أثارت موجة الإعفاءات الأخيرة التي طالت عددا من رؤساء الجامعات المغربية تساؤلات عميقة في الأوساط الأكاديمية حول ما إذا كانت هذه القرارات تندرج في إطار تطهير حقيقي للحرم الجامعي ومحاسبة المسؤولين، أم أنها لا تعدو كونها تصفية حسابات سياسية وتعيينا للمقربين.
وتأتي هذه الإعفاءات “غير المسبوقة” في تاريخ الجامعة المغربية، والتي قادها وزير التعليم العالي عز الدين الميداوي في سياق يتسم بالحديث المتزايد عن ضرورة إصلاح منظومة التعليم العالي وربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو ما يجعلها محط أنظار الرأي العام.
وتعليقا على الموضوع، طرح الأستاذ السابق بكلية العلوم بالجديدة والمتتبع للشأن الجامعي، عبدالحق غريب، في تصريح لجريدة “العمق”، تساؤلات جوهرية حول خلفيات هذه القرارات، معتبرا أن “الهدف المعلن هو تطهير الجامعة وربط المسؤولية بالمحاسبة، وهو أمر محمود، لكن يبقى السؤال مطروحا حول ما إذا كان هذا هو الهدف الحقيقي أم أن الأمر يتعلق بتصفية حسابات وتعيين الأصدقاء والمقربين في المناصب”. ويضيف غريب أن “الوزير الحالي أهدر وقتا ثمينا وجهدا كبيرا فقط لإزاحة من عينهم سلفه”.
وسجل غريب أنه لأول مرة في تاريخ الجامعة المغربية تتم إقالة رئيس جامعة خلال فترة ولايته، وهو ما يكسر قاعدة “افعل ما تشاء حتى تكمل ولايتك”. ومع ذلك، يشدد على أن “هناك ملفات لمسؤولين متورطين بشكل أخطر من الذين تم إعفاؤهم، لكن لم يتم المساس بهم لأنهم يعتبرون من المقربين”. ويشير إلى وجود “ملفات موثقة وتقارير للمفتشية العامة للوزارة تدين مسؤولين جامعيين، لكنها بقيت في الرفوف”.
وأشار المتحدث إلى أن “المحسوبية والزبونية في التعيينات الجامعية ظاهرة معروفة، حيث غالبا ما يكون الولاء للوزير هو المعيار الأساسي وليس الكفاءة”. ويستشهد بواقعة تعيين رئيس بالنيابة في جامعة بني ملال، حيث تم تغييره بعد أربعة أيام فقط من تعيينه ليعوض بشخص آخر مقرب من الوزير، معتبرا أن هذا “لا يستقيم وليس له أي معنى”.
وأكد غريب أن “المناصب الجامعية، خاصة رئاسة الجامعات، تخضع لمنطق التراضي والولاءات، حيث أن التعيين في منصب رئيس جامعة يتم على أساس الصداقة والانتماء القبلي والسياسي”. ويختم تصريحه بالتأكيد على أن “الإصلاح الحقيقي يقتضي أن تكون معايير الكفاءة والشفافية هي الأساس في التعيينات، وأن تطبق المحاسبة على الجميع دون استثناء، لا أن تكون انتقائية وتخدم أجندات معينة”.
يذكر أن الوزير الحالي، قام خلال تسعة أشهر فقط بإعفاء ستة مسؤولين جامعيين، بينهم رئيسان ورئيسان بالنيابة وعميدان، في وتيرة غير مسبوقة. وبدأت هذه السلسلة في 23 أكتوبر 2024 بإلغاء تعيين الرئيس بالنيابة لجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال بعد أربعة أيام فقط من تعيينه من طرف الوزير السابق.
وتواصلت بإعفاء الرئيس بالنيابة لجامعة ابن زهر بأكادير في 9 يونيو 2025، وعميد كلية الآداب بتطوان في 13 يونيو 2025، ثم عميد كلية الحقوق بأكادير في 3 يوليوز 2025، ورئيس جامعة ابن طفيل بالقنيطرة في 29 يوليوز 2025، وصولا إلى إعفاء رئيس جامعة مولاي إسماعيل بمكناس في 1 غشت 2025.