آخر الأخبار

الرباط تفتتح معرض "رُؤى متقاطعة"

شارك

في تمازج نادر بين البُعد الجمالي والحس الإنساني، افتتح متحف محمد السادس للفن الحديث والمعاصر بالرباط، اليوم الأربعاء، معرضا استثنائيا تحت عنوان “رُؤى متقاطعة”، يجمع لأول مرة في المغرب بين اثنين من أعظم مصوّري القرن العشرين: مارك ريبو وبرونو باربي، اللذين طبعا تاريخ التصوير الفوتوغرافي العالمي ببصمات لا تُنسى.

ويشكّل هذا الحدث الفني البارز، الذي تنظَّمه المؤسسة الوطنية للمتاحف بشراكة مع جمعية أصدقاء مارك ريبو وكارولين تيينو باربي وبمشاركة استثنائية من متحف غيميه – المتحف الوطني للفنون الآسيوية بفرنسا، تحية بصرية إلى مسيرتين فنيّتين فريدتين تشابكتا عبر الزمان والمكان، على وقع أسئلة الإنسان ونداءات المعنى ورهانات الجمال.

ويمثّل مارك ريبو أحد أبرز رموز التصوير الإنساني، إذ التقط بكاميراه عوالم آسرة تنبض بالشعر والصمت، وتنبعث منها روح تأملية عميقة. وقد قاده شغفه بآسيا إلى القيام برحلات عديدة، خاصة إلى الصين، التي زارها مرات متتالية بين عامي 1957 و2010، فكان من أوائل المصورين الغربيين الذين اخترقوا أسوار العزلة السياسية لتوثيق تفاصيل الحياة اليومية بنظرة ملؤها التعاطف والتواضع.

ريبو، عضو وكالة ماغنوم فوتوز، ترك أرشيفا غنيا ينقل اللحظة من كونها حدثا إلى إحساس، ويحوّل الصورة من وثيقة إلى قصيدة بصرية مفتوحة على التأويل.

أما برونو باربي، فقد وُلد في مدينة برشيد بالمغرب، وظلّ وفيًا لهذا الوطن في قلبه وعدسته، يزوره باستمرار منذ ستينيات القرن الماضي. تميّز باربي بانفتاحه المبكر على التصوير الفوتوغرافي الملون في العمل الصحافي، وطوّر لغة بصرية تقوم على التكوين الهندسي والضوء الحيّ والتباين الصارخ، دون أن تُغفل كرامة الإنسان حتى في أشدّ لحظات الألم.

كثّف برونو باربي رحلاته إلى مناطق متعددة حول العالم، من الحروب والنزاعات إلى المدن والأسواق والأرياف، مسجّلا بنظرته البصرية الصادقة مشاهد نابضة لا تمّحي من الذاكرة.

وعلى الرغم من الفارق الزمني الذي يُقارب عقدين بينهما، فإن صداقة عميقة قد ربطت بين ريبو وباربي وسلسلة من المشاريع المشتركة؛ أبرزها معرض “شرق // غرب.. أيقونات” سنة 2010 بباريس. ومعرض “رُؤى متقاطعة” بالرباط يواصل هذا الحوار الفني، إذ تلتقي الشاعرية البيضاء في صور ريبو مع الحسية اللونية في أعمال باربي، في تناغمٍ يشبه العناق بين الذكرى والانطباع.

يُقدم المعرض صورا من المغرب وآسيا وأوروبا الشرقية وفيتنام وباريس… حيث تتقاطع الأمكنة؛ لكن المشترك بينها هو العمق الإنساني والرؤية التوثيقية النبيلة التي تقف في وجه النسيان.

ويُعدّ المعرض أيضا احتفاءً بالتصوير الفوتوغرافي كفن يروي ما يتجاوز الكلمات، ويدعو الزائر إلى الإنصات للصورة لا بوصفها وثيقة عابرة؛ بل بكونها نافذة على الوجود، وعلى تلك التفاصيل الصغيرة التي يصنع منها المصوّرون العظام أسئلة كبرى.

هذا اللقاء الفني له طابع خاص بالمغرب، ليس فقط لأن أحد المصورين وُلد فيه والآخر استلهم من أجوائه؛ بل لأنه يشكل تجسيدا رمزيا لذاكرة مشتركة تتجاوز الحدود الوطنية، وتؤكّد أن الفن الحقيقي يولد من الحس الإنساني الصادق لا من الانتماء الجغرافي وحده.

من الرباط، يواصل ريبو وباربي حوارهما البصري، ويقدمان للمشاهد المغربي والعالمي تأملا نادرا في قرن مضطرب، عبرا فيه بأدواتهما الخاصة – الكاميرا – نحو معانٍ تتجاوز الراهن، وتستعيد القدرة على الإصغاء للعالم بعينين قلقتين وجميلتين.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا