مع اقتراب الموسم الدراسي الجديد، يعود ملف ساعات عمل أساتذة التعليم الابتدائي إلى واجهة النقاش العمومي والنقابي، في ظل مطالبات متجددة بتخفيضها ومساواتها مع باقي الأسلاك التعليمية، في قضية باتت من أبرز الملفات المطروحة على طاولة الحوار بين النقابات ووزارة التربية الوطنية.
وفي هذا السياق، تؤكد نقابات تعليمية، على رأسها “الاتحاد الوطني للتعليم”، أن فرض 30 ساعة عمل أسبوعيا على أساتذة الابتدائي، مقابل 24 للإعدادي و21 للتأهيلي، يمثل “تمييزا مجحفا وغير مبرر”.
وتُذكّر النقابة بأن هذه الساعات الإضافية فُرضت عام 1983 ضمن ما عُرف بـ”الساعات التضامنية المؤقتة” لمواجهة أزمة مالية ظرفية، ولم تكن مبنية على أي رؤية تربوية، وهو ما يجعل مطلب العودة إلى 24 ساعة أسبوعيا “خطوة منطقية وضرورية لتحقيق الإنصاف”.
ولتسليط الضوء على الأبعاد التربوية والمهنية للقضية، يوضح الخبير التربوي أحمد دكار أن المراجعة العاجلة لهذا الملف تستند إلى اعتبارات عدة، أولها ضرورة التخلي عن قناعة خاطئة مفادها أن زيادة ساعات الدراسة تحسّن تلقائياً من مستوى تعلم التلميذ.
ويشير دكار، في تصريح لجريدة “العمق”، إلى أن هذا التصور يتجاهل مراحل النمو الدقيقة التي يمر بها تلميذ الابتدائي، حيث يؤدي الإرهاق الناتج عن طول اليوم الدراسي إلى نتائج عكسية تضر بمردوديته.
ويضيف الخبير أنه، بالمثل، لا يوجد أي دليل علمي يثبت أن إثقال كاهل الأستاذ بساعات عمل إضافية يرفع من جودة التعليم. بل إن العكس هو الصحيح؛ فكلما توفرت للأستاذ ظروف عمل مريحة ومحفزة، ومنها تخفيض ساعات العمل، زادت قدرته على الإبداع والعطاء داخل الفصل.
أما على صعيد الإنصاف المهني، فيرى دكار أن التفاوت الحالي في ساعات العمل بين الأسلاك التعليمية يكرّس غياب العدالة، رغم أن جميع الأساتذة ينتمون لنفس الإطار المهني وخضعوا لمسار تكوين موحد.
ويعتبر أن هذا التمييز ينبع من “عقلية تقليدية” تصنف الأساتذة وفق هرمية وهمية، ويصف هذا التصور بأنه “مجحف”، لأنه يترجم هذه الأفضلية المزعومة إلى فروقات في الأعباء المهنية، مما يولد لدى أساتذة التعليم الابتدائي شعوراً بالدونية وعدم التقدير.
ويختتم دكار حديثه بالتأكيد على أن الدراسات التربوية الحديثة تُجمع على أن نجاح أي منظومة تعليمية مرهون بتهيئة بيئة عمل متوازنة، معتبرا أن إعادة النظر في ساعات العمل ليست مجرد مطلب فئوي، بل هي شرط أساسي لضمان صحة المتعلم النفسية وتحفيز عطاء الأستاذ، وهما ركيزتان لا غنى عنهما لتحقيق الجودة المنشودة.