أعادت واقعة وفاة طفل ينحدر من دوار تسكينت بجماعة إكيدي إقليم تارودانت، متأثرا بلدغة أفعى سامة، إلى الواجهة إشكالية قطاع الصحة في العالم القروي، ومحدودية إمكانياته، ومدى جاهزية مراكزه الصحية لتنزيل ورش الدولة الاجتماعية.
وكشف مصدر من داخل وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، في حديثه لجريدة “العمق المغربي”، أن وفاة الطفل المعني كانت غالبا نتيجة تأخر وصوله إلى المستشفى الإقليمي بمدينة تارودانت بأكثر من ست ساعات، ما تسبب في انتشار السم في جسمه، مشيرا إلى أن غياب الأمصال المضادة لسم الأفاعي في المراكز الصحية القروية يزيد من خطورة هذه الحالات، ويجعل فرص النجاة مرهونة بسرعة نقل المصاب إلى المراكز الاستشفائية الإقليمية أو الجهوية.
وأوضح المصدر ذاته أن “معظم المستوصفات والمراكز الصحية القروية لا تتوفر على الأمصال المضادة لسم الأفاعي، نظرا لحساسيتها العالية، وضرورة حفظها في ظروف طبية دقيقة، وهي شروط غالبا ما يفتقر لها العالم القروي، إلى جانب كلفتها المرتفعة وتوفرها بكميات محدودة”، مضيفا أن “هذا النوع من الأمصال لا يستعمل إلا تحت إشراف طبي صارم داخل المستشفيات الإقليمية أو الجهوية والجامعية اضافة الى بعض المراكز الصحية من المستوى الأول”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن غالبية المراكز الصحية الصغيرة بالمجال القروي لا تتوفر سوى على وسائل إسعافية محدودة، من قبيل محاليل السيروم وبعض الأدوية المساعدة، دون توفر العلاج المباشر القادر على إبطال مفعول السم في الجسم.
وبخصوص لسعات العقارب، أوضح أنه “لا وجود لما يسمى مصل العقارب”، مؤكدا أن الأبحاث الطبية أثبتت عدم فعاليته، وأن البروتوكول العلاجي المعتمد يقتصر على استعمال أدوية مضادة للالتهاب والحمى والتقيؤ، وهي متوفرة بشكل كاف في مختلف المراكز الصحية والمستشفيات.
وعن المعطيات الرسمية، أفاد المصدر نفسه أن جهة سوس ماسة على سبيل المثال، سجلت خلال سنة 2024 ما مجموعه 2500 حالة لسعة عقرب، بمعدل إماتة بلغ 0.077%، دون تسجيل أي حالة وفاة. بينما تم تسجيل 28 حالة لدغة أفعى خلال الفترة نفسها، أسفرت عن حالة وفاة واحدة، ما يكشف خطورة هذه الحالات في ظل تأخر التدخل وغياب الأمصال المتخصصة.
وفي جانب التوعية، شدد المصدر ذاته على أهمية الوقاية باعتبارها خط الدفاع الأول، داعيا إلى تفادي النوم في الأماكن الرطبة أو قرب الأحجار والأخشاب، ومشيرا إلى أهمية بعض الوسائل التقليدية التي أثبتت فعاليتها في الوسط القروي، مثل تربية الدجاج والقطط التي تساهم في تقليص انتشار العقارب والثعابين.
وتسلط هذه المعطيات الضوء على التحديات الصحية التي تواجه سكان المناطق القروية، خاصة في مناطق مثل تارودانت، طاطا، تزنيت، زاكورة، الحوز وورزازات، التي تعاني من بعد المراكز الاستشفائية، وقلة التجهيزات الطبية، لاسيما خلال فصل الصيف، حيث تزداد حوادث اللسعات ولدغات الزواحف السامة.
وفي ظل هذه الوضعية، فقد سبق لعدد من الفعاليات السياسية والمدنية والحقوقية أن طالبت وزارة الصحة والحماية الاجتماعية باتخاذ تدابير عاجلة وفعالة، تشمل توفير الأمصال بالمستشفيات الإقليمية، وتعزيز تكوين الأطر الصحية حول بروتوكولات التدخل السريع، إلى جانب تنظيم حملات توعوية لفائدة الساكنة القروية، للتعريف بوسائل الوقاية وأساليب التدخل السليم عند حدوث الإصابات.
وتوفي مؤخرا طفل ينحدر من دوار تسكينت بجماعة إكيدي بإقليم تارودانت، إثر تعرضه للدغة أفعى سامة، رغم محاولات إسعافه ونقله إلى المستشفى الإقليمي بتارودانت.
وحسب المعطيات المتوفرة، فإن الحادث وقع زوال يوم الأحد الماضي، حين تعرض الطفل للدغة أفعى في الدوار المذكور، الذي يبعد بنحو 12 كيلومترا عن مركز الجماعة عبر طريق غير معبدة ووعرة التضاريس.
ونظرا لغياب مركز صحي مجهز بجماعة إكيدي، وتأخر توفير سيارة إسعاف، تطوع أحد السكان لنقل الطفل على متن سيارته الخاصة، في محاولة لتسريع وصوله إلى نقطة الإسعاف.
وأوضح مصدر محلي أنه تم نقل الضحية أولا إلى المركز الصحي بجماعة أوزيوة، الذي يبعد حوالي 38 كيلومترا، نظرا لخضوع المركز المحلي للصيانة، قبل أن ينقل مجددا إلى المستشفى الإقليمي بتارودانت، حيث فارق الحياة بعد تدهور حالته الصحية، نتيجة تأخر تلقي العلاج وغياب المصل المضاد لسم الأفاعي.
وأعاد هذا الحادث المؤلم إلى الواجهة مطالب ساكنة المناطق القروية بضرورة توفير الأمصال المضادة لسم الأفاعي، خاصة خلال فصل الصيف الذي يشهد تزايدا في حالات اللدغ، كما سلط الحادث الضوء على هشاشة البنية الصحية بالعالم القروي، وغياب مراكز استشفائية قريبة قادرة على التدخل العاجل، ما يتسبب في ضياع فرص إنقاذ أرواح مواطنين.