آخر الأخبار

التريبورتور.. من وسيلة لنقل البضائع الصغيرة إلى قنبلة موقوتة تجوب الشوارع - العمق المغربي

شارك

في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي

تصوير ومونتاج عزيز صفي الدين

تحولت الدراجات ثلاثية العجلات، المعروفة محليا باسم “التريبورتور”، من وسيلة مخصصة لنقل البضائع إلى سيارة أجرة غير قانونية تجوب المدن والأحياء الهامشية في المغرب، لتطرح بذلك معضلة اجتماعية واقتصادية وأمنية معقدة. ففيما يراها كثيرون شريان حياة لا غنى عنه في ظل نقص وسائل النقل العام، يعتبرها آخرون مصدرا للفوضى وخطرا يهدد السلامة العامة.

كان الهدف من استيراد هذه الدراجات في الأصل هو دعم الأنشطة التجارية الصغيرة، لكنها سرعان ما غيرت وظيفتها لتصبح وسيلة النقل الرئيسية لمئات الآلاف من المواطنين، خاصة في المناطق التي لا تصلها سيارات الأجرة أو الحافلات بشكل كاف. وتقول شهادات متطابقة لمواطنين مغاربة إن هذه الوسيلة أصبحت ضرورية للنساء العاملات اللواتي يتنقلن في ساعات الفجر الأولى، وللسكان في الأحياء التي يرفض سائقو سيارات الأجرة التوجه إليها.

الحاجة أم الاختراع

أجمع عدد من المواطنين على أن انتشار “التريبورتور” كوسيلة لنقل الأشخاص لم يأت من فراغ، بل هو نتيجة مباشرة لقصور منظومة النقل العمومي. ففي مناطق وأحياء بأكملها، يغيب البديل الفعال، حيث “لا توجد حافلات أو سيارات أجرة، صغيرة كانت أم كبيرة”، مما يترك الساكنة، خاصة فئات العمال والعاملات، في عزلة شبه تامة.

وأوضح أحد المواطنين في تصريح لجريدة “العمق” أن هذه الدراجات أصبحت شريان حياة للكثيرين، قائلا: “النساء العاملات اللواتي يخرجن فجرا للعمل لا يجدن وسيلة نقل أخرى، فسيارات الأجرة قد لا تقلهن إلى وجهتهن، والترامواي أو الحافلات بعيدة أو غير متوفرة”. وبهذا، يلعب “التريبورتور” دورا اجتماعيا لا يمكن إنكاره، فهو يضمن وصول آلاف المواطنين إلى أماكن عملهم وقضاء حوائجهم بكلفة منخفضة، في ظل ما وصفه آخر بـ “قلة أو انعدام فرص الشغل” التي تدفع الشباب إلى امتهان هذه الحرفة كسبيل وحيد للعيش.

على الجانب الآخر، دق المواطنون ناقوس الخطر بشأن الفوضى والمخاطر القاتلة التي ترافق هذه الظاهرة. فالتحول من نقل البضائع إلى نقل الأشخاص تم خارج أي إطار قانوني، مما جعل هذه الدراجات “قنابل موقوتة”. وأشار متحدث إلى أن “مدونة السير، في موادها 52، 54، و95، تشترط توفر شروط سلامة صارمة لنقل الركاب، كأحزمة الأمان والصفائح القانونية، وهو ما نفتقده تماما في هذه الدراجات”.

المشهد اليومي، كما يصفه مواطن آخر، بات ينذر بكارثة: “نرى سائقين في حالة هستيرية، بعضهم يتعاطى حبوب الهلوسة، يقودون بتهور ويصطدمون بالمارة ورجال الشرطة والسيارات، في خرق سافر للقانون”. وتتفاقم المأساة عند وقوع الحوادث، حيث يتم نقل أعداد مفرطة من الركاب (تصل إلى 8 أو 10 أشخاص) دون أي تغطية تأمينية. وفي هذا الصدد، أوضح خبير قانوني أن “عقد التأمين الأساسي يغطي راكبا واحدا أو اثنين، وفي حال وجود حمولة زائدة (Surcharge)، يصبح العقد لاغيا، فلا يستفيد السائق ولا الضحايا من أي تعويض، مما يضيع حقوقهم بالكامل”.

وحمل المتحدثون السلطات جزءا كبيرا من المسؤولية، متهمين إياها بـ “غض البصر” عن هذه التجاوزات كحل غير مباشر لمعضلة البطالة وتوفير “سلم اجتماعي” مؤقت. لكن هذا التغاضي شجع على تفاقم الظاهرة، حيث لم يعد الأمر يقتصر على الاستخدام غير القانوني، بل امتد إلى إدخال تعديلات خطيرة على هياكل الدراجات.

وأوضح أحد المواطنين: “لقد تحولت إلى ما يشبه شاحنات صغيرة، يتم تغيير شكلها وتزويدها بصناديق إضافية (بورت باكاج) ومقاعد عشوائية لزيادة حمولتها”. هذه التعديلات لا تؤثر فقط على توازن الدراجة وسلامتها، بل تشوه أيضا المشهد الحضري للمدن، وتحولها، على حد تعبير أحدهم، إلى “مدن بائسة تفتقر إلى التنظيم”.

بين التقنين الصارم وتوفير البديل

لم تقتصر آراء المواطنين على التشخيص، بل امتدت لتقديم حلول عملية للخروج من هذه الأزمة المركبة، وذلك عبر توفير البديل أولا؛ حيث أجمع الكل على أن الحل الجذري يكمن في توفير بدائل نقل عمومي فعالة ومنتظمة في المناطق التي ينشط فيها “التريبورتور”. فـ “طالما لا يوجد بديل، سيبقى الناس مجبرين على استخدامه”.

كما طالبوا بالتقنين والصرامة في التطبيق، داعين إلى فرض تطبيق صارم للقانون، يشمل إلزامية الحصول على رخصة سياقة، وتوفر الدراجة على صفيحة تسجيل، وتأمين حقيقي يغطي الركاب، مع حجز أي دراجة لا تلتزم بهذه الشروط، مشددين على ضرورة إعادة هذه الدراجات إلى وظيفتها الأصلية التي رخص لها من أجلها، وهي نقل البضائع فقط، ومنع أي تعديل على هيكلها.

ودعا هؤلاء الدولة إلى تحمل مسؤوليتها في تقنين القطاع ومعالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي أدت إلى انتشاره بهذا الشكل الفوضوي، مادام هي من سمحت بدخول هذه الدراجات إلى أرض الوطن.

العمق المصدر: العمق
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا