آخر الأخبار

تقرير الخمسينية .. هندسة سياسية مغربية تُرسّخ التمكين السيادي إبان اللايقين

شارك

بمناسبة الذكرى السادسة والعشرين لعيد العرش المجيد، يقف المغاربة اليوم وقفة تأمل واعتزاز، ليس فقط لما تحمله هذه المناسبة من رمزية وطنية سامية، بل لما تتيحه من فرصة لتقييم مسار تنموي متعدد الأبعاد شهده المغرب تحت القيادة الاستشرافية لجلالة الملك محمد السادس. وتأتي احتفالات هذه السنة لتتزامن مع نهاية أفق تقرير الخمسينية (2005-2025) ، الذي شكّل خارطة طريق استراتيجية ربع قرن من الزمن، ترجمت إرادة ملكية في إرساء نموذج تنموي جديد، يقوم على تعبئة الطاقات الوطنية، وتحقيق التمكين المؤسساتي، وضمان استدامة الإصلاح في ظل السيادة والمسؤولية والاستقرار.

فبين الذاكرة التنموية والاستشراف الاستراتيجي، يُمثّل تقرير الخمسينية لحظة فارقة في الفكر السياسي المغربي، وإسهاماً نوعياً في التجربة العربية للدولة الإصلاحية. فبعيداً عن منطق الجرد المحاسبي أو التبرير السياسوي، اختار المغرب أن يواجه تاريخه التنموي بجرأة التقييم وعمق الرؤية، واضعاً سنة 2025 كأفق استراتيجي لإعادة تعريف الدولة في صيغتها المستقبلية. في هذا المنظور، لم يكن التقرير مجرد وثيقة وطنية، بل خارطة تحول مؤسساتي ذات أبعاد متداخلة تجمع بين السياسي والاقتصادي والاجتماعي والقيمي، وتعكس فهماً سيادياً للزمن الطويل ووعياً بضرورة التأسيس لدولة الأداء والمردودية.

من “الدولة السياسية” إلى “الدولة التنموية السيادية” : إعادة تعريف الشرعية عبر الأداء

وتكريساً لهذا التوجه، جاءت الرؤية المغربية بفلسفة استباقية تجعل من التقييم الذاتي أداة لإعادة البناء، ومن التخطيط المتعدد الأبعاد مدخلاً لهندسة جديدة للسلطة والنجاعة السيادية. في هذا السياق، وفي مناخ سياسي عربي مضطرب خلال النصف الثاني من القرن العشرين، سادت فيه الاضطرابات السياسية والصراعات الأيديولوجية، اختار المغرب، بقيادة الملك الحسن الثاني، أن يشقّ مساراً خاصاً يقوم على ترسيخ “الدولة السياسية” كجدار عازل أمام الانهيار، مستنداً إلى التعددية المؤطرة والاستقرار الدستوري كركيزتين أساسيتين. غير أن تحولات مطلع الألفية الثالثة، وتحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، دفعت المملكة إلى الانتقال نحو مرحلة نوعية جديدة تمثّلت في بناء “الدولة التنموية السيادية”، حيث لم تعد الشرعية تُستمد فقط من التاريخ أو الرمزية، بل أصبحت مشروطة بقدرة المؤسسات على تحقيق التنمية، ومرهونة بأداء الدولة ونجاعة سياساتها العمومية.

وبالتالي، جاء تقرير الخمسينية في هذا المنعطف الحاسم، كاستجابة مباشرة للخطاب الملكي المؤسس في 20 غشت 2003، ليطلق دينامية تفكير وطنية حول الماضي التنموي وآفاق المستقبل. وقد تزامن هذا التأسيس مع إطلاق هيئة الإنصاف والمصالحة كآلية غير مسبوقة في العالم العربي لتسوية ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، مما عزّز البُعد التصالحي والإصلاحي للدولة، وأضفى على التقرير طابعاً مركباً يزاوج بين تقييم الأداء التنموي واستكمال مشروع المصالحة الوطنية. وبين جدلية الشرعيات، وتحديات التمكين الاقتصادي، وتحوّلات البنية المجتمعية، يقدم هذا التحليل قراءة معمقة في دلالات التقرير، سياقاته، وأثره المستمر في إعادة تشكيل الدولة المغربية كفاعل استباقي في زمن اللايقين الاستراتيجي.

في هذا الإطار، برز تقرير الخمسينية كمرآة استراتيجية لا توثّق فقط مسار نصف قرن من السياسات العمومية، بل تجسّد تحوّلاً عميقاً في تصور الدولة المغربية لوظيفتها ومكانتها. فمن الدولة السياسية التي أرساها الحسن الثاني كدرع أمام الانهيارات الإيديولوجية، إلى الدولة الاقتصادية التي بلورها جلالة الملك محمد السادس لمواجهة تحديات العولمة والانكشاف الأمني، يشكّل التقرير وثيقة تأسيسية واستباقية تؤطر لحظة انتقالية في مسار بناء الدولة الحديثة.

في هذا السياق، وانسجامًا مع هذا النهج وعند قراءة تقرير الخمسينية، لا يمكن تجاهل الإرث العميق للمرحلة الحسن الثاني التي وضعت الأسس الصلبة للدولة المغربية. ففي زمن عربي مشحون بالأيديولوجيا، حيث تمزّقت أوطان باسم القومية، أو الشيوعية، أو الدين، اختار المغرب بقيادة الحسن الثاني مساراً ثالثاً تجلى بعمق في بناء دولة سياسية بمرجعية ملكية ضامنة، تُمسك بمفاصل الاستقرار دون أن تغلق الباب أمام التعددية. لكن هذا الخيار كان محفوفاً بصراع شرعيات. من جهة، شرعية وطنية تمثلها أحزاب الحركة الوطنية التي قاومت الاستعمار وتعتبر نفسها الوصي السياسي على البلاد. ومن جهة أخرى، شرعية ديمقراطية أخذت تتبلور تدريجياً بعد أولى التجارب الانتخابية، مطالبة بانتقال حقيقي نحو ديمقراطية فعلية. وقد تبلور هذا التوتر في سجالات سياسية وإعلامية، وارتدادات داخل المشهد الحزبي، لكن الملك الحسن الثاني نجح في إدارة هذه التناقضات عبر ما يمكن تسميته بـ”التعددية المؤطرة” و”الاحتواء المهيكل”. وفي نهاية حكمه، أطلق برنامجاً واسعاً للخوصصة، مساهماً في إعادة توزيع مراكز القوة الاقتصادية وتهيئة البلاد لمتطلبات الانخراط في اقتصاد السوق.

ضمن هذا المسار، ومع اعتلاء جلالة الملك محمد السادس العرش سنة 1999، كانت المملكة تقف عند مفترق تحولات عميقة، في سياق دولي مضطرب اتّسم بنهاية الحرب الباردة، وبداية تصاعد الإسلام الراديكالي، وانبثاق العولمة الرقمية كقوة مهيمنة على الأنماط الاقتصادية والثقافية. غير أن لحظة التحول لم تبدأ فقط مع هذه التحديات، بل سُبقت بمبادرة سياسية رائدة تمثّلت في التناوب التوافقي بقيادة عبد الرحمان اليوسفي، كخيار استباقي لإعادة ترميم الثقة بين الدولة والأحزاب الوطنية، عبر استثمار الرأسمال النضالي للحركة الوطنية في بناء مشترك لمرحلة انتقالية تُعيد تعريف التعاقد السياسي والمؤسسي.

لكن الطموحات السياسية اصطدمت بسرعة مع الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب، ما دفع الملك إلى إجراء تحوّل لافت سنة 2002، تمثّل في تعيين إدريس جطو، رجل الدولة التكنوقراطي، على رأس الحكومة، في إشارة واضحة إلى انتقال الدولة من منطق المصالحة السياسية إلى منطق النجاعة الاقتصادية، ومن “الشرعية التاريخية” إلى “شرعية الأداء والكفاءة” في إطار استراتيجية “الإمكان البشري”. هذا التحول السياسي لم يكن معزولاً عن التحولات الأمنية والاجتماعية التي بدأت تلوح في الأفق، إذ سرعان ما تزايدت مؤشرات التوتر بعد عودة “المغاربة الأفغان” إلى المغرب، وتفكك المرجعيات التقليدية داخل بعض الأوساط الشبابية، ما كشف عن هشاشة في البنية الدينية العقائدية، انتهت بموجة العنف الإرهابي التي هزّت البلاد سنة 2003، مؤكدة الحاجة الماسة إلى هندسة جديدة للأمن العقائدي والسياسي معاً.

ولم يكن هذا السياق الأمني والاجتماعي المنذر بالمخاطر سوى محفّز إضافي لتعميق الحاجة إلى مراجعة شاملة لمسار الدولة، لا من زاوية التهديدات فحسب، بل من خلال إعادة تقييم النموذج التنموي برمّته. في هذا الإطار، لم يكن التوجيه الملكي مجرد استجابة ظرفية، بل تأسيساً لعقل سياسي جديد داخل الدولة. وهكذا تم بلورة هذا المشروع في صيغة تقرير موسوم بـ”خمسون سنة من التنمية البشرية وآفاق 2025″، ليشكّل لحظة فكرية ومؤسساتية نادرة في العالم العربي، حيث تتقدّم الدولة بمبادرة ذاتية لقراءة مسارها التنموي، وتحديد اختلالاته، ووضعه في أفق التجديد والتحول. وفي هذا الامتداد المؤسساتي لما بعد التقرير، سعت الدولة المغربية إلى تفعيل جملة من الاستراتيجيات المتعددة الأبعاد، لتعزيز بيئة سياسية صحية ومتطورة، قادرة على التفاعل مع التحولات الداخلية والانكشافات الأمنية الخارجية.

الأمن، الوساطة، والمساءلة: هندسة مؤسساتية في مواجهة اللايقين الاستراتيجي

وفي هذا السياق، ومع تصاعد التهديدات الإرهابية على المستوى الإقليمي إثر هجمات 11 سبتمبر 2001، وعودة المقاتلين المغاربة من بؤر التوتر كأفغانستان والشيشان، وتزايد مؤشرات الاستقطاب داخل بعض الأوساط الهامشية، لم يكن تعيين فؤاد علي الهمة وزيراً منتدباً في وزارة الداخلية مجرد قرار إداري عابر، بل خطوة محسوبة في إطار إعادة هيكلة شاملة للنظام الأمني المغربي، تنفيذاً لرؤية ملكية تستشرف المخاطر وتُعيد ربط الأمن بالتنمية. فقد كشفت التحقيقات التي أعقبت تفجيرات الدار البيضاء في 16 ماي 2003 عن هشاشة المنظومة العقائدية لدى بعض الشباب، وضعف آليات الرقابة الاجتماعية، وتنامي ظاهرة التطرف. كما بيّنت التجربة أن العمل الأمني التقليدي القائم على منطق التدخل بعد وقوع الفعل لم يعد كافياً، مما استوجب إدماج أدوات تحليل استخباراتي، وتحديث البنية الترابية لوزارة الداخلية، وخلق توازن بين مركز القرار والإدارات الترابية.

وضمن هذا السياق، جاء تعيين فؤاد علي الهمة، بما راكمه من تجربة ميدانية وما يتمتع به من ثقة ملكية راسخة، ليشكّل نقطة ارتكاز في معادلة أمنية – تنموية جديدة، هدفت إلى إعادة تشكيل أدوات الدولة في الضبط والاستباق، والانخراط في ورش إصلاحي عميق يتجاوز المقاربة التقليدية. فقد انطلقت سلسلة من التحولات المهيكلة، شملت إعادة انتشار الإدارة الترابية على أسس أكثر نجاعة ومرونة، وإطلاق برامج واسعة لتأهيل المدن والأحياء الهامشية التي كانت تشكّل بؤراً خصبة للهشاشة والتطرّف، وتفعيل آليات الوساطة واليقظة المجتمعية لتعزيز الرقابة الذاتية داخل النسيج المحلي، بالإضافة إلى بناء منظومة أمنية استباقية حديثة، تُدمج فيها أدوات التحليل والتوقّع. وقد تُوّج هذا المسار بتأسيس المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني (DGST) سنة 2005 كجهاز استخباراتي مستقل ومتخصص، يواكب التحديات المعقّدة، ويترجم التحول نحو أمن يُبنى على المعلومة، ويشتغل بمنطق استباقي، ويخضع في الوقت ذاته لرهانات المشروعية المؤسساتية والفعالية الميدانية.

مثّل هذا التحول علامة على نضج الدولة المغربية في إدراك الأمن كركيزة للعقد الاجتماعي، لا كاستجابة ظرفية. ففي هندسته الجديدة، غدا الأمن أداة لدمج الفئات الهشة، وتعزيز التماسك العقائدي والاجتماعي، ومؤشراً على قدرة الدولة على إنتاج الاستقرار من داخل المجتمع. إنه فعل سيادي يعكس نجاعة مؤسساتية وتراكماً في تدبير المخاطر. غير أن ضعف مشاركة الشباب في الحياة السياسية كشف عن مفارقة حقيقية بين دينامية الدولة ومحدودية استجابة الأحزاب. ومن هنا جاءت مبادرة “دابا 2007” كأداة لتحفيز انخراط الشباب المغربي في العملية السياسية. ورغم رمزيتها، فإن هذه المبادرة أخفقت بسبب هشاشة البيئة الحزبية، وغياب الوساطة القوية، وانعدام آفاق التجديد الحقيقي.

وأمام الانسداد البنيوي الذي عرفه الحقل الحزبي، من المهم في هذا السياق استحضار إحدى التجارب الحية المرتبطة بشخصية تلعب اليوم دوراً استشارياً داخل الديوان الملكي، باعتبارها تظهر جلياً ما نحن بصدد تحليله. فهذه التجربة، وإن كانت دالة على ما يمكن أن تُنجزه الكفاءات الوطنية حين تندمج بوعي ومسؤولية في المشروع الإصلاحي الذي يقوده جلالة الملك، فإنها في الآن ذاته تكشف – من جهة مقابلة – حجم التحديات المعقدة التي تواجه أي مسار حزبي نبيل يسعى إلى القطع مع منطق التدبير التقليدي والتأسيس لوساطة سياسية فعّالة وذات مصداقية. وفي هذا الإطار، لم تُشكّل مغادرة الهمة دوائر القرار المؤسساتي في تلك المرحلة مجرّد خيار فردي أو انسحاباً تقنياً، بل عكست تحوّلاً في منطق الدولة تجاه ضرورة إعادة ابتكار الوساطة السياسية، في سياق اتسم بجمود حزبي حال دون تجديد النخب وتكييف البنى التنظيمية مع متطلبات الدولة الحديثة.

لهذه الأسباب، وأخرى ليس المكان للإفاضة فيها، جاء إطلاق “حركة لكل الديمقراطيين” كمبادرة جماعية انبثقت من قناعة سياسية بضرورة تجديد آليات الوساطة وتأطير الحقل الحزبي، في ظل وعي متنامٍ بعدم قدرة المنظومة الحزبية التقليدية على مواكبة منطق الدولة الحديثة. وقد شكّلت هذه الحركة منصة تأطيرية بديلة، ساهم فيها فاعلون من مشارب مختلفة، بهدف إعادة تشكيل المشهد السياسي خارج القوالب الإيديولوجية المغلقة، ومن داخل رؤية إصلاحية تنسجم مع المشروع الملكي التحديثي.

غير أن هذا المسار لم يكن معبّداً. فقد وُوجهت مبادرة الهمة بمقاومة ممنهجة من أطراف سياسية تمسكت بالستاتيكو، واعتبرت كل دينامية إصلاحية تهديداً لتوازناتها الداخلية. البعض لم يتردد في وصمه بـ”الوافد الجديد” أو “المُعيّن السياسي”، محاولين نزع الشرعية عنه لا من منطلق الأداء أو الرؤية، بل من منطلق رفض أي اختراق للمجال السياسي من خارج دوائرهم التقليدية. وهو ما يعكس، في جوهره، أزمة أعمق هو عجز جزء من النخبة الحزبية عن التفاعل مع التحولات المجتمعية، ورفضها لمبدأ التنافسية السياسية المؤطرة برؤية وطنية إصلاحية. رغم ذلك، فرضت هذه المبادرة واقعاً سياسياً جديداً، أعاد رسم التوازنات، وأكد أن الزمن السياسي المغربي لم يعد قابلاً للتدوير حول ذاته، بل يستدعي أدوات جديدة، ونخباً فاعلة، ومنصات حزبية مندمجة داخل المشروع الوطني لا متقاطعة معه.

غير أن هذه المبادرة لم تكن معزولة عن دينامية إصلاحية أشمل، شملت في الوقت ذاته تحفيز المبادرات المجتمعية التشاركية، وتشجيع مسارات الشباب البديلة، وتطوير العلاقة المؤسساتية بين الدولة ومكونات الحقل الحزبي، بهدف بناء تعددية مسؤولة ومتجددة. لقد شكلت هذه الدينامية أرضية لولادة حزب سياسي جديد، نجح سريعاً في فرض حضوره داخل الحقل السياسي الوطني، بفضل انخراطه الواقعي في المشروع الملكي للإصلاح، واستيعابه لتحديات المرحلة، ورهانات التحديث المؤسساتي بعيداً عن الانغلاق الإيديولوجي أو الولاءات الظرفية. غير أن هذا المسار لم يخلُ من تعقيدات، إذ ما لبث الحزب أن دخل في منطق تنافسي ضيّق، وانحرف عن مقاصده الأولية، وهو ما دفع فؤاد علي الهمة لاحقاً إلى الانسحاب من الواجهة الحزبية، مبرراً خروجه بكون الحزب “خرج عن سكته الأصلية وانزاح عن أهدافه التي وُلد من أجلها”، في إشارة إلى الفجوة المتزايدة بين منطق المبادرة الأولى ومنطق التدبير السياسي الذي طبع مرحلة لاحقة. وقد عبّر هذا الانفصال الرمزي عن عمق التحديات التي تواجه أي مشروع سياسي يتوخّى التجديد من داخل الدولة، دون أن يُستغل كوريد انتخابي أو يُستنزف في الصراعات التكتيكية. بل أكثر من ذلك، فقد اتّضح لاحقاً أن عدداً من الأشخاص الذين أحاطوا بالمشروع لم يكونوا معنيين ببنائه كمؤسسة حزبية مواطِنة، بل سعوا إلى توظيفه كأداة لشرعنة تموقعاتهم الخاصة، والبحث عن المكاسب الشخصية أكثر من السعي إلى بناء شرعية سياسية قائمة على المصداقية والالتزام.

وعلى خلفية هذا التآكل التدريجي للوساطة الحزبية التقليدية، والتباس الحدود بين منطق الدولة ومنطق الغنيمة، برزت الحاجة إلى مرجعية تقييمية تتجاوز الاصطفافات السياسية، وتُعيد ضبط بوصلة الفعل العمومي. وهنا تحديداً، شكّل تقرير الخمسينية لحظة فاصلة، بل انعطافة استراتيجية في مسار الدولة المغربية، حيث شكل أداة سيادية لإعادة تعريف المشروع الوطني. وفي خضم هذا السياق، لم يكن التقرير مجرد جرد لما تحقق، بل تجسيداً لتحول عميق في فلسفة الحكم، قاد خيوطه جلالة الملك محمد السادس ببصيرة استباقية تمزج بين التقاط التحولات الدولية واستيعاب الديناميات المجتمعية الصاعدة. لقد دشّن هذا التقرير لحظة نوعية، انتقل فيها المغرب من منطق النيات إلى منطق النتائج، ومن شرعية الخطاب إلى شرعية العائد الفعلي، مؤسساً بذلك ثقافة مؤسساتية جديدة تُقوّم الفعل لا مَن قام به، وتُقيّم الفعالية لا الاصطفافات.

وفي هذا الإطار، شكّل التقرير لحظة فارقة في تاريخ التفكير العمومي بالمغرب، ليس فقط من حيث مضمونه التقييمي أو مخرجاته الاستشرافية، بل بما يحمله من دلالات أنطولوجية تمسّ جوهر الدولة المغربية، وبُعدٍ إبستمولوجي يُعيد بناء العلاقة بين المعرفة والسلطة وصناعة القرار. فمن خلال هذه الوثيقة، لم تُراجع الدولة سياساتها العمومية فحسب، بل راجعت ذاتها ككينونة سياسية، وطرحت بجرأة سؤال: “أي دولة نريد؟ ولماذا؟ وكيف؟”، متجاوزة بذلك منطق الجرد التقني إلى أفق أعمق قوامه بناء ثقافة مؤسساتية تؤمن بالتقييم كرافعة للنجاعة، وكمصدر جديد للشرعية المؤسسة على الانعكاس الواقعي لا على الخطاب.

وعودة للاستنباط ما جاء في هذه الرؤية الاستراتيجية:

فقد حدّد التقرير، في بنائه المفاهيمي، أربعة أبعاد متكاملة تعكس رؤية متقدمة لإعادة هيكلة العلاقة بين الدولة والمجتمع. فعلى المستوى السياسي، شدد على ضرورة ترميم الثقة المتآكلة بين المواطن والمؤسسات، وذلك عبر إرساء ثقافة الإنصاف الفعلي، وتفعيل آليات المحاسبة، وربط المسؤولية بالنتائج، بما يعيد للفضاء العمومي مصداقيته. أما في البعد الاقتصادي، فقد دعا التقرير إلى تجاوز منطق النمو العددي المنفصل عن العدالة، من خلال اعتماد نموذج تنموي مندمج يُوازن بين التنافسية والاستدامة، ويجعل من العدالة المجالية ركيزة حقيقية للنهوض الوطني.

أما اجتماعياً، فقد وقف التقرير عند خطورة استمرار الفوارق البنيوية، مُنبهاً إلى أن أكثر من 70% من الفئات الفقيرة تتمركز في الوسط القروي، وأن نسبة الهدر المدرسي لا تزال مرتفعة، خصوصاً في صفوف الفتيات، حيث تتجاوز في بعض المناطق 30%. كما أشار إلى أن التغطية الصحية آنذاك لم تكن تشمل سوى 30% من الساكنة، ما يكرّس هشاشة المنظومة الاجتماعية ويُضعف مناعة المجتمع أمام الأزمات. وفي هذا السياق، دعا التقرير إلى إعادة تأهيل منظومة الحماية الاجتماعية لتصبح أداة فعالة لتمكين الفئات الهشة، وضمان الإنصاف الاجتماعي، بما يعزز مرتكزات الدولة الاجتماعية، ويُمهّد لعدالة مجالية أكثر توازناً.

أما على المستوى القيمي، فقد ألحّ التقرير على أهمية إعادة تشكيل شخصية المواطن المغربي، في ظل تراجع الثقة في المؤسسات التقليدية، وارتفاع منسوب التذمر الاجتماعي، حيث كشفت الدراسات المصاحبة أن أكثر من 60% من الشباب يشعرون بالإقصاء من عملية اتخاذ القرار العمومي. وهو ما يجعل من إعادة بناء الوعي المواطن أولوية استراتيجية، قوامها تعزيز الثقة، وغرس ثقافة المشاركة، وتنمية الشعور بالانتماء إلى مشروع جماعي حديث، تتقاطع فيه الأصالة مع التحديث، والانتماء مع الفعل، والهوية مع الانفتاح.

ولعلّ ما يُجسّد نجاعة هذه المقاربة الاستباقية، هو أن المغرب، بفضل الرؤية الملكية في إعادة هيكلة المنظومة التنموية وترسيخ التوازن المؤسساتي، استطاع أن يتجاوز لحظة 2011 المفصلية التي أطاحت بأنظمة وزعزعت أخرى، دون أن ينزلق إلى الفوضى أو يُستدرج إلى منطق التصدّع السيادي. ففي الوقت الذي انزلقت فيه دول عربية عديدة نحو أتون الاضطراب وعدم اليقين، حوّل المغرب تلك اللحظة إلى فرصة إصلاحية نوعية، أفرزت دستوراً جديداً سنة 2011 صوّت عليه أكثر من 73% من المواطنين، وعزّزت موقع البرلمان والحكومة في البناء المؤسساتي، مع الحفاظ على مركزية الخيار الملكي كضامن للاستقرار.

اقتصادياً، مكّنت هذه الدينامية من الحفاظ على معدل نمو متوسط بلغ حوالي 4.2% ما بين 2011 و2019، رغم السياق الإقليمي المضطرب، في حين تقلّص عجز الميزانية من 7.2% من الناتج الداخلي الخام سنة 2012 إلى أقل من 3.5% سنة 2019. أما على المستوى الاجتماعي، فقد تمكّن المغرب من خفض نسبة الفقر المطلق من 8.9% سنة 2007 إلى أقل من 1.7% في 2020، وارتفع معدل التمدرس في التعليم الابتدائي إلى ما يفوق 98%. كما أُطلقت إصلاحات هيكلية كبرى، أبرزها ورش التغطية الصحية الشاملة الذي مكن، إلى حدود 2023، من إدماج أكثر من 11 مليون مغربي في نظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض. كل هذه المؤشرات لا تعكس فقط نجاعة لحظة استثنائية، بل تؤكّد عمق الخيار المغربي في بناء دولة متجددة، تُوازن بين السيادة والاستباق، وبين الانفتاح والتماسك، وفاءً لروح تقرير الخمسينية، لا كمجرد مرآة للتقييم، بل كبوصلة استراتيجية لاستكمال هندسة المستقبل.

وبالتالي، لا تكمن أهمية تقرير الخمسينية في كونه مجرد حصيلة فنية تُلخّص منجزات نصف قرن من السياسات العمومية، بل في كونه أداة استباقية لإعادة تعريف المشروع الوطني في عمقه المفاهيمي والتاريخي. لقد مثّل هذا التقرير لحظة نادرة واستثنائية في العالم العربي، حيث تجرأت الدولة المغربية على تقييم ذاتها من الداخل، بنزاهة فكرية عالية، وبمنهجية عقلانية لا تبحث عن التبرير، بل تتطلّع إلى الاستشراف. كان ذلك بمثابة إعلان عن نضج مؤسساتي غير مسبوق، قوامه الاعتراف بالاختلالات، والانخراط في إصلاحات بنيوية لا تُملى من الخارج، بل تنبع من إرادة سيادية وقراءة متبصّرة للتحولات.

ومن هذا المنطلق، لم يكن التقرير مجرد تمرين أكاديمي، بل شكل مرجعية ضمنية مؤسِّسة للعديد من المحطات الاستراتيجية الكبرى التي ستلي صدوره، بدءاً بإطلاق المبادرة الوطنية للتنمية البشرية سنة 2005 كمشروع ملكي ذي بعد اجتماعي وإنساني غير مسبوق، مروراً بورش الجهوية المتقدمة الذي أعاد تنظيم العلاقة بين المركز والهوامش، ثم الانتقال الطاقي الطموح الذي جعل من المغرب أحد الفاعلين العالميين في مجال الطاقات المتجددة، وصولاً إلى بلورة النموذج التنموي الجديد سنة 2021، كتجسيد متطور لرؤية شاملة للدولة، وانتهاءً بتوسيع قاعدة الحماية الاجتماعية بعد جائحة كوفيد-19، في لحظة جسدت مدى مرونة الدولة المغربية وقدرتها على تحويل الأزمات إلى فرص.

لم يكن تقرير الخمسينية مجرّد تمرين تقني في التأريخ لمرحلة تنموية، بل لحظة تأسيسية لإعادة هيكلة منطق القرار العمومي حول مركزية التقييم والاستباق. لقد مثّل انتقالاً من ثقافة التدبير بردّ الفعل إلى منطق الدولة التي تُنتج رؤيتها انطلاقاً من فهم استراتيجي للزمن، وللتحولات، وللأولويات المتجددة. ففي محيط إقليمي مطبوع بالانهيارات البنيوية، والارتجاجات السيادية، قدّم المغرب نموذجاً فريداً لدولة قادرة على تحويل التحديات إلى فرص إصلاحية، دون المساس بثوابتها أو اختلال توازنها. ومن خلال هذا التقرير، أعاد المغرب تعريف مفهوم الشرعية: ليست استمرارية تاريخية فقط، بل أداء مؤسساتي، ونجاعة عمومية، والتزام دائم بإعادة إنتاج التوازن بين السلطة والمجتمع.

هذا التصور لم يبق حبيس الورق، بل وجد تجلياته في سلسلة من المبادرات والإصلاحات والمشاريع ذات البعد السيادي والاستراتيجي. فقد تمكّن المغرب، تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس، من أن يُرسّخ حضوره الدولي عبر تنظيم تظاهرات كبرى من قبيل كأس الأمم الإفريقية وكأس العالم 2030، مع شركائه الإقليميين، وهو ما يعكس مكانة المملكة كفاعل وازن في المعادلات الجيوسياسية للمنطقة. وفي موازاة ذلك، أطلق المغرب مشاريع بنية تحتية ذات أبعاد جيو-اقتصادية استراتيجية، من موانئ كبرى مثل طنجة المتوسط والداخلة الأطلسي، إلى الربط القاري، والخطوط فائقة السرعة، مما يعيد رسم خريطة الترابط الاقتصادي الإقليمي والقاري. على المستوى المؤسساتي والاجتماعي، تم تفعيل منظومة السجل الاجتماعي الموحد كأداة لإصلاح العدالة الاجتماعية، إلى جانب الدفع نحو رقمنة الإدارة لتكريس مبدأ الخدمة العمومية الفعالة، وتوسيع الولوج إلى الحقوق. وفي الوقت ذاته، اختار المغرب نهج التطوير الهادئ والمتدرج للنصوص المرجعية، مثل مدونة الأسرة، عبر مقاربة تضع الأسرة كركيزة بنيوية في هندسة المجتمع، وتُوازن بين الأصالة والقيم الكونية، في احترام لهوية الأمة وثوابتها. لقد جعل تقرير الخمسينية من التقييم أداة سيادية، ومن التخطيط وسيلة للتمكين، ومن الدولة فاعلاً قادراً على التكيف مع اللايقين دون أن يتنازل عن البوصلة.

من تقييم السياسات إلى هندسة التأثير : الاستقلالية الاستراتيجية كأفق للمرحلة المقبلة

وفي ضوء هذه التراكمات، يتجلّى المغرب اليوم ليس فقط كدولة راكمت منجزات إصلاحية، بل كفاعل سيادي يصوغ استقلاليته الاستراتيجية انطلاقاً من القدرة على بلورة الخيارات وصناعة القرار في زمن التداخلات والتعقيد. لقد انتقل من مرحلة استيعاب التحولات إلى مرحلة صناعتها، ومن منطق التكيّف مع السياق إلى منطق التأثير فيه وتوجيه مساراته. في هذا المنظور، لم يعد الاستقرار المغربي وليد صدفة جغرافية أو خصوصية ثقافية، بل هو نتاج رؤية متبصّرة جعلت من الاستشراف رافعة للسيادة. دولة تُؤمن بأن الاستقلالية الاستراتيجية لا تعني الانغلاق، بل القدرة على اتخاذ القرار السيادي من داخل شبكة معقّدة من التفاعلات، دون الارتهان أو الانسياق.

وتتجلى نجاعة هذه المقاربة بوضوح في الدينامية التصاعدية التي يعرفها ملف الصحراء المغربية، حيث تحوّل الاعتراف الدولي المتزايد بمغربية الصحراء من مجرد موقف دبلوماسي إلى ترجمة فعلية لفلسفة مغربية تقوم على ربط الشرعية بالنجاعة، والسيادة بالتنمية، والاستباق بالواقعية الجيواستراتيجية.

وهكذا، يفرض المغرب اليوم حضوره كقوة هادئة تصوغ نموذجاً سيادياً في التنمية، ومقاربة عقلانية في تدبير التحولات، قوامها الثقة بالممكنات الوطنية والانخراط الذكي في سلاسل التأثير الجيواستراتيجي.

وإذا كانت الدولة المغربية قد نجحت، بفضل الرؤية الملكية، في ترسيخ نموذج الإصلاح الهادئ، فإن رهانات المرحلة القادمة تفرض الانتقال من هندسة الاستشراف إلى إعادة هندسة العلاقة بين الدولة والمجتمع، من خلال تجديد آليات التعاقد المؤسساتي. ففي عالم عربي تمزقه الارتجالية ويخترقه التصدّع السيادي، لا يكفي التميز المغربي أن يُحتفى به كاستثناء، بل ينبغي تأطيره أيضاً بمنظومة محاسبة تشاركية تُعزّز الثقة، وتحوّل الرأسمال البشري إلى رافعة تنموية فعلية، خصوصاً في ظل استمرار معدلات الأمية، وتفاوت الاستفادة من الفرص، وغياب التمكين الفعلي للفئات الهشة.

غير أن هذا التحول يواجه مفارقة بنيوية تكمن في عجز المنظومة الحزبية عن مواكبة منطق الدولة الجديدة. فقد كشفت التجربة المغربية أن النخبة الحزبية، في معظمها، لم تنجح في لعب دور الوسيط المؤثر بين الدولة والمجتمع، واكتفت بالاصطفاف الظرفي أو بالتموقع الانتخابي، دون امتلاك رؤية مهيكلة قادرة على تعبئة الرأسمال المجتمعي أو إنتاج عرض سياسي يُقنع ويدمج. إن الفشل المزمن للأحزاب في تجديد آليات التأطير السياسي وفي تقديم نخب ذات مصداقية والتزام، جعل المشروع الملكي للإصلاح يتحرك في فضاء شبه منفرد، محروم من روافد حزبية قادرة على التفاعل الخلاق معه، ما يضعف دينامية التوازن المؤسسي ويُفرغ العمل السياسي من محتواه الديمقراطي الحيوي. كما أن فعالية العقل التكنوقراطي، رغم ضرورته، تظل مشروطة بإعادة إدماج الحيوية المجتمعية في هندسة السياسات العمومية، بما يضمن اتساق القرار مع نبض المجتمع. إنّ السيادة في عمقها ليست فقط استباقاً استراتيجياً، بل أيضاً قدرة على دمقرطة أدوات التأثير، وعلى تحويل التقييم من لحظة مؤسساتية إلى ثقافة وطنية جامعة.

ومع اقتراب نهاية محطة 2025، التي مثّلت أفقاً لتقييم نصف قرن من السياسات التنموية، تتجه المملكة المغربية، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس نصره الله، نحو مرحلة جديدة لا تنبني فقط على ترصيد المكتسبات، بل على تثمين التراكم وبلورته كرأسمال استراتيجي لبناء أفق وطني متجدد. ففي عالم يتسارع فيه إيقاع التحولات، ويضيق فيه هامش التردد، تبرز الحاجة إلى تعميق منطق الاستباق، وتوسيع دائرة الرؤية لتشمل رهانات الغد، لا تحديات اليوم فقط. ومن دولة الإصلاح الهادئ، يجب أن ننتقل تدريجياً إلى دولة التأثير الذكي، ومن منطق البناء المؤسساتي إلى منطق توسيع النفوذ الجيوسياسي عبر أدوات التنمية، والاقتصاد السيادي، والتموقع الذكي في سلاسل القيمة العالمية.

وتماشيًا مع هذا التحول، يكمن التحدي الحقيقي في توجيه هذا التراكم نحو مرحلة “ما بعد الاستراتيجية”، حيث لا تكتفي الدولة بالاستجابة للتحديات، بل تتقدم لصياغة مستقبلها، والتحكم في هندسة الفرص والمخاطر، عبر أدوات مرنة وعقل مركّب. إنها لحظة سيادية دقيقة، تقتضي تثبيت العمق الإفريقي للمملكة، وتفعيل هندسة المجال الأطلسي المتوسطي كفضاء للتفاعل والتكامل، وتوسيع دوائر التموقع في المعادلات العالمية من خلال مداخل متعددة كالسيادة الرقمية، الاقتصاد الأخضر، الرأسمال البشري، والابتكار الأمني.

إنَّ تقرير الخمسينية ليس فقط مراجعة لنصف قرن، بل هو انتقال في فلسفة الحكم: من دولة تبني شرعيتها على التاريخ، إلى دولة تنتج معناها من خلال أدائها. من الدولة السياسية الضامنة للاستقرار، إلى الدولة الاقتصادية الصانعة للفرص. ووسط إقليم عربي مزقته الانهيارات، استطاع المغرب، بفضل قيادته المتبصرة، أن يُعيد ترتيب أدوار الدولة، ويُعيد تعريف السلطة، ويُقيم التوازن بين التعددية والفعالية، بين الانفتاح والاستباق، وبين الأصالة والتحول.

وبالتالي، فإنّ التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم لا تُقاس فقط بحدة الأزمات، بل بقدرة الدول على إنتاج الإستقرار وسط التقلّب، وتوجيه الممكنات وسط التعقيد. ومن هذا المنظور، فإنّ المرحلة المقبلة لا تقتصر على تأمين استمرارية النموذج المغربي، بل تفتح المجال أمام تثبيت مكانة المغرب كفاعل يملك القدرة على التأثير في معادلات الإقليم، ليس فقط من خلال أدوات الردّ، بل عبر صياغة الفرضيات الجيواستراتيجية ذاتها. في هذا الصدد، فإنّ الرهان لم يعُد تقنياً أو قطاعياً، بل وجودياً: ولكن كيف نحافظ على السيادة في زمن التداخلات المعقّدة؟ وكيف نُحوّل الرصيد الإصلاحي إلى قوة ذكية تعيد تعريف المكانة والدور؟ إنّه التحدي الحقيقي للدولة المغربية اليوم: الانتقال من إدارة التحول إلى هندسة التأثير، ومن الصمود المؤسساتي إلى بناء التموقع الجيو-سيادي بوسائل الاقتصاد، والتنمية، والابتكار السيادي.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا