في وقت تعرف فيه العديد من المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود تنظيم مباريات الولوج إليها واقتراب امتحانات شهادة الماستر، حذر باحثون في الشؤون التربوية من “تنامي ظاهرة اعتماد بعض المترشحين على أدوات الذكاء الاصطناعي في الإجابة عن الأسئلة أو التحضير لها”، معتبرين أن “ذلك يشكل تهديدا حقيقيا لمبدأ تكافؤ الفرص، ويؤثر سلبا على مصداقية المباريات وكفاءة النخب المستقبلية”.
وفي هذا السياق، دعا خبراء تربويون إلى “ضرورة اتخاذ إجراءات صارمة تحدّ من هذه الممارسات؛ من خلال إعادة النظر في صيغة تنظيم الامتحانات، وتفعيل أدوات المراقبة، واعتماد مقابلات شفوية كآلية لتقييم القدرات الحقيقية للمترشحين”، تفاديا لما وصفوه بـ”كارثة تربوية وشيكة” قد “تمس” جودة التكوين ومصداقية الكفاءات الوطنية.
قال رضوان الرمتي، خبير تربوي، إن الاعتماد المتزايد لبعض المتبارين على أدوات الذكاء الاصطناعي، خصوصا في مباريات التوظيف ومباريات الولوج إلى المؤسسات الجامعية ذات الاستقطاب المحدود، أصبح يشكل سلوكا مقلقا ويمس بمبدأ تكافؤ الفرص”.
وأضاف الرمتي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس، أن “هذا النوع من الممارسات، إذا استمر في التوسع دون تدخل حازم، سيؤدي إلى تخريج أجيال تفتقر إلى القدرة الحقيقية على التفكير والتحليل؛ وهو ما يهدد مستقبل الكفاءات الوطنية”.
وأوضح الخبير التربوي أنه من الضروري أولا فتح نقاش وطني جاد بين المسؤولين التربويين والهيئات المشرفة على المباريات من أجل إعادة النظر في صيغة تنظيم هذه المباريات، مشددا على “أهمية إعداد مستندات خاصة وفريدة لكل امتحان، مع التقليل من الاعتماد على الأسئلة العامة الجاهزة التي يسهل التنبؤ بها أو توليد أجوبتها باستخدام أدوات الذكاء الاصطناعي”.
وأضاف المتحدث عينه أن “تحليل الأجوبة يجب أن يخضع لعملية مقارنة دقيقة تُعرض خلالها على خبراء مختصين قادرين على رصد المؤشرات التي تدل على ما إذا كانت الأجوبة أصلية أم مستخرجة من مصادر اصطناعية”، مؤكدا أنه “لا يمكن الاستمرار في التغاضي عن هذه الظاهرة”، محذرا من أن “ترك الأمور تسير بهذه الطريقة سيؤدي إلى كوارث تربوية على المديين القريب والبعيد”.
وأوصى الرمتي بـ”ضرورة قطع شبكة الأنترنيت في مراكز الامتحان كإجراء احترازي، مع استثناء مرافق الإدارة”، مشددا على أن “الرهان الحقيقي اليوم هو الحفاظ على مصداقية المباريات وضمان أن من ينجح فيها يمتلك فعلا الكفاءة والقدرة على التفكير؛ وليس فقط مهارة نسخ الأجوبة من أدوات ذكية، تقوض المنافسة الحقيقية والشريفة بين المتبارين”.
بدوره، حذّر جمال شفيق، خبير تربوي، من “الخطورة المتصاعدة لاستثمار الذكاء الاصطناعي بشكل مطلق في مباريات التعليم العالي، خاصة داخل المؤسسات ذات الاستقطاب المحدود”.
وأشار شفيق، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن “ضعف المراقبة، سواء البشرية أو الإلكترونية، يفتح الباب على مصراعيه أمام أساليب متطورة للغش أو الانتحال؛ وهي تحركات يصعب، في كثير من الأحيان، رصدها بالطرق التقليدية”.
وقال الخبير التربوي إن “بعض المترشحين باتوا يعتمدون على تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل مباشر للإجابة عن الأسئلة أثناء المباراة، أو الاستناد إليها بشكل كلي خلال التحضيرات. كما أنهم يتواصلون مع جهات خارجية عبر هواتفهم أو أجهزة خفية، مستغلين غياب آليات التفتيش الفعالة”، مؤكدا أن “هذه الممارسات تحتاج المزيد من الحصار لكونها تمس بمبدأ تكافؤ الفرص وتُفقد المباريات مصداقيتها”.
وأضاف المتحدث عينه أن “الذكاء الاصطناعي يقتصر في أحيان كثيرة على الإجابات السطحية؛ لكنه في أحيان أخرى لا يكون قادرا على التعامل مع أسئلة تتطلب مهارات تحليل واستدلال وخبرة حين يتمّ حصر زوايا النظر في الأسئلة، وهو ما قد يربكه ويدفعه إلى تقديم معطيات مغلوطة”.
وتابع شفيق قائلا: “ما يزيد من خطورته في سياق مباريات يُفترض أن تفرز مترشحين ذوي كفاءة عالية هو غياب أدوات الكشف والمراقبة المناسبة داخل مراكز المباريات؛ ما يتطلب إجراءات مشددة”.
وفي هذا السياق، أوصى الخبير التربوي بالاعتماد على “المقابلة الشفوية كآلية أساسية لتمييز الكفاءات والتعرف أكثر على البنية الذهنية والنفسية للمترشحين”، معتبرا إياها “وسيلة فعالة وعادلة للكشف عن قدرات المترشح في التواصل، والتحليل، والتفاعل الفوري؛ فالمقابلة الشفوية باتت ضرورية في خضم هيمنة آليات التقنية، خصوصا أن هذه المقابلة تسمح بتكوين تصور شامل عن شخصية المترشح بعيدا عن أية تدخلات خارجية أو وسائل مساعدة”.