المؤشرات خلال التحقيق وعدم تجاهلها”، وفق قوله.
وسجل المحامي ذاته، أن “قاضي التحقيق لم يصدر بعد قرارا بخصوص قبول الطرف المدني في هذه المرحلة، مشيرا إلى أن الطلب أُحيل على النيابة العامة لإبداء رأيها، في انتظار الحسم فيه خلال الجلسات القادمة”.
وبخصوص مواقف هيئة الدفاع، أكد صبري أن الهيئة “تتشبث بحقها في الحضور الكامل لكافة إجراءات التحقيق، وذلك إنسجاما مع المقتضيات القانونية والضمانات المخولة للطرف المدني”.
من جهته، كشف كبير قاشا، عضو لجنة الحقيقة والمساءلة في مقتل الطفل الراعي محمد بويسلخن، بأداء مبلغ الرسم القضائي لدى صندوق المحكمة اليوم من أجل تغيير صفة الوالدين من شاهدين لطرف مطالب بالحق المدني، مؤكدا أن النيابة العامة حركت المتابعة في هذا الملف بناء على شكاية الجمعية المغربية لحقوق الإنسان لدى الوكيل العام للملك بمحكمة الاستئناف بالراشيدية.
وأوضح قاشا في تصريح لـ“العمق المغربي”، أنه بناء على المعطيات التي توصلت بها اللجنة مؤخرا من الساكنة والتي تفيد تظافر جهود عدة أشخاص في هذا الجرم، فإن اللجنة المذكورة، ستقوم بتنظيم وقفة احتجاجية أمام مقر المحكمة ومبيتا ليليا يوم 5 شتنبر 2025، للمطالبة بتعميق البحث وتمديده ليطال كل الجهات والأطراف التي لها يد في هذا الفعل الشنيع والبربري.
وكانت لجنة الحقيقة والمساءلة في مقتل الطفل الراعي محمد بويسلخن، قد دعت في وقت سابق إلى مشاركة واسعة في اعتصام ومبيت ليلي أمام محكمة الاستئناف بمدينة الرشيدية، وذلك يوم الجمعة 5 شتنبر 2025، وذلك احتجاجا على ما وصفته بـ“القصور والتراخي وغياب الجدية” في التعامل مع هذا الملف الذي هزّ الرأي العام المحلي والوطني.
وعبّرت اللجنة، في بيانها رقم 3 الذي توصلت جريدة “العمق المغربي” بنسخة منه، عن إدانتها لما أسمته بـ“أشكال الضغط والتضييق التي واجهتها أسرة الطفل محمد بويسلخن بأغبالو”، والتي توجت بتهجيرها قسرا وإجبارها على إخلاء مسكنها في أغبالو، مثمنة في الوقت ذاته قيم البذل والإيثار والعطاء لساكنة تقجوين التي احتضنت الأسرة ووفرت لها الدعم والمواساة والدفء والدعم الإنساني المطلوب.
وشددت اللجنة على أهمية قرار النيابة العامة القاضي بتكييف القضية كـ“جريمة قتل عمد”، معتبرة أن هذا القرار يشكل فارقا جوهريا وتطورا إجرائيا حاسما يقطع مع ما سبق من محاولات لتبني فرضية الانتحار، وهو ما يكشف بجلاء حالة الغموض والضبابية والإلتباس الذي رافق القضية منذ بدايتها مع وجود دلائل واضحة على محاولات لطمس الجريمة وإفلات الجاني/الجناة من المساءلة والمحاسبة.
إلى ذلك، دعت الهيئة ذاتها، الدولة المغربية للإقرار بالقصور الذي شاب البحث والتحري في مقتل الطفل الراعي محمد بويسلخن بسبب انحداره من أسرة فقيرة ومعدمة تعيش على هامش المجتمع، والكشف عن ملابسات طي ملفه برواية الإنتحار قبل تدخل لجنة الحقيقة والمساءلة، وكشف هوية كل المتورطين في ذلك، ومحاسبتهم مع الإلتزام بعدم تكرار مثل هذه المسلكيات مستقبلا، وتسريع تدابير البحث المجدي عن الحقيقة كاملة غير مبسترة وإحقاق العدالة الجنائية في هذه الجريمة.
وطالب التنظيم ذاته بفتح تحقيق شامل ومعمق مع كل الأشخاص الذين أشارت لهم لجنة الحقيقة والمساءلة وكذا المكتب المركزي للجمعية المغربية لحقوق الإنسان في شكايته الموجهة لرئاسة النيابة العامة بالرباط، ودفاع الجمعية في شكايته للوكيل العام بالرشيدية، وفي سيل الشكايات والاتهامات التي تقدمت بها الأسرة لكل الجهات بما فيها قاضي التحقيق، مع عدم استثناء أي طرف أو جهة.
كما طالب بالتحقيق مع رجال الضابطة القضائية الذين عاينوا مسرح الجريمة، ومع الشخص الذي وجد على الساعة 11:00 ليلا في مقر الدرك وهو الذي توجه له الأسرة أصابع الاتهام، ومع الصفحات الفايسبوكية والحسابات الشخصية بإقليم ميدلت والتي سارعت لتفنيذ القتل والزعم بالتوفر على نتائج التشريح المؤكدة للانتحار، ومع الشخص الذي حمل الجثة بسيارة إسعاف من موقع الجريمة إلى أغبالو، ومع الأشخاص الذين أوقفوه بالقرب من مدارس ٱيت زعرور.
كما طالبت اللجنة ذاتها، بفتح تحقيق مع الأشخاص الذين رافقوا الجثة في سيارة خاصة وقدموا أنفسهم كوسطاء، ومع الشخص الذي زعم تدخله ونفوذه لتوفير طبيب تشريح، ومع الأشخاص الذين رفضوا مرافقة الأسرة لجثة الضحية، ثم الأشخاص الذين أشارت صفحات من خارج المغرب بضلوعهم في التوسط لطي الملف، إضافة إلى الشائعات المتداولة بشأن وليمة لترتيب أمور طمس الحقيقة، والرعاة الذين يتواجدون باستمرار في نفس المرعى الذي يقصده الضحية، بالإضافة إلى الشخص الذي تؤكد كل الساكنة معاينته لكل ما حصل، علاوة على أعوان السلطة ورجالها بالمنطقة … وغيرهم.
وخلص المصدر نفسه إلى أن قضية الطفل محمد بويسلخن ليست جريمة جنائية عادية، بل هي انتهاك صارخ لأسمى حق من حقوق الإنسان، وهو حق الطفل في الحياة والأمان والحماية من الاستغلال والأذى، داعية إلى ضرورة تحمل الدولة مسؤولياتها كاملة في حماية الأطفال وصون حقوقهم، ووقف جميع أشكال العنف والانتهاكات والاستغلال الفج لوضعهم الهش.