آخر الأخبار

الجزائر تسارع الخطى لفرض البوليساريو في مؤتمر "تيكاد" باليابان

شارك

استقبل نائب وزير الخارجية الياباني، هيساشيماتسوموتو، بحر هذا الأسبوع، السفير الجزائري توفيق ميلات، المعيَّن حديثا بطوكيو، في لقاء بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية وتوسيع مجالات التعاون الاقتصادي، استنادا إلى مخرجات اللجنة الاقتصادية الحكومية المشتركة المنعقدة في ماي الماضي، مع التأكيد على مواصلة تبادل الزيارات رفيعة المستوى.

ورغم أن اللقاء يحمل في جوهره طابعا ثنائيا يركز على التعاون الاقتصادي فإن توقيته يضفي عليه بعدا سياسيا آخر، إذ يأتي قبل أيام قليلة من انعقاد قمة “تيكاد 9” في يوكوهاما ما بين 20 و22 غشت الجاري، حيث تتصاعد التحركات الدبلوماسية ذات الصلة بملفات إقليمية على جدول الأعمال.

القمة التي تعنى بالتنمية والشراكات الاقتصادية بين اليابان وإفريقيا تجد نفسها مرة أخرى أمام اختبار سياسي غير معلن، في ظل مؤشرات قوية على سعي الجزائر إلى الدفع بمشاركة جبهة البوليساريو الانفصالية ضمن وفود القمة، غير أن هذا المسعى يتصادم مع موقف ياباني واضح ومتكرر، يرفض أي اعتراف بالجبهة أو دعوتها، ويشدد على حصر المشاركة في الدول المعترف بها أمميا، وهو مبدأ أكدته طوكيو في محطات سابقة، بما في ذلك تعاملها الحازم مع محاولات مشابهة في قمم ماضية.

تقاطع التحركات الدبلوماسية الجزائرية في طوكيو مع اقتراب موعد القمة يفتح الباب أمام قراءات متعددة، إذ يرى متابعون أن “الجزائر قد توظف مسار التعاون الاقتصادي مع اليابان لتهيئة مناخ سياسي أكثر تقبلا لمواقفها في ملف الصحراء المغربية، بينما تصر طوكيو على فصل مسار ‘تيكاد’ عن أي توظيف سياسي، حفاظا على هوية المنتدى كمنصة تنموية خالصة، وإبعادها عن الخلافات التي تهدد أهدافه الإستراتيجية في القارة الإفريقية”.

مناورة جزائرية

عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكاووتش”، قال إن اليابان تستعد لاحتضان مؤتمر طوكيو الدولي للتنمية الإفريقية في الفترة ما بين 20 و22 غشت 2025، في ظل ظرفية دولية متوترة تتسم بتصاعد النزاعات المسلحة وارتكاب جرائم جسيمة ضد شعوب مستضعفة، إضافة إلى تفاقم أزمات التنمية بالقارة الإفريقية وتدهور أوضاع الأمن والاستقرار.

وأضاف الكاين، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أنه منذ إطلاق المؤتمر سنة 1993 بمبادرة من الحكومة اليابانية لتعزيز التنمية والسلام والأمن في إفريقيا شكّل هذا المحفل الدولي مبادرة مبتكرة لإبراز احتياجات القارة التنموية وتوسيع آفاق التعاون والشراكة متعددة الأطراف، لافتا إلى أنه “بعد ثلاثين عاما من العمل والنقاش تبيّن أن الإرادة السياسية المشتركة بين اليابان ومعظم الدول الإفريقية غير كافية لتحقيق أهداف ‘تيكاد’، في ظل تعنت بعض الأطراف الإفريقية وتنصلها من التزاماتها، فضلا عن محاولاتها المستمرة لإقحام مواضيع خلافية لا تحظى بإجماع، وخارج الإطار المتفق عليه للمؤتمر”.

وأكد المتحدث ذاته أن الجزائر دأبت على افتعال الأزمات في الفضاء الإفريقي من أجل إدراج ملف الصحراء المغربية المصطنع ضمن أجندات المؤتمرات الدولية متعددة الأطراف، ومنها “تيكاد”، في محاولة لعرقلة تقدم المغرب في الدفاع المشروع عن وحدته الترابية ومشاركته في المبادرات الدولية الرامية إلى إرساء السلم والأمن، موضحا أن “هذه المناورات تعكس تورط السلطات الجزائرية في دعم مشروع انفصالي يستهدف تقسيم المغرب والتحكم في شمال إفريقيا، وهو ما ظهر جليا في النسخة السابقة من المؤتمر حين سعت الجزائر إلى فرض مشاركة ممثل جبهة البوليساريو، في خرق صريح للقواعد التي تشدد عليها اليابان بعدم إشراك كيانات غير دولية”.

وشدد رئيس منظمة “أفريكاووتش” على أن تعيين الجزائر سفيرها الجديد في طوكيو، توفيق ميلات، يندرج في سباق مع الزمن لمحاولة إعادة فرض مشاركة البوليساريو في قمة يوكوهاما المقبلة، وتسويق ذلك داخليا كانتصار دبلوماسي، في مقابل الاعترافات الدولية المتزايدة بمغربية الصحراء.

مصدر الصورة

ولفت المحلل السياسي ذاته الانتباه إلى أن “الخطاب الرسمي الجزائري رغم تركيزه على تعزيز التعاون الثنائي وتوسيع الشراكة الاقتصادية، وفق توصيات اللجنة الاقتصادية الحكومية المشتركة المنعقدة في ماي الماضي، يكشف في جوهره عن توظيف هذه المسارات لخدمة أجندة النزاع، في ظل غياب إستراتيجية خارجية واضحة، وهو ما يظهر في تكرار سحب السفراء من دول مؤيدة للمغرب، مثل فرنسا وإسبانيا، أو التعبير عن الامتعاض كما حدث مع الولايات المتحدة”.

وأنهى عبد الوهاب الكاين حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن هذا التحرك الجزائري لا يندرج ضمن رؤية لتقوية العلاقات الدولية أو فتح أسواق جديدة لدعم الاقتصاد الوطني وتحسين أوضاع الجزائريين، بل يهدف أساسا إلى ممارسة ضغط سياسي على المغرب لإضعاف موقفه التفاوضي في إطار المسار الأممي الرامي إلى إيجاد حل سياسي متوافق عليه ينهي معاناة سكان الأقاليم الجنوبية.

تحرك استباقي

من جانبه سجل دداي بيبوط، الباحث في التاريخ الحديث والمعاصر، أن أي مجهودات ترمي إلى خلق واستنبات شروط التنمية في القارة الإفريقية تظل رهينة بوجود ثقة متبادلة بين الأطراف الإفريقية المعنية، وهو ما يتعذر تحقيقه في ظل الشكوك التي تثيرها ممارسات بعض الدول حيال القضايا المصيرية للقارة، وعلى رأسها نزاع الصحراء، الذي تحاول الجزائر وجنوب إفريقيا باستمرار تدويله وإعطاءه حيزا واسعا من التداول في مختلف الهيئات والمنتديات القارية والدولية.

وأضاف بيبوط، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن ضمان نتائج إيجابية وملموسة لمؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في إفريقيا يقتضي التزاما جادا من جميع الأطراف، ولاسيما أن سعي الجزائر إلى إدخال جبهة البوليساريو إلى هذا المحفل الدولي يُعدّ عرقلة واضحة للجهود الرامية إلى تمكين الدول الإفريقية من مواجهة تحديات التنمية، وصياغة سياسات وخطط فعّالة تتيح للأفارقة حقهم في التعليم والصحة وتوفير الأمن الغذائي للفئات الأكثر حاجة.

وأورد المحلل السياسي ذاته أن خطوة تعيين الجزائر سفيرا جديدا في اليابان تكتسي طابعا استباقيا، إذ تهدف إلى تهيئة الأرضية لاستقبال ممثل البوليساريو مجددا، في محاولة للتغطية على الفشل الذي تواجهه الدبلوماسية الجزائرية في وقف موجة الاعترافات المتزايدة بمغربية الصحراء، وافتتاح القنصليات العامة في الأقاليم الجنوبية، موضحا أن “هذا المسار يعكس انزعاج النظام الجزائري من التحولات الدولية، سواء على المستوى الحكومي أو المدني، التي تؤكد وجاهة الموقف المغربي ومشروعية مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي لإنهاء نزاع طال خمسة عقود، وأسهم في استمرار معاناة سكان مخيمات تندوف بفعل رفض الجزائر لأي مبادرة تنهي هذا الوضع الإنساني”.

وأكد المتحدث ذاته أن هرولة الجزائر إلى لقاء الخارجية اليابانية وتعيين سفير قبل أيام قليلة من انعقاد النسخة الجديدة من مؤتمر طوكيو يأتي في سياق مساعيها لقطع الطريق أمام أي تحرك دبلوماسي مغربي، ولتفادي إعلان ياباني صريح بعدم السماح بمشاركة جهات غير دولتية، مضيفا أن “الجزائر تراهن على هذا التعيين لفتح المجال أمام حضور ممثل البوليساريو، في محاولة لإضعاف الحضور الدولي للمغرب وتبديد مكاسبه الدبلوماسية، بعد أن نجح في فترة وجيزة في حصد اعترافات مهمة وانحسار الدعم العالمي لأطروحات الجبهة الانفصالية”.

وشدد دداي بيبوط، في ختام تصريحه، على أن هذه التحركات الجزائرية لا تنفصل عن سياستها الثابتة في استهداف المغرب على الساحة الدولية، لكنها تعكس أيضا حالة تراجع في قدرتها على التأثير، مقابل تنامي موقع المغرب كفاعل أساسي في إفريقيا، مسنودا باعترافات سياسية وقانونية واسعة تؤيد سيادته على أقاليمه الجنوبية.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا