دقت تقارير وطنية ودولية ناقوس الخطر حول العلاقة الخطيرة التي تربط بين اضطرابات الصحة النفسية، وعلى رأسها الاكتئاب الحاد، وبين تنامي ظاهرة الإدمان في صفوف الشباب المغربي، حيث يتحول الشعور باليأس وفقدان الأمل إلى بوابة رئيسية نحو تعاطي المخدرات كوسيلة للهروب من واقع مؤلم وضغوط متراكمة.
ووفقا لأرقام رسمية كشف عنها المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، فإن حجم تعاطي المواد ذات التأثير النفسي والعقلي في المغرب يُقدّر بنحو 4.1%، بينما يصل مستوى الاستهلاك المفرط والإدمان إلى 3%. وتزداد الصورة قتامة عند الحديث عن متعاطي المخدرات عن طريق الحقن، الذين يبلغ عددهم حوالي 18,500 شخص، مع تسجيل معدلات انتشار مقلقة لأمراض معدية فتاكة، كالتهاب الكبد الوبائي “سي” بنسبة تفوق 59%، وفيروس نقص المناعة المكتسبة بنسبة 11.4%.
ولا تقتصر ظاهرة الإدمان على المخدرات فقط، بل تمتد لتشمل سلوكيات أخرى مدمرة، حيث تشير الإحصائيات إلى وجود 6 ملايين مدخن في المغرب، نصف مليون منهم قاصرون لم يتجاوزوا سن 18. كما يمارس ما بين 2.8 و3.3 مليون شخص ألعاب الرهان، 40% منهم معرضون بشكل مباشر لخطر الإدمان، فضلا عن التزايد المهول للإدمان على الشاشات وألعاب الفيديو بين المراهقين والشباب.
وفي سياق متصل، حذرت منظمة الصحة العالمية (WHO) في تقرير حديث من العواقب الوخيمة لتعاطي المخدرات، حيث تسبب الكحول في وفاة 2.6 مليون شخص سنويًا، بينما أدت المخدرات ذات التأثير النفساني إلى وفاة 600000 شخص.
وفي هذا السياق، ترى الاختصاصية في العلاج النفسي والباحثة في علم النفس، لمياء بنشيخي، أن الاكتئاب عندما يتحول إلى حالة من الحزن المستمر يعيق الفرد عن أداء مهامه اليومية، فإنه يدفعه نحو سلوكيات منحرفة كتعاطي المخدرات والتدخين، مما يحوله إلى شخص غير منتج في مجتمعه، هارب من ضغوطاته نحو أوهام قاتلة.
وفي مقابل هذه الصورة القاتمة، تبرز مبادرات تبعث على الأمل، تقودها مؤسسة محمد الخامس للتضامن، عبر إنشاء مراكز متخصصة لإعادة التأهيل النفسي والاجتماعي في كل من الدار البيضاء، مولاي رشيد، وتيط مليل. وتتبنى هذه المراكز مقاربة علاجية متكاملة تشمل العلاج الفني والنفسي عبر جلسات الحوار، والعلاج الجسدي كالرياضة واليوغا.
كما ترتكز هذه الجهود على المتابعة المستمرة للمريض وأسرته حتى بعد مغادرة المركز، بهدف ضمان إدماجه نفسيا واجتماعيًا واقتصاديًا في محيطه. وتهدف هذه المقاربة الشاملة في النهاية إلى تحويل المريض من شخص مدمن ومُهمَّش إلى فرد فاعل ومنتج في مجتمعه، ومنحه فرصة حقيقية لبداية حياة جديدة.