يثير الارتفاع المتواصل الذي تشهده أثمان السمك المعلب بالمغرب، المُنتجة داخل مصانع ومحلات التصبير الواقعة بعدد من المدن، الكثير من التساؤلات، بعدما لامست نسبة الزيادات المرصودة في هذا الجانب 40 في المائة تقريبا خلال السنوات الخمس الأخيرة.
ولم تقتصر هذه الزيادات على صنف معيّن، بل شملت كل الأصناف المعلبة من السمك؛ سواء تعلق الأمر بالسردين أو التونة أو الإسقمري، وكذا “الأنشوبة”. وقد انتقلت أثمان بعض هذه المنتجات المعلبة من 6,5 دراهم إلى 11 درهمًا خلال السنوات الخمس الأخيرة.
وبعدما كانت تُباع مبدئيًا بـ3,5 أو 4 دراهم باتت علب السردين تُباع في حدودها الدنيا بستة دراهم، في حين كشف مهنيون مُلمّون بشؤون القطاع أن “هذه الزيادات نتيجة عوامل موضوعية لها علاقة بالمواد الأولية”.
وكشف المقرر العام لمجلس المنافسة، في شهر ماي الماضي، عن خلاصات ونتائج تحقيق فتحه المجلس بشأن وجود محتمل لممارسات منافية للمنافسة في سوق توريد السردين الصناعي، مؤكدا توفر حجج وقرائن تفيد بوجود ممارسات متمثلة في اتفاقات مخالفة لمقتضيات قانون حرية الأسعار والمنافسة بين عدد من الفاعلين في السوق المذكورة، وموضحًا أن هذه الاتفاقات التي دامت لمدة 20 سنة كان هدفها تقييد المنافسة في السوق.
وقام المجلس وقتها بتبليغ مؤاخذاته إلى 15 هيئة مهنية معنية بالممارسات المنافية للمنافسة المذكورة، وذلك طبقًا لأحكام المادة 29 من القانون رقم 104.12 المتعلق بحرية الأسعار والمنافسة، إذ راسل المجهزين البحريين، والوحدات الصناعية الناشطة في تحويل وتثمين السمك الصناعي، وكذا فئة تجار السمك بالجملة النشطين في شراء المنتجات البحرية عند البيع الأول بغرض تسويقها.
وأكد حسن السعدوني، رئيس “جمعية تيغالين للصيد الصناعي بآسفي”، أن “الغلاء الذي مسّ السمك المعلب بالمغرب، ما أدى إلى ارتفاع ثمنه بحوالي 40 في المائة، ناتج عن إشكاليات موضوعية تهم في الأساس المواد الأولية وطريقة استفادة محلات ومعامل التصبير منها”.
وأشار السعدوني، في تصريح لهسبريس، إلى أن “ثمن المادة الأولية عرف ارتفاعات خلال السنوات الأخيرة، إذ بات أرباب محلات التصبير يشترون الكيلوغرام الواحد من سمك السردين بما بين 8,70 و10 دراهم، بعدما كانوا يستفيدون منه سابقًا بما بين 3,70 و4 دراهم تقريبًا”.
وأوضح المتحدث كذلك أن “الزيادات همّت أيضاً الزيت النباتي المُستعمل في هذه الصناعة؛ زد على ذلك تأثيرات الندرة التي باتت تميز الأسماك السطحية، وذلك بعدما كانت سواحل المدن الجنوبية على رأس مزودي معامل ومصانع التصبير بها”، بحسبه، وزاد: “حتى طريقة تزويد هذه المصانع بالمواد الأولية من السردين الصناعي و’الأنشوبة’ و’الماكرو’ تقف كعامل مساهم في تركيبة أسعار المنتج النهائي، إذ لم يعد يتم العمل بالعقود بين أرباب المراكب وأرباب المصانع بالمناطق الوسطى والشمالية، في حين يتواصل العمل بها ببعض مناطق الجنوب”.
وبيّن الفاعل المهني ذاته أن “كل هذه العوامل المتداخلة ساهمت في تشكيل الوضعية الحالية التي يعرفها السوق الوطني، الذي ظل خلال السنوات الماضية شاهدًا على قفزة في ثمن بيع المُنتجات”، موردا أن “مدينتي أكادير وآسفي مازالتا تضمان أكبر عدد من مراكز ومصانع تصبير السمك”.
من جهته قال عبد القادر التويربي، الكاتب الوطني للنقابة الوطنية لبحارة وربابنة الصيد البحري، إن “أول إشكالية يصطدم بها أرباب مصانع تصبير السمك هي الحصول على المواد الأولية من مختلف الأصناف السمكية التي يتم توظيفها في هذا النشاط”.
وأكد التويربي، في تصريح لهسبريس، أن “السواحل الجنوبية للمملكة بعدما كانت مصدرًا لكميات وافرة من السمك الصناعي باتت اليوم تعيش ندرة”، مسجّلا أن “المصانع لم تعد تتوصل بهذه المواد الأولية كما كان عليه الحال سابقًا”، وفق تعبيره.
وتابع المتحدث ذاته: “كمعطىً تنظيمي، لم يعد هؤلاء المهنيون يتزودون بالمواد الأولية من أصحاب المراكب بشكل مباشر بموانئ وسط وشمال المغرب، بعدما تم التخلي عن توقيع العقود بين الطرفين. ويتم حاليًا اللجوء إلى عملية ‘الدلالة’، وهو ما يساهم بشكل غير مباشر في ارتفاع الأثمان، إلى درجة أنه بات من الصعب الحصول على صندوق واحد من السردين بمائة وخمسين درهمًا، كما كان عليه الحال سلفا”.