خلصت ورقة تحليلية نشرها المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات إلى أن المغرب رسّخ حضوره كفاعل محوري في منطقة الساحل الأفريقي والواجهة الأطلسية، معتمدا على مزيج من الموقع الجيوستراتيجي والعلاقات التاريخية والاستثمارات الاقتصادية، ليبني بذلك رؤية بديلة عن مشروع اتحاد المغرب العربي المتعثر.
ووفقا للباحثة عائشة البصري، التي أعدّت الورقة المعنونة: “المغرب العربي والساحل؛ بين التقارب والتنافس وإعادة التموضع”، فإن الرباط باتت تقود محورا أطلسيا أفريقيا يوازي، بل ينافس، المحور المغاربي الذي تحاول الجزائر إحياؤه شرقًا.
توضح الورقة أن المغرب لم يعد يكتفي بدوره التقليدي كجسر يربط أوروبا بأفريقيا عبر البحر الأبيض المتوسط، بل يطمح إلى أن يكون فاعلا رئيسا في شبكات التجارة الأطلسية – الأفريقية، ويتجسد هذا الطموح في مشاركته النشطة بمبادرة “شراكة التعاون الأطلسي” التي تقودها الولايات المتحدة وتضم 42 دولة من أفريقيا وأوروبا والأميركيتين والكاريبي.
وبينما تتراجع فرنسا وأوروبا، يتقدم المغرب ليملأ الفراغ، مستفيدا من تراجع جاره الشرقي، ومع تصاعد المنافسة الدولية، ترى الورقة أن مستقبل المنطقة سيظل رهينًا بتوازنات هشة وتحالفات متغيرة، غير أن المؤكد هو أن المغرب بات لاعبًا يصعب تجاهله في معادلة الساحل والأطلسي.
وقد بلور المغرب استراتيجيته الأفريقية – الأطلسية في ضوء أربعة تحولات كبرى: عودته إلى الاتحاد الأفريقي عام 2017، تراجع النفوذ الفرنسي بعد سلسلة الانقلابات العسكرية في الساحل، انسحاب مالي والنيجر وبوركينا فاسو من “إيكواس” وتأسيس “تحالف دول الساحل”، وأخيرًا تراجع الدور الجزائري في دول الجوار الأفريقي.
في السادس من نونبر 2023، أطلق المغرب مبادرته الأطلسية التي تمنح دول الساحل الحبيسة (مالي، النيجر، تشاد، بوركينا فاسو) منفذا استراتيجيا على المحيط الأطلسي عبر الموانئ المغربية، وعلى رأسها ميناء الداخلة في الصحراء، وهي المبادرة لاقت ترحيبا واسعا من هذه الدول التي رأت فيها بديلا عن تبعيتها السابقة لموانئ “إيكواس”، واعترافا عمليا بريادة المغرب الإقليمية.
وترتبط هذه المبادرة بمشروع أنبوب الغاز الأطلسي – الأفريقي، الممتد من نيجيريا إلى المغرب عبر 13 دولة في غرب أفريقيا، بما يتيح تزويد دول الساحل بالغاز وتصديره لاحقا إلى أوروبا، وبهذا المشروع، لا يسعى المغرب فقط إلى تلبية احتياجات الطاقة الأفريقية، بل أيضا إلى دخول مجال الجغرافيا السياسية لخطوط الغاز، وهو مجال ظل لعقود تحت هيمنة الجزائر وليبيا.
إلى جانب الاستثمار في البنى التحتية والطاقة، اعتمد المغرب سياسة القوة الناعمة لتعزيز حضوره في أفريقيا جنوب الصحراء، وتشمل هذه السياسة برامج تدريب عسكري وأمني، منحا دراسية، تكوين الأئمة في إطار الدبلوماسية الدينية، إلى جانب دعم المهرجانات والمبادرات الإعلامية والثقافية الأفريقية، وتشير الورقة إلى أن المغرب وقع 949 اتفاقية مع دول أفريقية بين عامي 2000 و2017، وهو رقم يعكس حجم انخراطه المتصاعد في القارة.
ووفق الورقة، توظف الرباط هذه المشاريع لتعزيز موقفها في قضية الصحراء، إذ إن إدماج ميناء الداخلة وبقية أراضي الصحراء في الشبكات الأطلسية يسهم في تكريس الاعتراف بسيادتها. وتكشف الورقة أن نحو عشرين دولة أفريقية افتتحت قنصليات في الداخلة والعيون حتى ربيع 2025، في حين تراجع الاعتراف بـجبهة البوليساريو”، مع سحب عدد من الدول الأفريقية اعترافها بها، كان آخرها غانا.
ومع ذلك، أكدت الورقة أن هذه الطموحات لا تخلو من مخاطر، فالمنافسة بين المغرب والجزائر مرشحة للتفاقم، خصوصا في قطاع الطاقة من خلال خط الغاز المغربي – النيجيري الذي يواجه مباشرة مشروع أنبوب الغاز العابر للصحراء عبر الجزائر والنيجر، وهو مشروع يعاني أصلا من الهجمات التخريبية والتوترات الدبلوماسية،. كما أن تعميق التقارب المغربي – الموريتاني قد يفتح أمام الرباط ممرا استراتيجيا نحو الساحل وغرب أفريقيا، لكنه في المقابل يثير حفيظة الجزائر وجبهة البوليساريو.
تخلص الورقة إلى أن المشهد المغاربي – الساحلي يعاد تشكيله وفق محورين متوازيين: أطلسي أفريقي تقوده الرباط، ومغاربي شرقي تسعى الجزائر إلى تكريسه عبر تحالفاتها مع تونس وليبيا. وبين هذين المحورين، يبقى الفضاء الموريتاني عاملًا مرجحًا، بينما تظل ليبيا ساحة مفتوحة أمام تنافس داخلي وخارجي متشابك.