آخر الأخبار

اعتقال ابتسام لشكر يجدد النقاش حول الحدود بين الإساءة وحرية التعبير

شارك

أثار اعتقال الناشطة ابتسام لشكر سجالا متواصلا ذا طبيعة حقوقية وقانونية، وذلك على إثر قيامها بـ”نشر صورة لها بحسابها على إحدى منصات التواصل الاجتماعي تظهر فيها وهي ترتدي قميصا مكتوب عليه عبارات مسيئة للذات الإلهية وأُرفقت الصورة بتدوينة تتضمن إهانة للدين الإسلامي”، بتعبير بلاغ النيابة العامة.

لشكر ظهرت ترتدي قميصا صيفيّا عليه عبارة تصف الله بـ”المثلية”، وهو ما أزعج وزير العدل والحريات الأسبق المصطفى الرميد، الذي كتب في تدوينة نشرها على حسابه بفيسبوك: “لستُ من أنصار التشدد في مراقبة التصريحات، ولا من مناصري تصيّد الهفوات؛ إذ القاعدة إن: من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر”.

وأضاف: “لكن، حينما تكون الإساءة إلى مقدسات الدين ليست تصريحا عارضا، ولا خطأ تعبيريا، ولا فكرا مخالفا، وإنما عملٌ مُدبَّر، وتعبيرٌ مسيءٌ للذات الإلهية عن قصدٍ مؤكد، وسبق إصرارٍ مُبَيّت، فإنه لا يسعنا إلا أن نقول: إن في المغرب قانونا واجب التطبيق، وإن في البلاد مؤسساتٍ تحمي المقدسات، ولا مجال لأي تسامحٍ مع من فكّرت وقدّرت وأصرّت على أن تقول في حق الله تعالى ما لم يقله أحدٌ من العالمين، ملحدين أو كافرين”.

ما طالب به الرميد ليس “مطلبا متفقا عليه”، لا سيّما أن تنظيمات حقوقية مغربية انتقدت الاعتقال، مشدّدة على “ضرورة حماية الحق في الرأي والتعبير، وتمكين المعنية من ضمانات المحاكمة العادلة”. ويأتي هذا في وقتٍ ترى فيه فعالياتٌ حقوقية أخرى أن “لحرية التعبير حدودا مبدئية، يصبح الخروج عنها أحيانا تحرّكا مشفوعا برغبة في التجديف ضدّ مِلّةٍ ما ورمزها الأسمى: الله”.

الخبير القانوني صبري الحو، كتب بدوره على صفحته بفيسبوك أن “اعتقال أو توقيف ابتسام لشكر سيفتح نقاشا قانونيا كبيرا: فالقانون الجنائي المغربي ساري المفعول حاليا لا يعاقب صراحة على القذف والسب في الذات الإلهية وازدراء الأديان، بخلاف النص الجديد. فالقانون الجنائي يعاقب على الإساءة إلى الدين الإسلامي في المادة 267 من القانون الجنائي المغربي”.

وتساءل: “هل الفعل في حد ذاته ينطوي على إساءة إلى الدين الإسلامي؟ أو زعزعة عقيدة مسلم؟ كأفعال ورد بشأنها نص واضح بالعقوبة حصريا؟ وكيف ستتعامل النيابة العامة مع ابتسام لشكر؟ وفي أي إطار قانوني؟”، وزاد: “وهل سيتم استحضار مبدأ “لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص سابق في القانون”؟ وهل ستجتهد النيابة العامة في إطار تأويل نص الدعوة إلى كراهية الأديان؟”.

“حرية تعبير”

سعاد البراهمة، رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان، شددت على أنه “إذا انطلقنا من زاوية حقوقية خالصة، سنكون أمام قضية تتعلق بحرية الرأي والتعبير”، موردة: “وفقا للمواثيق الدولية، يمكن للإنسان أن يعبّر عن رأيه سواء عبر الكتابة أو الصور أو غيرها من الوسائل، خصوصا وأن هذا الفعل لا يستهدف أفرادا ينتمون إلى ديانات معيّنة، ولا يتضمن تحريضا على الكراهية أو التمييز أو العنف”.

وقالت البراهمة، ضمن تصريح لهسبريس، إن التشريعات الوطنية، لا سيما القانون الجنائي، تضع الأمر ضمن خانة ازدراء الأديان، متجسدة في الفصل 267 من مجموعة القانون الجنائي، الذي يُعاقب بالحبس من ستة أشهر إلى سنتين، وغرامة من 20 ألفا إلى 200 ألف درهم، أو بإحدى العقوبتين، “كلّ من أساء إلى الدين الإسلامي أو النّظام الملكيّ أو حرّض ضدّ الوحدة التّرابيّة للمملكة”.

وترتفع هذه العقوبة إلى خمس سنوات، وغرامة من 50 ألف درهم إلى 500 ألف درهم، إذا ارتُكبت “بواسطة الخُطب أو الصياح أو التهديدات المفوّه بها في الأماكن والتجمعات العمومية، أو بواسطة الملصقات المعروضة على أنظار العموم (…) أو بواسطة كل وسيلة تحقّق شرط العلنية، بما فيها الوسائل الإلكترونية والورقية والسمعية البصرية”.

ولذلك، أشارت الحقوقية المغربية إلى أن “ازدراء الأديان تُهمة فضفاضة تُطلق دائما ردود أفعال وردود أفعال مضادة”، وتابعت: “لكنها لا تُعدّ جرائم خطيرة يصل فيها الأمر إلى درجة الاعتقال”، داعية إلى تمكين السيدة من “السراح المؤقت لكي تستطيع توضيح ملابسات أخرى ومعرفة مدى حضور نية الإساءة؛ بمعنى، لا بدّ من احترام حرية التعبير في هذه القضية مع ضمان شروط المحاكمة العادلة”.

وعن السؤال: “هل تمنح حرية التعبير حصانة كليّة للاستخفاف بمشاعر المؤمنين وتحويل معتقدات نهائية إلى نكتة؟”، أجابت المتحدثة بأن “ابتسام لشكر عبّرت عن رأي، قد يكون صادما وقد نختلف معه جذريا، لكنه يبقى رأيا يحتمي وراء حرية التعبير”، لكونه “يعكس تصورها للذات الإلهية، ولا يتضمن مسّا مباشرا بالمسلمين، ولا خطابا موجّها بشكل صريح إليهم”.

“تهافت كبير”

عبد الرزاق بوغنبور، الرئيس السابق للعصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، قال إن “ما قامت به لشكر يتجاوز حرية التعبير، لكونه يمسّ الذات الإلهية بصيغة مستفزّة”، معتبرا أن “وصف الذات الإلهية بوصف مماثل يحمل إساءة مزدوجة، لها هي ذاتها، ثم للمجتمع المغربي الذي تنتمي إليه. نحن، بالضرورة، أمام نازلةٍ تخرج عن إطار حرية التعبير”.

واعتبر الحقوقي نفسه أن “هذا التصرف تجاوزٌ لحدود حرية التعبير، لأنه يتضمّن مساسا بالثوابت”، مضيفا أن “الحرية لها ضوابط، خصوصا حين تتطرّق إلى ما هو مشترك داخل مجتمع مغربي مسلم”، مع التأكيد على أن “هذه الحرية نسبية، وتُكفل بشكل حرّ في القضايا الحقيقية والراهنة، الخاضعة للنقاش، والتي تهمّ المواطنين في معيشتهم اليومية أو في تصوّراتهم العامة”.

وأكّد المتحدث أن “الأمر يُمثّل نوعا من الضجة الإعلامية، والبحث عن إثارة الرأي الآخر للتعبير عن وجود مختلف”، مسجّلا أن “تحرك النيابة العامة لاعتقالها يُشكّل حماية لها، في المقام الأول، حتى لا تتعرّض لأي اعتداء في الشارع، فنجد أنفسنا أمام قضية أخرى؛ بمعنى أن رغبة في الإساءة، والتهريج ولفت الأنظار قد تتخذ طابعا أمنيا خطيرا نحن في غنى عنه”.

وأشار بوغنبور إلى أن “ما قامت به لشكر يستدعي نوعا من التحري، والبحث، والتحقيق”، مشددا على أن “هذا الأسلوب غير مقبول بتاتا”، خصوصا وأن “الوصول بالنقاش إلى مرحلة المساس بالذات الإلهية أمرٌ صعب، والعودة منه مكلفة للغاية، في وقتٍ نحن أحوج فيه إلى الترافع الجماعي عن قضايا حقوقية حقيقية، تهمّ وطننا وتُسهم في بناء وعينا المشترك”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا