مع اشتداد موجات الحرارة في عدد من مناطق المملكة سيما في جهة درعة تافيلالت والأقاليم الجنوبية ، تزداد مخاطر الحرائق التي تهدد الواحات وتأتي على الأخضر واليابس منها. الأمر الذي جعل نشطاء بيئيين وفاعلين جمع ويي ن يدقون نا قوس الخطر ويحذرون من اندثار هذا المورد الذي يختزل تراثا ثقافيا وذاكرة جماعية لساكنة هذه المناطق ، مطالبين المجتمع المدني والسلطات المعنية با لتحرك.
يأتي ذلك بعدما عرفت بعض الواحات بإقليمي الراشدية وتنغير حوادث حرائق مختلفة ، التهمت العديد من أشجار النخيل والزيتون التي يعتمد عليها سكان المنطقة كمصدر رزق وملاذ يحميهم من لهيب الشمس ، و ي ع مل على منع زحف الرمال على مقر سكناهم .
لوحة إيكولوجية تختزل تراثا ماديا ولامادي
أبرز الباحث والناشط الحقوقي ، سعيد العنزي تاشفين ، أن ا لواحات ليست مجرد” لوحة إي كولوجية تقاوم وت صمد ضد قساوة الطبيعة، المتمثلة أساسا في ن د رة المياه وارتفاع درجات الحرارة الت ي ينجم عنها نشوب ال حرائق “ ، بل هي عبارة عن “ منظومات ممتدة في عم ق التاريخ المغربي “.
أنتجت حضار ات خلفت، من جهة، ت راثا ماديا تمثل في القصور وال قصبات والهندسة ال معمارية القروية ، ومن جهة أخرى، ت راثا لا ماديا تختزله الثقافة الشعبية في بعدها الأن ث روبولوجي المتمثل في تقاليد وعادات “ أحيدوس “ ، و “ ݣ ناوة “ ، و “ الوشم “ ، و “ الأمثال الشعبية “ ، و غيرها من الطقوس التي ت مارس ف ي مراسيم الزواج والعقيقة ، حسب إفادة الباحث.
هجرة مفروضة .. وضعف نجاعة ال تدخل ات
في رده على سؤال حول انعكاسات تدهور الواحات على الهجرة القروية وتفكك الروابط الاجتماعية ، أفاد المتحدث أن ” هذه الهجرة مفروضة على ساكنة هذه الواحات ، وبأنها ال حل ال وحيد أمامهم بفعل غياب قانون يحمي ا لواحة من الاندثار ، وانعدام البنيات التحتية و فرص الإ دماج ال ا قتصادي لفائدة الساكنة “.
معزيا ذلك إلى “ فشل الطبقة السياسية ومعها الحكومات المتعاقبة في إنصاف الواحات أمام ما لحقها و يلحقها من تهميش وإقصاء مستمر “ .
مضيفا بأن:” حجم التدخل لإنقا ذ ما بقي من ها لم يبلغ المستوى المطلوب ، رغم تسجيل تدخلات رسمية من حين للآخر ، و صرف ميزانيات ضخمة باسم الفلاحة والبرامج الموازية لصالح ها” ، و بأن ه رغم هذه المجهودات فإن ” ال واقع يبقى دون تقدم إيجابي لصالح المنظومة الإيكو-ثقافي ة لهذ ه المناطق”.
وأشار إلى أن هذه “ اللامبالاة “ وتفاقم ظاهرة الهجرة أسهم في تفكيك الروابط الم جتمعية واضمحلال القبيلة و الأسرة الممتدة لصالح الأسرة النووية، وما يتبع ذلك من انحلال أنساق القيم واقتحام الرأسمالية الفاحشة لكل بنيات المجتمع الواحي .
داعيا وزارة الثقافة ومختلف الف عاليات إلى إ يلاء الوضعيات الثقافية ما تستحق من عناية ضمن النسق الثقافي العا م تحقيقا لأهداف التنمية المستدام ة وحفاظا على الذاكر ة الجماعية لساكنة الجنوب الشرقي.
و في سياق متصل، دعا الفاعل الجمعوي و الكاتب العا م لجمعية “واحة المعرفة” بتنجداد ، محمد هروان ، في تصريح ل جريدة ” العمق المغربي”، المجتمع المدني إلى ال دف ا ع عن الواحات عبر إعمال أدواره الترافعية المتمثلة؛ في السعي عبر تكتلات جمعوية ومبادرات ج ماعية ايصال صوت الانسان الواحي إ لى السلطات المركزية والهيئات والم نظمات المهتمة بالبيئة وبالمجتمع .
بالإضافة إلى العمل على الحد من الممارسات المهددة للبيئة، ودعم الممارسات الجيدة وتثمينها، و توعي ة الساكنة المحل ية وتأطيرها ، و لعب دور الوساطة بين أبناء المنطقة والمؤ سسات حاملة المشاريع والمستثمرين ، وتحدي ا نعدام الامكانيات المادية واللوجيست يك ي ة وضعف الزاد العلمي وال أ كاديمي.
و في خضم سياق حديثه عن تأثيرات التغيرات المناخية وارتفاع درجات الحرارة على رونق وجمالية واحات الجنوب الشرقي أورد المتحدث ذاته، أن اشتداد القيظ يشكل تهديدا بالغ الخطورة على المساحات الخضراء التي تعتبر قطب رحى الاقتصاد الواحي والاستقرار في المنطقة .
مبرزا أن” الانسان الواحي رغم كونه يتأقلم مع مختلف الظروف “ ، إ لا أ ن ” مخاطر الفيضانات واختفاء الكثير من الكائن ات الحي ة والغطاء النباتي وتناقص المساح ات المزروعة بفعل التصحر والجفاف و ضعف المردود الفلاحي ، أ صبح عائقا وتهديدا مباشرا لمأوى الساكنة وممتلكاتهم.