آخر الأخبار

"سجلماسة" .. جدل يرافق إعادة تأهيل أحد أبرز المواقع التاريخية المغربية

شارك

يستمر الجدل حول إحدى أبرز المدن التاريخية المغربية “سجلماسة”، بعد إعلان مشروع تسقيف جزء من موقعها الأثري، وهو ما دخل على خطه علماء آثار بين معارض ومؤيد.

ما الجدل؟

نادى بيان جمع علماء آثار ومتخصصين في التراث الثقافي بـ”رد الاعتبار لهذا الموقع الشامخ الذي يحتفظ في طواياه بكنوز الذاكرة، وليس طمسه داخل إطار معدني عملاق هجين، لا علاقة له بثقافة المكان ولا تاريخه”، وقدّموا مثالا بـ”ما وقع في مدينة الرباط من تشييد معدني من الحديد والألمنيوم تمّت إزالته كليا بعد تدخل منظمة اليونسكو، حيث كاد أن يتسبب لعاصمة المملكة فيما لا تحمد عقباه، وذلك بعدما صرفت عليه الملايين من المال العام، في إطار ما سمي مشروع تأهيل محطة القطار الرباط المدينة”.

ومن بين ما نادى به بيان مشترك جمع هيئات ثقافية وأثرية، من بينها “جمعية خريجي المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث” و”المرصد الوطني للتراث الثقافي” و”الجمعية المغربية للتراث”، أن “موقع سجلماسة ليس بحاجة إلى سقف معدني، ولا سيما أنه سيشوه المنظر الثقافي العام، وسيضفي أكذوبة عملاقة على التاريخ الإنساني لموقع أعطى الإنسانية الكثير”.

لحسن تاوشيخت، عالم الآثار الذي كان مشرفا على البعثة الأثرية لموقع سجلماسة، علّق على مشروع تسقيف الموقع الأثري للمدينة المغربية البائدة التي كانت ملتقى اقتصاديا وثقافيا بارزا، بالقول: “سجلماسة الحضارة وتافيلالت العالمة يستحقان أفضل من هذا المشروع الذي لا يتناسب ولا ينسجم مع تاريخهما المجيد، ومع تراثهما التليد، ومع مجالهما الفريد”.

من جهة أخرى، وضّحت الجهة المشرفة على المشروع أن أعمال إعادة تأهيل هذا الموقع تتضمن تشييد “بنية لحماية وتثمين موقع سجلماسة”، في جزء يسير من مساحته الكبيرة، وتأتي في سياق “إعطاء صورة جديدة للموقع الأثري تعكس تاريخه الكبير” وتروم “إبراز كنوزه الأثرية والمعمارية”، و”إعادة الاعتبار للمكتشفات الأثرية لمختلف البعثات العلمية السابقة”، كما أن من الأهداف المعلنة للمشروع، وفق ما استقته هسبريس، وقف زحف الاستغلال الإنساني على المجال الأثري التاريخي لسجلماسة بتحديد بعض ملامحه.

تجدد للاهتمام

جاء هذا المشروع، الذي من ضمنه نقطة “التسقيف”، في سياق مشروع تهيئة وتثمين موقع سجلماسة الأثري، بتعاون جمع وزارة الشباب والثقافة والتواصل وكلية الهندسة المعمارية بالجامعة الدولية بالرباط، وهو ثمرة سنوات من المطالب بتثمين الموقع التاريخي المغربي الذي صاغ المغرب ثقافيا ودينيا واقتصاديا، وحطّ به الرحال أعلام كبار من المغرب والمغارب والعالم الإسلامي، قبل أن يصير مجالا مهجورا بسبب تقلبات السياسة والحدود وطرق التجارة.

وقد أطلقت وزارة الثقافة في سنة 2021، في عهد حكومة سعد الدين العثماني، دعوة دولية “للتعبير عن الاهتمام” من أجل “إجراء مشاريع أبحاث أركيولوجية جديدة بمدينة سجلماسة التاريخية، تمكن من أن ينطق هذا الموقع الأثري بقصص مركز لقاء اقتصادي وثقافي عمره ثلاثة عشر قرنا”.

وجاءت هذه الدعوة بعد “تشخيص أركيولوجي”، منشور في موقع المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، وصف الوضع الحالي لإحدى أوائل المدن بالمغرب بـ”المؤسف”، وتحدث عن وعي الوزارة الوصية بواقعه، وعملها عبر هذا التقييم والمشاريع المترتبة عنه من أجل “تغيير قدره، بإطلاق مشاريع مستعجلة، في أفق إعادة تنظيم العمل الميداني فيه بكثير من الوضوح والدقة”.

ومن بين خلاصات التشخيص أنه “رغم جهود الباحثين، تبقى النتائج أقل من المأمول، وضخامة تاريخ هذه المدينة الصحراوية التي كانت مركزا حضاريا في العصور الوسطى وما بعدها”. كما سجل “غياب مشروع لحفظ وتقديم هذا الموقع”، ووصف وضعه الراهن بكونه “ساحة من الخرائب، تحيطها ساحات حولت مع الأسف إلى مكان لا قانوني لرمي المخلفات”.

ما مستجدات سجلماسة؟

من بين محطات السعي لإيلاء الاهتمام بموقع الحاضرة المغربية البائدة التي كانت من العواصم الاقتصادية والثقافية الكبرى، معرض بعنوان “سجلماسة: ملتقى الحضارات والتجارة” استقبله سنة 2021 متحف بنك المغرب، وعرّفها بكونها “مدينة أسطورية، تقع وسط واحة تافيلالت جنوب شرق المغرب. لعبت دورا أساسيا في تجارة الذهب بين إفريقيا جنوب الصحراء وحوض البحر الأبيض المتوسط (…) مدينة تلخص وتجسد لوحدها التاريخ القديم والحديث للمغرب في أبعاده الثقافية والاقتصادية والاستراتيجية”.

سجلماسة هذه، يواصل دليل المعرض، “منذ تأسيسها سنة 140 للهجرة، 757 للميلاد، أصبحت، ودار سكتها، قبلة للتجار والباحثين عن العملة الذهبية من الشرق والغرب على حد سواء. من جنوة إلى تمبكتو، ومن بغداد والقاهرة إلى أوداغست، ومن قرطبة وإشبيلية إلى غاو، كانت لا تجري معاملة تجارية أو مالية دون أن يكون لسجلماسة نصيب منها”.

وكانت دار سكة سجلماسة “أكبر دار بالغَرب الإسلامي بأكمله”، مما بوأها “دورا محوريا كمركز مالي عالمي استنادا إلى قيمة العملات التي أصدرتها”، علما أنها كانت أيضا “ملتقى محوريا لتجارة القوافل”، انعكس على “استقطاب عناصر بشرية أخرى من مختلف بقاع العالم الإسلامي غربا”، إلى جانب “دينامية الجماعات اليهودية بالمدينة، سواء فيما يخص المعاملات التجارية والمالية أو على مستوى العلاقات الدينية والمصاهرات العائلية”.

وقد عرفت سنة 2024، وفق ما استقته هسبريس من مصدر بالبعثة الأثرية “المغربية الصرفة الأولى” للموقع، انطلاق العمل من أجل “مشروع تأهيل موقع سجلماسة؛ لجعله قطبا تنمويا للبيئة المحلية”، ومن أهدافه “ترميم وتسوير الموقع”، وإرساء “محافظة خاصة بتدبير وتسيير شؤون الموقع مثل مواقع وليلي وليكسوس الأثرية”.

هذا العمل يهدف أيضا، وفق المعلومات نفسها، إلى خلق “مسارات للزيارة ومعروضات الحفريات”، بعد “إبراز أهمية المعالم التاريخية، وكل ما تحتها وبجانبها”، مع اهتمام بالمسجد الجامع للمدينة البائدة “لأنه مركز المدينة وقلبها”، وبجواره المدرسة السجلماسية، مع تسليط الضوء على “حفريات أنجزت سابقا، وبقاياها”.

وقد خصّص قانون المالية لسنة 2025 الجارية 246 مليون درهم كاعتمادات لترميم وتثمين موقع سجلماسة بالريصاني، بجهة درعة – تافيلالت، وهو ما لا يقتصر على السنة المالية الحالية.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا