أكد أستاذ القانون العام والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، عبد الحافظ أدمينو، أن “اليد الممدودة” للجزائر عقيدة دبلوماسية راسخة لدى المغرب، مشددا على أن الوحدة الترابية للمملكة ليست محل تفاوض أو تنازل.
وأوضح أدمينو، خلال حلوله ضيفا على برنامج “نبض العمق”، يبث مساء اليوم الجمعة، أن “التأكيد الذي ورد في الخطاب الملكي بمناسبة عيد العرش يُعد تجديدًا واضحًا للموقف المغربي الثابت تجاه العلاقات مع الجزائر، وهو موقف لا تحكمه مناسبات ظرفية، وفق تعبيره، بل يُمثل عقيدة دبلوماسية راسخة لدى المملكة فهذه ليست المرة الأولى، بل هي الثالثة على الأقل، التي يُؤكد فيها الملك على خيار “اليد الممدودة”، خاصة تجاه الشعب الجزائري”.
وأشار إلى أن “هذا الخطاب يعكس قناعة استراتيجية لدى المغرب، مفادها أن مستقبل المنطقة المغاربية، في ظل التحولات الجيوسياسية والاقتصادية العالمية، لا يمكن أن يتحقق إلا في إطار تكاملي إقليمي، يُعيد الاعتبار إلى الاتحاد المغاربي باعتباره إطارًا سياسيًا واقتصاديًا قادرًا على تأمين التكامل بين اقتصادات الدول الأعضاء، وعلى توظيف الثروات والإمكانات المتوفرة في كل من المغرب والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا لفائدة شعوب المنطقة”.
وقال بهذا الخصوص: “لو كانت هذه الثروات مُوحدة وموجهة بشكل منسق، لكان للمنطقة المغاربية وزن تفاوضي أقوى أمام قوى دولية كالاتحاد الأوروبي والصين وتركيا أو غيره، ف الإيمان بالوحدة المغاربية هو إيمان بماضٍ مشترك، وحاضر مترابط، ومستقبل واحد. وهذه القناعة، كما عبّر عنها الملك، ليست فقط موقفًا سياسيًا، بل رؤية استراتيجية تُعبر عن استمرارية في السياسة الخارجية المغربية”.
ورفض أدمينو اعتبار الخطاب يُشير إلى تغيير في استراتيجية المغرب تجاه الجزائر، مؤكدا أن المملكة ظلت ملتزمة بضبط النفس رغم قرارات الجزائر منذ سنة 2021 بقطع العلاقات وإغلاق الحدود وتمسكت دائمًا بنهج الحكمة والهدوء مع التشبث برؤية تقوم على ضرورة البحث عن ما يوحّد، وليس ما يفرّق.
أما فيما يخص العبارة التي وردت في الخطاب الملكي: “بقدر اعتزازنا بهذه المواقف التي تناصر الحق والشرعية، بقدر ما نؤكد حرصنا على إيجاد حل توافقي لا غالب فيه ولا مغلوب يحفظ ماء وجه جميع الأطراف”، أشار أدمينو إلى أنها عبارة “تنم عن واقعية سياسية وحرص على الخروج من النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية بأسلوب يحفظ التوازن والكرامة للجميع”.
واستطرد قائلا: “لكن هذه الصيغة لا تعني تنازلًا أو مرونة في الثوابت الوطنية، بل تؤكد مرة أخرى أن المغرب يؤمن بالحل السياسي التوافقي، كما تؤطره قرارات مجلس الأمن، وأن مبادرة الحكم الذاتي التي اقترحها المغرب تندرج ضمن هذا الإطار، لأنها تضمن السيادة الوطنية من جهة، وتتيح في الآن ذاته إمكانية التوافق والتهدئة من جهة أخرى”.
وجدد أدمينو التأكيد أن “الموقف المغربي، كما عبّر عنه الملك، يُؤكد مرة أخرى أن الوحدة الترابية للمملكة ليست موضوع تفاوض، لكنها أيضًا لا تُحل بفرض الأمر الواقع، بل بحل سياسي واقعي وعملي ومتوافق عليه، في إطار يحفظ ماء وجه جميع الأطراف، ويُنهي النزاع المفتعل بما يخدم مستقبل المنطقة المغاربية برمتها”.
وفي تحليله للخطاب الملكي من الزاوية القانونية وعند النظر في تجارب الحكم الذاتي على الصعيد الدولي، اعتبر أدمينو أن “ما جاء في الخطاب الملكي يُمثل تجديدًا للتأكيد على الطابع التفاوضي والسيادي لمبادرة الحكم الذاتي التي تقدم بها المغرب والتي تحظى بدعم متزايد من المجتمع الدولي، حيث إن هناك إقرار واضح من الملك بأن الدينامية الدولية أصبحت أكثر وضوحًا في اتجاه دعم مبادرة الحكم الذاتي”، وفق تعبيره.
وأبرز أن “عددا من الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن تُعبر عن مواقف داعمة، وكان التحاق البرتغال مؤخرًا بهذا التوجه تحولًا مهمًا، فضلا عن مناطق كانت تُعتبر تاريخيًا معاكسة للموقف المغربي، مثل بعض دول أمريكا اللاتينية وجنوب إفريقيا، التي تشهد اليوم تحولات جوهرية داخل الأحزاب السياسية، وخاصة أحزاب المعارضة، التي باتت تُعطي إشارات إيجابية في اتجاه مراجعة المواقف الرسمية السائدة، حيث بدأت بوادر تغيير في الخطاب السياسي تجاه القضية وأن كل هذا يُعزز، وفق تعبيره، فكرة أن العالم يتجه نحو الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، ودعم مقترح الحكم الذاتي كحل واقعي وعملي.
وأشار إلى أنه “رغم هذا الزخم الدولي، يظل الملك مؤمنًا بأن الحل لا يمكن أن يُفرض من طرف واحد، بل يجب أن يأتي في إطار مسار تفاوضي، خاصة أن الحكم الذاتي، بحسب فلسفته، موجَّه لساكنة الأقاليم الجنوبية ولا يمكن تفعيله إلا بعد عرضه على هذه الساكنة، كما تنص على ذلك الأعراف الدولية المرتبطة بتجارب الحكم الذاتي، والتي تتطلب عادة تنظيم استفتاء داخلي يليه تعديل دستوري يُضفي طابعًا مؤسساتيًا وقانونيًا على النظام الجديد”، حسب الأستاذ الجامعي ذاته.
وجدد أدمينو على أن “الأمر لا يتعلق بأي تنازل كما قد يُفهم لدى البعض، وفق تعبيره، بل يتعلق باحترام المنهجية التشاركية والتفاوضية المعمول بها في هذا النوع من النماذج السياسية المعقدة فجميع تجارب الحكم الذاتي في العالم مرت من مراحل تفاوضية معمقة، لأن الهدف النهائي هو بناء تجربة سياسية فريدة قائمة على التوافق والقبول الشعبي.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “الملك يؤكد أن مبادرة الحكم الذاتي ليست صيغة نهائية جامدة، بل هي أرضية للنقاش قابلة للتعديل والتطوير، سواء فيما يتعلق بشكل الحكومة الجهوية، أو صلاحيات البرلمان المحلي أو العلاقة مع السلطة القضائية أو طبيعة التنسيق مع الدولة المركزية، لكن في كل الأحوال، يبقى الإطار السيادي للمملكة المغربية غير قابل للمراجعة، فالحكم الذاتي يتم داخل إطار السيادة المغربية الكاملة ولا يُمثل انفصالًا أو مسًّا بالوحدة الترابية، حسب عبد الحفيظ أدمينو.