تعمّقت مؤشرات اختلال الميزان التجاري للمغرب بتسجيله زيادة “لافتة” في العجز، خلال النصف الأول من سنة 2025 الجارية، بنسبة 18.4 في المائة؛ متأثرة بشكل رئيسي بـ”استمرار تراجع صادرات قطاع السيارات”، الذي كان ينافس صادرات الفوسفاط في السنوات الأخيرة على مكانة “القاطرة الأولى” لصادرات المملكة.
حسب ما أبانت عنه نشرة المؤشرات الشهرية للمبادلات الخارجية، الصادرة الأسبوع الجاري عن مكتب الصرف، فقد تفاقَم العجز التجاري مع متم شهر يونيو المنصرم ليصل 161.8 مليارات درهم (ما يعادل نحو 17.8 مليارات دولار). وقد يسجل بذلك، حسب متتبعين، “أعلى مستوياته” خلال الأشهر الستة الأولى من السنة في الخمس سنوات الماضية.
وأوضحت البيانات الرسمية أن واردات المملكة شهدت، خلال الفترة الممتدة من يناير إلى يونيو من السنة الجارية، زيادة “قوية نسبيا” بنسبة 8.9 في المائة؛ لتصل إلى 398 مليار درهم، مقابل نمو أقل على مستوى الصادرات، التي لم تتجاوز زيادتها 3.1 في المائة مستقرة عند 236.1 مليار درهم.
مقابلَ قطاع سياراتٍ تراجعَ أداؤه التصديري، عادت صادرات الفوسفاط ومشتقاته –من بعيد – باصمة على زيادة لا تخطئها عيون الخبراء والمحللين بعد سنوات من الانخفاض. وحققت صادرات القطاع المعدني الأول في المملكة ارتفاعا بنسبة 18,9 في المائة؛ لتبلغ ما مجموعه 46,6 مليارات درهم، مع نهاية النصف الأول من السنة الراهنة.
وباستقراء تحليلي أجرته جريدة هسبريس الإلكترونية لتطور أبرز البيانات التجارية الواردة في نشرة مكتب الصرف، يتبيّن أن صادرات قطاع السيارات، التي بلغت قيمتها خلال النصف الأول من العام الجاري حوالي 77,6 مليارات درهم، قد عرفت انخفاضا سنويا بنسبة 3.6 في المائة.
ويُعد هذا الأداء السلبي لأحد أبرز القطاعات الصناعية بالمغرب الأول من نوعه منذ العام 2020، بعد سلسلة من النتائج الإيجابية استمرت لأكثر من أربع سنوات؛ فيما لاحظ خبراء أن “دينامية التراجع منذ شهر يناير (2025)، ما يثير وفق بعض التحليلات تساؤلات جدّية حول متغيرات السوق الدولية، لا سيما مع إقرار رسوم جمركية حمائية من لدن الرئيس الأمريكي تجاه الصين والسوق الأوروبية، كما يَختبر درجة تأثير كل ذلك على “تنافسية الصادرات المغربية”.
في التفاصيل، وفقا مصدر البيانات الرسمية التي طالعتها هسبريس، عرفت الواردات من السلع ارتفاعا بما يعادل قيمة مالية مقدّرة في 32,373 مليار درهم، لتصل تحديدا 398,038 مليار درهم مع نهاية يونيو 2025، مقابل 365,665 مليار درهم خلال الفترة نفسها من السنة الماضية.
بدورها، بصمت الصادرات، خلال الحصيلة نصف السنوية للتجارة الخارجية المغربية، على دينامية “ارتفاع” بنسبة 3,1 في المائة، أي بزيادة قدرها المالي 7,2 مليار درهم، منتقلة بذلك من 228,974 مليار درهم في نهاية يونيو 2024 إلى 236,174 مليار درهم بنهاية يونيو 2025.
على أساس سنوي، نتج عن المعطيات السالفة استمرارُ اختلال عجز الميزان التجاري في المغرب بنسبة 18,4 في المائة، منتقلا من “ناقص 136,691 مليار درهم” (نهاية يونيو 2024) إلى “ناقص 161,864 مليار درهم”.
ترسُم باقي المؤشرات الواردة في الوثيقة الرسمية خريطة “التوجهات الرئيسة” لمبادلات المغرب الخارجية إلى متم يونيو 2025.
وأكد مكتب الصرف “استمرار مرونة السياحة المغربية وارتفاع إيراداتها”، ليواصل القطاع تعزيز مكانته كـ”مصدَر أساسي للعملة الصعبة”، بعدما سجلت عائداته 54 مليار درهم خلال النصف الأول من 2025، بارتفاع سنوي نسبته 9.6 في المائة.
ويعكس هذا الأداء الإيجابي قدرة القطاع على التعافي المستمر ومساهمته الحيوية في دعم “ميزان المدفوعات”، لا سيما في ظل تباطؤ تعرفه بعض القطاعات التصديرية.
وسجلت البيانات الرسمية ذاتها “تراجعا طفيفا في تحويلات الجالية”، رغم احتفاظها بمستوى مرتفع نسبيا، على خلفية أرقام قياسية حطّمتها خلال السنوات القليلة الماضية التي تلت “كوفيد”.
وانخفضت تحويلات الجالية المغربية المقيمة بالخارج بنسبة 2.6 في المائة لتبلغ 55.8 مليارات درهم؛ فيما قد يُعزى هذا التراجع إلى “التحولات/التقلبات الاقتصادية في بلدان الإقامة أو تغيّرات في سلوكيات وأنماط التحويل”.
في كفة الارتفاعات، يبرُز صافي تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة الذي تجاوزت نسبة زيادة نموه النصف. وحقق ارتفاعا لافتا بنسبة 59.7 في المائة، لتصل إلى 16.8 مليارات درهم؛ ما يعكس بوضوح “تجدد الثقة” في مناخ الأعمال وجاذبية القطاعات المنتِجة، رغم تحديات التنافسية الإقليمية التي تؤثر على تدفقات الاستثمار.
وارتفعت واردات المنتجات الغذائية بنسبة 6.6 في المائة، لتبلغ 48.2 مليار درهم عند متم الأشهر الستة الأولى من 2025؛ ما يؤشر على استمرار “تبعية سلة الغذاء” المغربية وارتباطها بالأسواق الخارجية.
في المقابل، ساهم انخفاض واردات الطاقة بنسبة ناقص 7.4 في المائة (53 مليار درهم) في تخفيف العبء على الميزان التجاري وتقليص الفاتورة الطاقية، بفعل تراجع الأسعار الدولية أو تغير في بنية الاستهلاك المحلي.
أما صادرات الفلاحة والصناعة الغذائية فزادت بنسبة 3.2 في المائة؛ بينما واصل قطاع صناعة الطيران نموه المتواصل مسجلا ارتفاعا بـ8.8 في المائة (بـ14.1 مليار درهم).
جدير بالذكر أن جميع المعطيات الخاصة بالتجارة الخارجية يتم إعدادها استنادا إلى “التصريحات الجمركية”.