قال باحثون متخصصون في شؤون السلامة الطرقية إن تعليق حملة مراقبة الدراجات بمحرك، بعدما بدأت تأخذ تداعيات متسارعة في الأيام الأخيرة، “لا يسقط بالضرورة مسؤولية وزارة الصناعة والتجارة في هذا الموضوع، بحكم وجود شبهات تتعلق باستيراد هذه المركبات معدلة من منبعها في الصين”، كما أن “شركات تجارية تستوردها مبعثرة ثم تعيد تجميعها محلياً وفق تقنيات مخالفة”.
وتساءل الباحثون بشأن ما اعتبروه “تعثرا في تفعيل المراقبة التقنية والقانونية على هذا النوع من الدراجات، ما يجعل المواطن الذي يقتنيها بحسن نية في وضعية مخالفة للقانون، دون توجيه واضح من الجهات المعنية”، مسجلين أن “الحملة الأخيرة، التي شنتها المصالح الأمنية في عدد من المدن، ورطت أجهزة ومؤسسات عدة، في وقت التزمت فيه ‘وزارة مزور’، أحد أبرز أطراف النقاش، الصمت، دون تقديم أي توضيح رسمي بشأن الوضع القانوني والفني لهذه المركبات المثيرة للجدل”.
وفي محاولة لنيل موقف هذه الوزارة، تواصلت هسبريس مع مصدر مسؤول فضل عدم التجاوب؛ لكونه “في عطلة”، كما أحالنا على مصدر آخر ظل هاتفه يرن بلا جواب، وذلك في وقت تتصاعد فيه دعوات المهنيين والفاعلين في مجال السلامة الطرقية إلى “تقديم توضيحات رسمية من طرف الحكومة، وبالأخص وزارة الصناعة والتجارة، لرفع الغموض عن الوضع القانوني للدراجات المصادرة”.
الطاهر سعدون، باحث في الشؤون القضائية المتعلقة بالمركبات والسلامة الطرقية، قال إن الحملة الجارية تجاه الدراجات بمحرّك “تثير مسؤولية واضحة لوزارة الصناعة والتجارة وكذا المركز الوطني لإجراء التجارب والتصديق التابع لنارسا، من حيث تفعيل المراقبة الميدانية التي تتولى القيام بها لجنة مختصة تشارك فيها الشرطة القضائية”، موضحا أن “هذه الدراجات بمحرك، التي تجري مصادرتها الآن، دخلت إلى المغرب من الصين وهي معدّلة تقنيًا”.
وأضاف سعدون، ضمن تصريح لهسبريس، أن “هذه المركبات تصل إلى البلاد وهي في ظاهرها مطابقة للمواصفات، وتحمل بيانات تقنية توحي بأنها تستوفي الشروط القانونية، غير أن محتواها الداخلي يخالف كليًا ما هو مصادق عليه في محاضر المصادقة”، مبرزا أن “التعديلات تبدأ من المصنع بالمغرب أو بالصين، حيث تُعتمد محركات تُسجّل على أنها لا تتجاوز سعة 50 سنتمترا مكعبًا، لكنها في الواقع قد تفوق 100 سم مكعب”.
وأشار المتحدث إلى “وجود شبهات تواطؤ من طرف بعض الأجهزة على مستوى الحدود مع مستوردين”، وقال: “الوثائق تُحرّر بشكل لا يبيّن الرقم التسلسلي الكامل، وتُترك فيه فراغات تولد علامات استفهام حول جميع المركبات، بينما يُظهر الفحص التقني لاحقًا اختلافات تقنية كبيرة بين ما هو مصرح به والحقيقة”، مسجلا أن “التلاعب يتجاوز المحركات إلى النظام المؤتمت للمحرّك، مثل البيالة، والمكبس، وسلسلة العجلة الخلفية، ونظام الإشعال، وغيرها”.
وأورد الباحث عينه أن هذه الخصائص “تمكّن الدراجة من تجاوز السرعة القانونية المحددة في 50 كيلومترًا في الساعة طبقا للمادة 44 من مدونة السير، لتصل أحيانًا إلى 100 أو حتى 140 كيلومترًا في الساعة، مع أنها تُباع وتُسوّق على أنها دراجات بمحرك لا تتطلب رخصة السياقة في انتظار رخصة AM”، واصفا ذلك بأنه “تدليس ممنهج” يُعرض حياة المواطنين للخطر، لا سيما شريحة الشباب، ويخالف بشكل صارخ ما تنص عليه مدونة السير وقانون حماية المستهلك.
وذكر الباحث عينه أن “هذه الدراجات تُعرض في السوق على أنها من علامات معروفة، بينما هي في الحقيقة منتجات مغشوشة أو مقلّدة، تستغل تشابه الأسماء لإقناع الزبائن”، موردا أن “الأمر يحدث بمعرفة بعض المستوردين الذين يمررونها عبر قنوات غير مضبوطة، وبتواطؤ محتمل في بعض المعابر الجمركية، دون أن يتم التحقق من المواصفات الفعلية في المعامل أو مراكز التصنيع، مع العلم أن القانون خصص لهم غرامات مالية تصل إلى 50 ألف درهم عن كل مركبة”.
وأكد سعدون أن “معالجة هذه الظاهرة لا تقتصر على مصادرة الدراجات من الطرقات فقط، بل تتطلب تدخّلًا مباشرًا من وزارة الصناعة والتجارة، المعهد المغربي للتقنين وكذلك وزارة النقل والضابطة القضائية للقيام بجولات ميدانية في المعامل والمستودعات، وسحب عينات عشوائية للفحص، وإصدار تقارير دورية تنشر للعموم”، داعيا إلى تفعيل التنسيق بين الجمارك، والشرطة القضائية والمركز الوطني للاختبارات والتصديق والمختبر العمومي للتجارب والدراسات، من أجل الحد من هذا الخطر الذي “يقتل أبناء الوطن باسم منتجات يفترض أنها قانونية”.
مصطفى الحاجي، رئيس الهيئة المغربية لجمعيات السلامة الطرقية، قال من جانبه إن “أصل المشكل المرتبط بهذه الدراجات يكمن في بعض الشركات التي تستورد الدراجات النارية بشكل قانوني على الورق، ثم تقوم بتعديلها داخل المغرب”، مضيفا أن “هناك من يستوردها مفككة ثم يعيد تجميعها محلياً مع تغيير خصائصها التقنية، خاصة تلك المتعلقة بالسرعة، وذلك في صيغة تحايُل يهدف إلى التلاعب بالقوانين”.
وأكد الحاجي، ضمن تصريح لهسبريس، أن “الهيئة تمكنت من إثبات هذه الخروقات عبر مفوض قضائي، حيث تبين أن شركة معينة كانت تبيع دراجات معدلة للمواطنين دون الإفصاح عن ذلك”، وقال: “هؤلاء يدفعون المواطن إلى اقتناء دراجة يعتقد أنها قانونية، فلماذا نحمّله وحده المسؤولية؟ هذا نقاش حقيقي يجب أن يُطرح بجدية؛ لأن المسؤولية في الحقيقة تقع على عاتق الشركات، وأيضا على وزارة الصناعة والتجارة التي لم تقم بواجب المراقبة كما يجب”.
كما أبرز المتحدث أن “المواطن في حال تمت مصادرة دراجته، يجب أن يُمنح الحق في إثبات حسن نيته أمام القضاء، وأن يتقدم بدعوى ضد الشركة التي باعت له الدراجة”، وأضاف: “المشكل في أن بعض الشركات تدّعي أنها تبيع دراجات بمحرك 49 سنتيمتراً مكعباً، في حين إنها في الواقع تركّب نماذج غير مطابقة للمعايير القانونية، وهنا يجب على الدولة أن تتدخل وتتحمل مسؤوليتها في مراقبة السوق وضمان جودة المنتجات المعروضة”.
وشدد رئيس الهيئة سالفة الذكر على أن “المواطن يثق في الشركات بناءً على ثقته في الدولة، وعلى فرضية أن المراقبة متواصلة، لكن الواقع يُظهر عكس ذلك”، على حد تعبيره، مضيفا: “نحن أمام لوبي يجب أن يحاسب. لا يجب السماح بإدخال مكونات تقنية مثل الأسطوانات ذات سعة 70 سنتيمترا مكعبا، التي لا حاجة لنا بها أصلا، وهذا يطرح تساؤلات كبرى حول دور وزارة الصناعة والتجارة”.
وختم الحاجي بالتأكيد أن “المواطن هو الضحية الأولى؛ لأنه اشترى الدراجة بنية حسنة”، قائلا: “من حق المواطن أن يلجأ إلى القضاء للمطالبة بالتعويض المادي والمعنوي إن ثبت أنه وقع ضحية نصب. وعلى الدولة أن تطلق حملة مراقبة شاملة تستهدف كل الشركات المشكوك في ممارساتها لضمان احترام الضوابط القانونية، ومحاصرة لوبيات التعديل غير القانوني”.