تعيش مدينتا الفنيدق وسبتة حالة من الاستنفار الأمني خلال الأيام الجارية، في ظل عودة مشاهد “الهجرة الجماعية” الذي أصبح موسميا بامتياز، فبين تحركات المهاجرين وتورط شبكات التهريب، تتحول السواحل الشمالية للمغرب إلى نقطة اشتعال دائمة، تدفع السلطات إلى سباق مع الزمن.
في آخر تحرك أمني، نهاية الأسبوع المنصرم، أوقفت السلطات المغربية 156 مرشحا للهجرة السرية بمدينة الفنيدق، من بينهم 24 جزائريا و59 قاصرا، تم نقلهم إلى مركز الإيواء بمرتيل، كما سلم الحرس المدني الإسباني 12 مهاجرا آخرين للسلطات المغربية، مع استمرار عمليات التسليم على دفعات.
في المقابل، تشدد السلطات المغربية من تدابيرها الاستباقية، عبر منع وسائل النقل من إيصال المرشحين إلى المناطق الحدودية، وتوقيف المشتبه فيهم داخل الشوارع والأسواق، ثم نقلهم إلى مدن داخلية بعيدة عن الشمال لتفكيك تجمعاتهم ومنع أي محاولة جماعية منظمة.
ما يحدث اليوم يعيد إلى الأذهان ما جرى يوم 30 شتنبر 2024، حين حاول أكثر من 1500 شخص -أغلبهم قاصرون- اقتحام السياج الحدودي مع سبتة في مشهد عنيف، انتهى بمواجهات ومطاردات، تم خلالها توقيفهم وترحيلهم عبر حافلات إلى مدن أخرى.
في هذا الصدد، يرى الدكتور مصطفى العباسي، الخبير في قضايا الهجرة، أن الهجرة غير النظامية بمحيط سبتة ظاهرة مستمرة طوال السنة، لكنها تتصاعد صيفا مستفيدة من الهدوء البحري وانتشار الضباب الليلي، مما يجعلها فرصة مثالية للهروب المنظم، غالبا بتنسيق مع مافيات تهريب البشر.
وأوضح العباسي، في تصريح لجريدة “العمق”، أن عددا من الشبان والقاصرين يستغلون هدوء البحر وانتشار الضباب الليلي، خاصة بفعل رياح “الشرقي”، للقيام بما وصفه بـ”هجمات جماعية”، هدفها إرباك القوات المغربية والإسبانية المكلفة بحراسة السواحل والأسوار الحدودية، وذلك في توقيتات مدروسة غالبا ما تكون منظمة بتخطيط مافيات تهريب البشر.
وأضاف المتحدث أن هذه “الهجمات” الجماعية تنفذ أحيانا بتنسيق مباشر مع شبكات تهجير البشر، التي تستغل يأس المهاجرين وتطلعاتهم، مشيرا إلى أن التحقيقات كشفت تورط عدد من الجنسيات، خاصة الجزائرية والسودانية، في محاولات التسلل الأخيرة، ما يعكس امتداد هذه الشبكات عبر الحدود وتعدد جنسيات المستهدفين.
وفي تحليله للأحداث الأخيرة، كشف العباسي أن حوالي 70 شابا، أغلبهم قاصرون، تمكنوا الأسبوع الماضي من الوصول إلى ساحل سبتة المحتلة، مستفيدين من الظروف الجوية رغم هيجان البحر، قبل أن يتم إرجاع أغلبهم من طرف السلطات الإسبانية وتسليمهم لنظرائهم المغاربة، فيما تم الاحتفاظ بالقاصرين دون سن 15 عاما وفقا لقرار المحكمة المختصة بقادس، والتي تمنع الترحيل القسري للقاصرين.
وأشاد الباحث في العلاقات المغربية الإسبانية، بتنسيق السلطات المغربية مع نظيرتها الإسبانية، مؤكدا أن الأمن المغربي يشتغل “بشكل جدي ودائم” على طول سواحل الفنيدق وبليونش، وتمكن من إجهاض عدد كبير من محاولات العبور وتفكيك تجمعات المهاجرين.
لكنه في المقابل، اعتبر أن إصرار هؤلاء الشباب على المغامرة بأي ثمن، إلى جانب الخطاب الكاذب حول “الحلم الأوروبي”، يمثلان تحديا كبيرا يُصعّب من جهود إنهاء الظاهرة.
وقال العباسي في ختام تصريحه: “إن الهوس بالعبور مهما كان الثمن، مدفوعا بالوهم الجماعي لحياة سعيدة في الضفة الأخرى، يظل من أكبر معوقات التصدي للهجرة السرية، رغم كل الجهود الأمنية والاجتماعية المبذولة”.
يُشار إلى أن مدينة الفنيدق ومحيط سبتة المحتلة، تشهد خلال الأيام الجارية، استنفارا أمنيا كبيرا في ظل تنامي محاولات الهجرة السرية نحو الضفة الأخرى، خاصة عبر البحر أو السياج الفاصل، ما دفع السلطات المغربية إلى تعزيز التدابير الأمنية والميدانية لمواجهة موجات العبور الجماعية.
وتكثف السلطات الأمنية من عمليات التمشيط والمراقبة بالشوارع والطرقات والأسواق داخل مدينة الفنيدق، حيث يتم توقيف كل من يُشتبه في كونه مرشحا للهجرة السرية، بناء على مؤشرات ومعطيات ميدانية.
وبحسب مصادر محلية، يتم نقل عدد من الموقوفين إلى مدن داخلية بعيدة عن الحدود الشمالية، سواء بوسط أو جنوب المغرب، في إطار استراتيجية تهدف إلى تفكيك تجمعات المرشحين وتقليص الضغط الأمني على المنطقة الحدودية.
ووفق المصادر ذاته، فقد تم رصد تحركات مكثفة لمافيات تهريب البشر التي باتت تعتمد طرقا وأساليب جديدة لتحفيز وتنظيم عمليات العبور الجماعي، سواء عبر السباحة انطلاقا من الشواطئ القريبة من سبتة أو من خلال محاولات اقتحام السياج الحدودي، ما فرض رفع درجة اليقظة بمختلف المحاور الطرقية والمناطق الغابوية المحاذية للفنيدق وبليونش.
ومع حلول فصل الصيف، دأبت السلطات المغربية على تشديد المراقبة ومنع وسائل النقل العام والخاص من نقل مرشحي الهجرة السرية نحو المناطق الحدودية، مع اتخاذ تدابير زجرية صارمة بحق كل من يثبت تورطه في شبكات تهريب البشر أو التحريض على الهجرة السرية، وذلك بتنسيق مع النيابات العامة المختصة.
وتشير هذه التطورات إلى عودة مشهد الهجرة الجماعية نحو سبتة المحتلة إلى الواجهة، وسط تحديات أمنية واجتماعية متزايدة، وتعاون متواصل بين الرباط ومدريد لكبح الظاهرة والحد من تداعياتها على ضفتي المتوسط.
* الصورة من الأرشيف