نعت الأوساط الدينية والعلمية في منطقة سوس جنوبي المغرب، مساء أمس الأحد، الشيخ والعالِم لحسن بن أحمد وكاك، عن عمر ناهز 95 عاما، قضاه الراحل، الذي يعد واحدا من أهم أعلام المغرب ودعاته المصلحين، في الدعوة إلى التوحيد، والتقيد بالسنة، ومحاربة البدع والخرافات، مخلفا بذلك إرثا علميا ودعويا ممتدا لأكثر من سبعة عقود من العطاء في مجال الدعوة والتعليم.
وخلف نبأ وفاة الشيخ لحسن وكاك، الذي رأى النور سنة 1930 بدوار “الزاويت” بمنطقة أكلو بإقليم تيزنيت، التي تحتضن المدرسة العلمية العتيقة سيدي وكاك، أول مدرسة عتيقة شُيدت بالبادية المغربية، حزنا عميقا في صفوف معارفه وأصدقائه وزملائه في الحقل العلمي والدعوي؛ إذ عبّر عدد منهم عن صدمتهم لفقدان شخصية ذات مكانة مرموقة وكانت بمثابة منارة علمية وأبا روحيا لكثير من الفقهاء والشيوخ.
بدأ الشيخ الراحل مشواره العلمي بحفظ القرآن الكريم على يد كبار المشايخ في مسقط رأسه، على رأسهم الشيخ الحسن زدي همو، ثم انتقل إلى منطقتي “حاحا” و”إيدويران” حيث تتلمذ على يد فقهاء وشيوخ معروفين، كالشيخ محمد بن علي نايت داود، والشيخ أحمد بن لحسن الأستيفي، قبل أن ينكب على دراسة اللغة العربية وأصول الفقه المالكي على يد الشيخ أحمد الزيتوني.
في بدايات خمسينات القرن الماضي، التحق الراحل بالجامعة اليوسفية بمراكش حيث درس على يد أكابر شيوخها وفقهائها، كالعلامة محمد بن عبد الله الكيكي، والعلامة المحدث عبد الرحمن أبو شعيب الدكالي الصديقي، وغيرهما من العلماء والفقهاء المشهورين، قبل أن يمارس مهنة التدريس في كل من آسفي وتارودانت زهاء عقد من الزمن.
وفي سبعينات القرن الماضي، التحق وكاك بدار الحديث الحسنية، التي حصل منها على شهادة في الحديث وعلومه، وأخرى في التفسير وعلوم القرآن الكريم، ليتم تعيينه لاحقا أستاذا مساعدا في كلية اللغة العربية بمدينة مراكش، ثم انتقل سنة 1983 إلى مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية حيث اشتغل أستاذا مساعدا بجامعة “أم القرى”، إلى جانب محطات علمية أخرى توّجها بمؤلفين هما: “تقييد وقف القرآن الكريم للشيخ الهبطي.. دراسة وتحقيق”، و”منبهة الإمام الداني.. دراسة وتحقيق وتعليق”، وقد شكّلا رسالتي نيل دبلوم الدراسات العليا والدكتوراه، اللتين حصل عليهما الراحل.
وفي رسالة نعي نشرها على صفحته بموقع “فيسبوك”، قال الشيخ عمر القزابري، إمام مسجد الحسن الثاني بالدار البيضاء: “انتقل إلى جوار ربه فضيلة الشيخ العالِم الرباني لحسن وكاك… عرفته عالما متواضعا، داعيا إلى الله على بصيرة، معظّما لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، داعيا إلى التمسك بهما، وقضى أكثر من سبعين عاما في خدمة العلم وأهله، ناصحا ومرشدا”.
وزاد: “لقد كان جارا لنا في حي ‘أسيف’ بمدينة مراكش، صديقا لوالدي رحمه الله، وكان ينوب أحيانا عن والدي رحمه الله في الإمامة”، مضيفا أن “فقدَ العلماء لمن أعظم المصائب، وخصوصا في هذا الزمان الذي كثر فيه الجهل، وراجت سوق التفاهة، ورُفع من حقه الوضع، ووُضع من حقه الرفع، وإنا لله وإنا إليه راجعون”.
من جهته، قال سعد الدين العثماني، رئيس الحكومة السابق الأمين العام السابق لحزب العدالة والتنمية، ضمن منشور له هو الآخر: “توفي الشيخ الدكتور لحسن وكاك، مخلفا سيرة عطرة وإرثا علميا وتربويا ودعويا حافلا. عرفته المنابر والمساجد والجامعات وساحات المجتمع منافحا عن الدين والأخلاق والفضيلة. اللهم اغفر له وارحمه، واعفُ عنه، وعافِه، وأكرم نُزُله، ووسّع مدخله، وتقبّله عندك في الصالحين، وارزق أهله الصبر والسلوان”.