استنكرت فعاليات جمعوية ومدنية واقعة جديدة لهتك العرض طالت هذه المرة طفلا مشاركا في أحد المخيمات الصيفية بإقليم إفران (مخيم رأس الماء)، ما قاد “مؤطريْن تربويين” إلى الاعتقال، بينما لا تزال أبحاث وتحقيقات عناصر الدرك الملكي جارية، بناء على تعليمات النيابة العامة المختصة.
“الواقعة-الفضيحة” الجديدة في حق طفل لا يتجاوز 13 عاما تفجرت أياما قليلة بعد حادثة الاغتصاب الجماعي لطفل قاصر يتيم ينحدر من اليوسفية في موسم مولاي عبد الله أمغار بالجديدة. ووفقا للمعطيات التي توفرت لهسبريس، فقد تم “الوقوف على سلوك غير أخلاقي من طرف أحد المؤطرين، يبلغ من العمر 28 سنة، في حق طفل بالمخيم سالف الذكر بفضاء سايس”.
ولم تكتف التفاعلات المدنية، التي استقتها هسبريس، بإثارة مطلب إحقاق العدالة وإنزال أشد العقوبات على الجناة بما يضمن إنصافا قانونيا للضحايا القُصَّر وعائلاتهم، بل امتدت إلى فكرة “ضرورة إدراج التربية الجنسية والحقوقية” ضمن المقررات الدراسية والمناهج التربوية، وذلك بعد أن أعاد توالي حوادث الاعتداء الجنسي على الأطفال/القاصرين وتواترها بقوة هذا المطلب إلى دائرة النقاش العمومي من جديد.
عبد الله السوسي، رئيس “مؤسسة أمان لحماية الطفولة” عضو “حركة طفولة المغرب”، قال إن “حماية أطفالنا من كافة أشكال العنف، ولا سيما العنف الجنسي الذي طفت منه وقائع عديدة في الآونة الأخيرة، تظل أولوية وطنية ومسؤولية مشتركة/جماعية بين الدولة والمجتمع والأُسَر”.
من هذا المنطلق، شدد السوسي، مصرحا لهسبريس، على “الوقاية والتوعية عبر إدماج التربية الجنسية والحقوقية في المناهج الدراسية، وإطلاق برامج إعلامية ومجتمعية لترسيخ ثقافة احترام حقوق الطفل”.
ولفت رئيس مؤسسة أمان لحماية الطفولة إلى ملحاحية “تفعيل الرصد الاستباقي والتكفل بالضحايا بآليات فعّالة تضمن الدعم النفسي والصحي والاجتماعي ومواصلة التمدرس للأطفال المتضررين”، داعيا إلى “تأهيل العاملين مع الأطفال بإلزامية تكوينٍ متخصص في حماية الطفولة لكل من يشتغل بشكل مباشر مع هذه الفئة الناشئة: وفي قطاعات التعليم، المخيمات، الجمعيات، الصحة أو غيرها”.
وتابع مفصلا: “وجَبَ إلزام جميع المهنيين الذين يتعاملون بشكل مباشر مع الأطفال (مربّين، مدرسين، مؤطرين في المخيمات، أئمة بالكتاتيب، أطباء…) بالخضوع لتكوين متخصص في مجال حماية الطفولة”، مثيرا مطلب “اشتراط اعتماد شهادات تكوين خاصة في حماية الطفل كمعيار أساسي لمزاولة المهن المرتبطة به، مع إجراء اختبارات بسيكو-تقنية في معظم الحالات”.
وأضاف متفاعلا مع هسبريس: “الأمر يتعلق أيضا باعتماد سياسات داخلية صارمة داخل المؤسسات التعليمية والتربوية والاجتماعية، تمنع أي تجاوز وتمكّن من سرعة التبليغ وإنفاذ المحاسبة القانونية”.
وفي الشق القانوني دعا الفاعل المدني ذاته إلى “تفعيل القوانين الزجرية في مواجهة كل أشكال العنف ضد الأطفال، وخاصة الاعتداءات الجنسية”، و”إقرار عقوبات مشددة بحق المتورطين، بما يضمن الردع وحماية الأطفال من أي تهديد محتمل”.
وختم بأن “حماية الأطفال ليست فقط التزاما قانونيا أو حقوقيا، بل هي مسؤولية أخلاقية ومجتمعية. وأي تقصير في هذا المجال يعرض الأجيال الصاعدة لمخاطر جسيمة، تمس حاضرهم ومستقبلهم. ومن هنا، فإننا ندعو إلى تكاثف جهود الدولة، والمجتمع المدني، والإعلام، والأسر، لضمان أن ينشأ كل طفل في بيئة آمنة، مصونة الكرامة، ومؤهِّلة لصناعة مستقبل أفضل”.
بدورها، تحركت جمعية “شباب المواطنة المغربية”، الناشطة في الشأن التربوي للطفولة والمخيمات أيضا، مبرزة أن “العمل الجمعوي ليس مجرد أنشطة شكلية أو مناسبات عابرة، بل هو رسالة ومسؤولية تتطلب النزاهة، الانضباط، الالتزام، القدوة الحسنة والوعي العميق بالدور الكبير الذي يلعبه الفاعل التربوي في بناء وعي الناشئة وصناعة جيل المستقبل”.
وقال حكيم سعودي، ناشط مدني في مجال التخييم رئيس المكتب المركزي للجمعية المذكورة، في تعليق لهسبريس، إنه “على إثر ما راج في الآونة الأخيرة داخل بعض الفضاءات التربوية والجمعوية من سلوكات وتصرفات فردية شاذة أثارت استياء واسعا في الوسط الجمعوي وعموم المجتمع وأعطت صورة مشوهة عن العمل الجمعوي النبيل، تؤكد جمعية شباب المواطنة المغربية بجميع فروعها المنتشرة عبر التراب الوطني التزامها الراسخ بالقيم التربوية والأخلاقية التي تأسست عليها”.
وأضاف أن “ما شهدته بعض الفضاءات من تصرفات فردية مهما كانت محدودة أو معزولة يمثل انحرافا صارخا عن الرسالة الجمعوية، ويشكل خطرا على مصداقية العمل المدني”، رافضا “هذه السلوكيات التي لا تمثلنا ولا يمكن بأي حال أن تُلصق بجسم جمعوي وطني بذل الغالي والنفيس في سبيل تنشئة أجيال متشبعة بقيم المواطنة، التضامن والالتزام الصادق”.
ولمواجهة “السلوكيات الفردية المنعزلة رغم محدوديتها التي قد تشوه سمعة العمل الجمعوي وتقلل من تأثيره الإيجابي على الطفولة والشباب، بكل حزم وصرامة”، يتعيّن، بحسب سعودي، “تفعيل آليات المراقبة والتقييم المستمر داخل الفضاءات التربوية ومؤسسات التخييم لضمان الالتزام بالمعايير التربوية والأخلاقية”، مع “القطع النهائي مع كل السلوكيات الفردية والانحرافات التي تضر بصورة القطاع الجمعوي وتؤثر سلبا على مستقبل الناشئة المغربية”، داعيا إلى تفعيل “المساءلة والمحاسبة الصارمة لكل من يثبت تورطه في أي سلوك يتعارض مع رسالة التأطير والتربية”.
كما نادى بـ”تعزيز برامج التكوين والتأطير لضمان رفع مستوى المسؤولية والكفاءة لدى كل الفاعلين الجمعويين وحماية الفضاءات المخصصة للأطفال من أي استغلال أو انحراف”، مع “تشجيع النقد البنّاء والممارسات الديمقراطية الداخلية كوسيلة لتصحيح الأخطاء وتحسين الأداء بعيدا عن التجييش أو التشويه”.
وختم قائلا: “إننا ندين بشدة هذه التجاوزات مُعبّرين عن قلقنا البالغ لما قد تتركه من انعكاسات سلبية على صورة الفاعلين الجمعويين الحقيقيين وعلى فضاءات التخييم والتأطير التربوي التي يجب أن تبقى دائما مساحات آمنة، تربوية، نقية، بعيدة عن أي شبهة أو انحراف”.
تفاعلا مع “حادث المخيم” سارعت الجامعة الوطنية للتخييم (شريكة وزارة الشباب في تنزيل البرنامج الوطني للتخييم 2025)، ضمن “بلاغ عاجل” توصلت به هسبريس، إلى “إدانة بأشد العبارات هذا الفعل المشين – إنْ ثبت– الذي لا يمت بصلة لا للأخلاق ولا للضمير ولا للمبادئ التربوية”، مؤكدة أن “المخيم كفضاء تربوي وثقافي وإنساني بريء من مثل هذه الانحرافات”.
وشدّدت “جامعة التخييم” على “رفض التعميم الجائر الذي قد يطعن في جهود آلاف الأطر التربوية الصادقة والمخلصة، مع احترام قرينة البراءة وانتظار نتائج التحقيقات الرسمية، والإصرار في الوقت نفسه على المتابعة القضائية الصارمة لكل من تُسوّل له نفسه الإساءة للطفولة أو خيانة الأمانة التربوية”، بتعبيرها.
ولفتت إلى أن “سلامة الأطفال وأمنهم الجسدي والنفسي يظلّان خطا أحمر لا يمكن تجاوزه، باعتبارها مسؤولية جماعية مشتركة بين جميع الفاعلين: الدولة، المجتمع المدني، والأسر، في إطار عقد ثقة ومسؤولية لا يقبل أي تهاون أو تفريط”، ملحة على أن “أيّ سلوك منحرف أو فعل شاذ، كالحادث المدعى به، يبقى فعلا فرديا معزولا لا يمكن أن يُنسب إلى منظومة المخيمات التربوية ككل، ولا أن يُعمم على آلاف الأطر والجمعيات العاملة بجد ومسؤولية في هذا الميدان”.
وانطلاقا من هذا المبدأ، دعت الجامعة “كافة الجمعيات العاملة في الميدان إلى: مضاعفة مجهوداتها وتطوير أدائها بما يعكس التزاما أقوى بمعايير الجودة واليقظة التربوية”، و”اعتماد أعلى درجات المسؤولية والانضباط في مراقبة وتتبع الأنشطة وكل ما يضمَن أمن الأطفال”، مع “وضع المصالح الفضلى للطفل كبوصلة أساسية لأي مبادرة أو برنامج فوق كل اعتبار”.
وجددت الجامعة الوطنية للتخييم التأكيد أن “الحركة الجمعوية التربوية المنضوية تحت لواء الجامعة كانت ولا تزال سبّاقة إلى تحصين الميدان التربوي من كل السلوكات الشاذة والمعزولة، وستظل دائما في موقع التصدي الصارم لأي انفلاتات حماية لحرمة الفعل التخييمي وصونا لقيمه التربوية الراسخة”.