آخر الأخبار

جنازة في كلميم تشهد استعراضا انفصاليا مفضوحا برفع "خرقة البوليساريو"

شارك

في جنازة عابرة بجماعة “لقصابي” بجهة كلميم واد نون، كان يفترض أن يسود الصمت والخشوع، فإذا بالمشهد يتحول إلى محاولة استعراضية لبعث رسالة سياسية ميتة؛ إذ استغل بعض المتعاطفين مع جبهة البوليساريو الانفصالية لحظة دفن جثة أحد “النشطاء”، أول أمس الجمعة، من أجل رفع “خرقة” الدولة الوهمية في تندوف وترديد شعارات مناوئة للوحدة الترابية للمملكة، وفق ما وثقته مقاطع فيديو متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي.

رفع علم البوليساريو وترديد شعارات انفصالية في حضرة الموت في كلميم لم يكن فعلا بريئا، وفق مهتمين، بل هو تكتيك جديد وعلامة على مرحلة جديدة تدخلها الجبهة المدعومة جزائريا في صراعها مع المغرب، بعدما وجدت نفسها محاصرة خارجيا ودوليا وخاسرة في معركة السلاح والدبلوماسية، فصارت تبحث عن أوكسجينها في الداخل المغربي، ولو في مناطق غير معنية أصلا بالنزاع المفتعل حول الصحراء المغربية.

وتعيد هذه الواقعة إلى الأذهان الخطاب الذي ألقاه زعيم الانفصاليين في تندوف، المدعو إبراهيم غالي، قبل أسابيع قليلة، حرض من خلاله على خلق توترات داخل الأراضي المغربية من خلال الإشادة بما أسماها “نضالات جماهير انتفاضة الاستقلال في الأراضي المحتلة وجنوب المغرب والمواقع الجامعية”، حسب تعبيره، في محاولة يائسة لاختراق تماسك المجتمع المغربي وإجماعه على أن قضية الصحراء المغربية أمر غير مطروح للنقاش من الأصل.

اقتناص للفرص وتشويه للحقائق

أبو بكر أنغير، ناشط حقوقي من أبناء الجهة، قال إن “جبهة البوليساريو الانفصالية تعمل على جميع الواجهات وتستغل جميع المناسبات وتقتنص الفرص الاجتماعية والثقافية والدينية لإبراز مواقفها، خصوصا بعد اندحار أطروحتها داخليا وخارجيا”، مضيفا أن “المد الانفصالي أصبح جد محدود داخل المغرب ومنحصرا على وجه الخصوص في أوساط بعض الطلبة وبعض المدفوعين المخدوعين بأجندات مختلفة”.

وتابع أنغير، في تصريح لهسبريس، بأن “ما وقع بجماعة لقصابي بإقليم كلميم يؤكد من جديد أن تيار الانفصال ما يزال حاضرا لكن بشكل منحصر وهامشي في أوساط شباب مغرر به ساخط على الوضع ويعاني الفقر والتهميش وعدم الإدماج الحقيقي في التنمية”، مبرزا أن “جبهة البوليساريو ومعها الإعلام الجزائري يحاولان استغلال مثل هذه الحوادث لتشويه الحقائق على الأرض، في حين إن الشعب المغربي قاطبة يؤمن بالسيادة الوطنية وبالوحدة الترابية ولا تؤثر عليه مثل هذه الأحداث المعزولة”.

وشدد الناشط الحقوقي ذاته على أن “هذا الحادث رغم هامشيته يبين أن مقاربة الاعتماد على الأعيان وعلى الأحزاب السياسية بالصحراء من أجل دحر الأطروحة الانفصالية، باتت محدودة وبدون نتائج مباشرة على وعي الشباب الذي يرى ميزانيات كبرى تصرف ومشاريع تنموية ضخمة تنفق دون أن تشمل التنمية كل مكونات المجتمع، بل إن استمرار دعم الدولة للأعيان بالصحراء على حساب الكفاءات والأطر من أجل محاصرة الانفصال، وضع يجب أن يتغير”.

وسجل أن “الشباب في الأقاليم الجنوبية للمملكة محتاج للتأطير والإدماج الاجتماعي والتحفيز الاقتصادي وإطلاق أوراش الحوار الديمقراطي وتدوير للنخب السياسية والاقتصادية، وليس الارتهان لسياسة الأعيان والنخب التقليدية التي تعطي مبررات للانفصال، بل قد تستغله في بعض الأحيان لابتزاز الدولة كما وقع في محطات مختلفة في الجنوب المغربي”.

وخلص المتحدث ذاته إلى أن “المجتمع المدني والإعلام مطالبان بالقيام بواجبهما في مواجهة الأطروحة الانفصالية بالحجة والبرهان والدليل؛ لأن الدولة المغربية قد استثمرت بشكل كبير في البنيات التحتية في الأقاليم الجنوبية وقامت بواجبها على هذا الصعيد، لكنها في المقابل لم تعط للمجتمع المدني الحقيقي ولا للإعلام المؤثر المساحات الضرورية والإمكانات الفعلية لمواجهة هذه الأطروحة الانفصالية وكشف زيف شعاراتها”.

محاولات يائسة وضجيج رمزي

من جهته، اعتبر محمد عطيف، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، أن “حادثة رفع علم البوليساريو في كلميم ليست سوى محاولة يائسة وبائسة لاختراق الداخل المغربي بعد سلسلة الهزائم التي تلقتها الجبهة خارجيا، فالإجماع الوطني حول قضية الصحراء المغربية ثابت وراسخ، ومثل هذه الممارسات المعزولة لا تمثل سوى حالات شاذة، سرعان ما ينكشف زيفها أمام قوة اللحمة الوطنية التي تشكل جوهر الموقف المغربي”.

وأكد عطيف، في حديث مع هسبريس، أن “البوليساريو تحاول من خلال هذه المشاهد تقديم صورة مضللة عن وجود ما تسميه ‘رفضا داخليا’، بينما الحقيقة على الأرض تؤكد العكس تماما. فأنا أرى أن المغاربة من طنجة إلى الكويرة متمسكون بسيادتهم على الأقاليم الجنوبية، وأن المبادرة المغربية للحكم الذاتي تحظى يوما بعد يوم بدعم متزايد من القوى الكبرى، مما يجعل دعايات الانفصاليين بلا أي أثر فعلي”.

وشدد على أن “تعامل السلطات المغربية مع مثل هذه الأحداث يجب أن يكون بالصرامة القانونية الضرورية لمنع استغلالها، دون التفريط في مواصلة تعزيز المسار الديمقراطي واحترام الحريات، لأن قوة المغرب أمام شركائه تكمن في هذا التوازن”، مسجلا أن “المشاريع التنموية الكبرى التي تشهدها الأقاليم الجنوبية هي الرد العملي الأوضح؛ فهي تكشف زيف خطاب الانفصال وتبرهن على الارتباط المتين للسكان بوطنهم الأم”.

وأشار الأستاذ الجامعي ذاته إلى أن “تزامن هذه الحوادث مع التحولات الدولية يوضح حجم مأزق الجزائر والبوليساريو بعد الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء، وموقف إسبانيا وفرنسا وبريطانيا، والعدد المتزايد من القنصليات المفتوحة في الأقاليم الجنوبية. لذلك، لم يعد أمامهما سوى إثارة الضجيج الرمزي داخل المغرب، لكن ذلك لن يغير شيئا من حقيقة أن ميزان القوى قد حُسم بشكل نهائي لصالح المغرب، وأن مشروع الانفصال يعيش اليوم مرحلة الانهيار الأخير”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا