تستعد مدينة أزيلال لاحتضان الدورة الرابعة عشرة من مهرجان “فنون الأطلس”، ما بين 23 و26 يوليوز الجاري، تحت شعار يبرز أهمية التراث الثقافي في دعم التنمية والاقتصاد التضامني. ويأتي تنظيم هذه الدورة احتفاءً بالذكرى السادسة والعشرين لتربع الملك محمد السادس على عرش المملكة، وفي سياق دينامية متواصلة تشهدها الجماعات الترابية عبر تنظيم مهرجانات “التبوريدة”، التي تعكس غنى الموروث المحلي وتنوعه.
وتحظى المهرجانات الثقافية في الإقليم بترحيب من قبل فئات واسعة من الساكنة، باعتبارها مناسبة للاحتفال وإبراز الهوية المحلية. غير أنها تواجه أيضاً انتقادات متصاعدة من طرف فعاليات ترى أن هذه الأنشطة تمثل “تبذيراً للمال العام”، خصوصاً في ظل ارتفاع تكاليف المعيشة وتزايد الاحتجاجات الاجتماعية المرتبطة بتأهيل البنيات التحتية والخدمات.
ويرى المنتقدون أن تخصيص ميزانيات ضخمة لعروض “البارود”، في الوقت الذي تعاني قرى عديدة من العطش وضعف التجهيزات الأساسية، يعكس اختلالاً في ترتيب الأولويات. ويطالب هؤلاء بإعادة توجيه هذه الموارد نحو مشاريع الماء، الطرق، الصحة والرياضة، معتبرين أن الاحتفالات لا ينبغي أن تكون أولوية أمام تحديات التنمية.
في المقابل، يؤكد منظمو مهرجان “فنون الأطلس” أن هذه التظاهرات ليست ترفاً، بل استثمارا ثقافيا واقتصاديا حقيقيا. فالمهرجان، بحسبهم، يسهم في تنشيط الحركة السياحية، ويفتح فرصاً اقتصادية أمام الحرفيين وأرباب الخيل، إضافة إلى مموني الحفلات وأصحاب خدمات النقل والإيواء.
وتشير فعاليات حقوقية إلى أن ميزانيات بعض مهرجانات “التبوريدة” تصل إلى مئات الملايين من السنتيمات، يتم تمويل جزء كبير منها من أموال الجماعات الترابية بدعم من الدولة. وفي ظل دعوات الحكومة إلى ترشيد النفقات، تطرح هذه الأرقام أسئلة مشروعة حول أولويات الصرف، وجدوى هذا النوع من الاستثمارات.
من جانبها، ترى اللجنة المنظمة أن الإنفاق على التراث يمكن أن يتحول إلى مصدر دخل مهم إذا تم تدبيره وفق رؤية استراتيجية. وتراهن النسخة الحالية من المهرجان على استقطاب عدد كبير من الزوار، والترويج للمنتجات المحلية والصناعة التقليدية بهدف خلق قيمة اقتصادية مضافة للإقليم.
ويعتبر مهرجان “فنون الأطلس”، الذي تنظمه جمعية “المهرجان الصيفي” بشراكة مع الجماعة الترابية لأزيلال وعمالة الإقليم وجهة بني ملال- خنيفرة، موعداً سنوياً لإبراز تنوع الموروث الثقافي وفنون الفولكلور الأصيل. ويشمل برنامج الدورة الحالية سهرات موسيقية بمشاركة فنانين بارزين، وعروضاً فلكلورية، وأروقة للصناعة التقليدية والنباتات الطبية، إضافة إلى فضاءات للأطفال.
وفي تصريح لهسبريس، قال حسن تدارت، عضو جمعية “المهرجان الصيفي”، إن هذا المهرجان تجاوز طابعه الترفيهي ليصبح مشروعاً ثقافياً وتنموياً متكاملاً. وأوضح أن الدورات السابقة ساهمت في خلق دينامية اقتصادية، سواء عبر الأنشطة التجارية أو من خلال الطلب المتزايد على خدمات النقل والإيواء خلال أيام المهرجان.
وأضاف تدارت أن الأثر الاقتصادي يمتد حتى بعد انتهاء الفعاليات، من خلال تعزيز صورة أزيلال كوجهة سياحية وثقافية، مشيرا إلى أن ذلك ينعكس إيجاباً على تسويق المنتجات المجالية والحرف التقليدية. وأبرز أن نجاح الدورات السابقة دفع اللجنة إلى تطوير المهرجان سنوياً لضمان استدامته وتوسيع أثره الاجتماعي.
من جهته، أكد عبد الله كعدود، عن الجمعية ذاتها، أن الرهان الأساسي هو جعل المهرجان منصة للترويج الاقتصادي والاجتماعي، مع الحرص على الشفافية في تدبير الموارد. وأشار إلى أن اللجنة تعمل كل عام على تنويع الأنشطة واستقطاب مزيد من الشركاء والداعمين بما يساهم في توسيع نطاق الاستفادة.
وبعيداً عن الجانب الاقتصادي، يبرز المنظمون الأثر النفسي للمهرجان، باعتباره متنفساً اجتماعياً يعزز الروابط بين السكان، ويرسخ قيم الانفتاح والاحتفال. ويؤكدون أن الثقافة ليست عبئاً على المال العام، بل وسيلة لتثمين الهوية المحلية ودعم السياحة المستدامة شرط حسن التخطيط والإدارة.
وأوضحت اللجنة أن النقاش لا يجب أن يكون بين “الإلغاء” أو “الإبقاء”، بل تحسين التدبير، وتحويل هذه التظاهرات إلى مشاريع إنتاجية تدر دخلاً حقيقياً. وأبرزت أن مهرجان “فنون الأطلس” أصبح نموذجاً لإمكانية الجمع بين الحفاظ على التراث وتحقيق مردودية اقتصادية واجتماعية.
ويشير المنظمون إلى أن نجاح المهرجان في نسخه السابقة يبرهن على أن الاستثمار في الثقافة يمكن أن يتحول إلى رافعة للتنمية إذا أُرفق بمشاريع موازية في مجالات البنيات التحتية والصحة والتعليم. ويؤكدون أن الدينامية الثقافية التي يخلقها المهرجان تتكامل مع جهود محلية تهدف إلى تعزيز التنمية المستدامة وجذب الاستثمارات.