مؤشرة على تحولات عميقة في أنماط العيش والقيم الاجتماعية وصعود النزعة الفردية، تُقبل شريحة واسعة من المواطنين على تربية الحيوانات الأليفة داخل البيوت، في ظاهرة كانت إلى وقت قريب محدودة الانتشار، إلى أن صارت اليوم تستهوي مختلف الفئات والشرائح.
وفي وقت يرى باحثون في علم الاجتماع أن الظاهرة تؤشر على تغير البنية الأسرية فإن حضور هذه الظاهرة في الأوساط الأسرية بات يثير نقاشا آخر من زاوية الدين الإسلامي، الذي وضع ضوابط دقيقة لتربية الحيوان ورعايته بين ما هو مباح وما هو مكروه أو ممنوع.
وسط الفيلات كما في شقق الفاخرة وبين الأزقة والبيوت الشعبية ساد إقبال بعض المواطنين شيبا وشبابا على تبني تربية الحيوانات؛ منهم من اختار الكلب صديقا، وآخرون رأوا في القط رفيقا، فيما توجه آخرون إلى مساكنة “هامستر” والطيور المغردة.
وفي هذا الصدد، أوضح محسن اليرماني، باحث في الفكر والعقيدة ومقارنة الأديان، أن الاعتناء بالحيوانات ورعايتها والقيام بكل شؤونها ينم على ما يحمله الإنسان من رقة الحس بين جنبات نفسه والرحمة في قلبه.
وأضاف اليرماني، في تصريح لهسبريس، “أن الله تعالى أدخل امرأة من بني إسرائيل إلى الجنة لأنها سقت كلبا.. لقد نظر الله تعالى إلى قلب المرأة فوجده ممتلئا بالرحمة، فرحمها وغفر لها ما كانت تقترفه من الذنوب والخطايا بسبب فعلها الذي يدل على حياة قلبها وحسها المرهف”.
وتساءل الباحث في الفكر والعقيدة ومقارنة الأديان: هل ما يقوم به بعض الشباب والأسر من تربية الكلاب والقطط وغيرها من الحيوانات يندرج ضمن ما تم ذكره من الرحمة بالحيوان على اعتبار أن الحيوانات إنما هي أمم أمثالنا، وأن الله تعالى خلقها وأمرنا بالرفق بها والإحسان إليها، ونهانا عن الاعتداء عليها، ليجيب القول إن المتأمل في أولئك الذين يربون الكلاب والقطط وغيرها من الحيوانات يكاد يجزم أنهم يفعلون ذلك تقليدا لما يفعله الغربيون من تربية الحيوانات أو تقليدا لبعض المشاهير من نجوم الفن والرياضة.
وسجل المتحدث ذاته أن دوافع البعض من تربية الحيوانات إنما القصد منه التباهي ولفت الانتباه في الشارع العام، أو في الإقامات السكنية أو داخل الفضاءات العمومية، كما أن البعض لا يجد أدنى حرج في ترويع الناس بالكلاب الشرسة وإلحاق الأذى بالغير.
وخلص اليرماني إلى أن ظاهرة تربية الحيوانات بتلك الطريقة التي يفعلها العديد من الشباب لا تحقق أية منفعة وإثمها أكبر من نفعها، والأمر لا يعدو أن يكون ضربا من الموضة والتفاخر أكثر من كونه اعتناء ورفق بالحيوان.
وشدد الباحث ذاته على أنه لو كان الدافع الحقيقي وراء تربية تلك الحيوانات هو الشفقة والرحمة لكان الأولى الاهتمام بالحيوانات الضالة التي هي في أمسّ الحاجة إلى الرعاية والعناية، بدل الانشغال بالتباهي باقتناء الحيوانات باهظة الثمن والتنافس في شرائها.
محمد بن عيسى، الباحث المتخصص في علم الاجتماع، أوضح أن تزايد الإقبال على تربية القطط والكلاب في الحواضر المغربية يرتبط بجملة من العوامل؛ من أبرزها أن تربية هذه الحيوانات قد أصبحت تعبيرا عن المكانة الاجتماعية للفرد، ورمزا للذوق العصري وأنماط الرفاهية، لاسيما أن الاهتمام بها وفق المعايير المطلوبة يستلزم تخصيص ميزانية شهرية.
وأضاف بن عيسى، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الظاهرة ترتبط أيضا بتأثر الشباب بأنماط الحياة الغربية التي تضع الكلاب والقطط في صميم الحياة الأسرية، حيث تحولت هذه الحيوانات إلى عنصر فاعل في إعادة تشكيل الذوق وأنماط الاستهلاك.
وأبرز المتحدث أن الصور ومقاطع الفيديو المتداولة على شبكات التواصل الاجتماعي أسهمت في ترسيخ ما يمكن وصفه بـ”ثقافة الحيوانات الأليفة” لدى فئة واسعة من الشباب، عبر آليات المحاكاة والتقليد.
وختم الباحث في علم الاجتماع تصريحه بالتأكيد على أن الظاهرة تعكس تحولا اجتماعيا أوسع يمس بنية الأسرة المغربية، من خلال تراجع دور الأسرة الممتدة وظهور الأسرة النووية الصغيرة، إلى جانب تزايد أنماط العيش الفردي في المدن؛ وهو ما يتم التعويض عنه بتربية الحيوانات الأليفة.