آخر الأخبار

تقرير: المغرب ثاني مستقر للمهاجرين غير النظاميين في القارة السمراء

شارك

أصدر المرصد الإفريقي للتنمية والتأهيل (Observatoire Africain du Développement et de la Réhabilitation)، وهو هيئة بحثية يقودها ناشطون في نيجيريا، تقريره السنوي حول ديناميات الهجرة في القارة، صنّف فيه المغرب كثاني بلد إفريقي من حيث استقبال المهاجرين غير النظاميين القادمين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، بعد جنوب أفريقيا، وثالث بلد من حيث استقبالهم كطالبي لجوء، بعد جنوب إفريقيا وأوغندا.

وكشف التقرير أن المغرب استقبل، خلال السنوات الخمس الأخيرة، أعدادا متزايدة من المهاجرين عبر محوري الهجرة الغربية والوسطى، مشيرا إلى أن عدد غير النظاميين المقيمين حاليا بالمملكة يتجاوز 87 ألف شخص، من بينهم أزيد من 6 آلاف قاصر؛ في حين بلغ عدد طلبات اللجوء المسجلة رسميا خلال سنة 2023 أكثر من 12 ألف ملف.

كما أبرزت الدراسة، التي تتوفر هسبريس على نسخة منها، أن من بين المهاجرين القادمين من إفريقيا جنوب الصحراء يقدَّر عدد من تمكّنوا من الاندماج النسبي في المجتمع المغربي بحوالي 25 ألف شخص، مستفيدين من برامج التسوية القانونية والمبادرات الحكومية الرامية إلى تسهيل الولوج إلى التعليم والتكوين المهني والرعاية الصحية الأساسية.

ولفتت الدراسة نفسها الانتباه إلى أن هذه البرامج، على أهميتها، لا تزال محدودة من حيث الانتشار والفعالية، خصوصا في ما يتعلق بفرص الشغل والسكن؛ مما يدفع أكثر من 40 ألف مهاجر إلى اعتبار المغرب مجرّد نقطة عبور في اتجاه الضفة الشمالية، بدل أن يكون محطة استقرار دائمة.

وسجّلت الوثيقة أن المغرب جاء في المرتبة الثالثة على الصعيد الإفريقي في استقبال طالبي اللجوء، بعد كل من أوغندا وجنوب إفريقيا؛ ما يبرز—حسب معدّي التقرير—تحوّله إلى وجهة مفضّلة لشرائح من اللاجئين الفارّين من النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية، خصوصا في منطقتَي الساحل والصحراء.

وربط التقرير هذا المعطى بمسار تسوية أوضاع المهاجرين الذي اعتمده المغرب منذ سنة 2013، عبر حملات استثنائية منحت الآلاف فرصة الحصول على وضع قانوني؛ مما رسّخ صورة المغرب كبلد استقبال، رغم استمرار تحديات معقّدة في الجوانب الأمنية والاجتماعية المتّصلة بالهجرة.

وكشفت الدراسة عن تفاوت دالّ في تموضع دول الجوار المغاربي ضمن مؤشري الهجرة غير النظامية وطلبات اللجوء، حيث حلّت ليبيا في المرتبة السابعة على صعيد استقبال المهاجرين غير النظاميين، نتيجة استمرار الفوضى الأمنية وتفكك الأجهزة الإدارية؛ ما جعل وجود هؤلاء المهاجرين هشّا وعرضة لممارسات خارج القانون. أما الجزائر، فجاء ترتيبها خامسا، بفعل امتدادها الجغرافي وحدودها المفتوحة مع مناطق مضطربة، دون أن ترافق ذلك سياسات احتواء أو إدماج فعّالة؛ ما أدى إلى ارتفاع معدلات الدخول غير النظامي دون تأطير مؤسساتي.

تونس بدورها احتلت المرتبة التاسعة ضمن التصنيف نفسه، في ظل تحديات اقتصادية وضغوط اجتماعية تعيق قدرتها على الاستقبال. وفيما يخص طلبات اللجوء، تغيّر الترتيب نسبيا، إذ جاءت تونس في المرتبة السادسة بفضل وجود هياكل إدارية بدائية لمعالجة الملفات، وإن كانت محدودة في نجاعتها، تليها الجزائر في المرتبة الثامنة بسبب بطء الإجراءات وصعوبة الولوج إلى آليات الحماية، فيما تذيّلت ليبيا القائمة نتيجة غياب كلي للبنيات المعنية باللجوء.

وفي المقابل، تصدّرت أوغندا وجنوب إفريقيا المؤشرات القارية، وجاءت نيجيريا رابعة؛ ما يُبرز المفارقة بين بعض بلدان إفريقيا جنوب الصحراء ودول المغرب الكبير، بل ويعكس في جانب منه تراجع الأداء المؤسسي المغاربي في تدبير ملفات الهجرة، رغم التحديات المتقاسَمة.

ويرى حقوقيون وباحثون تحدّثت إليهم هسبريس أن الأرقام الواردة في الدراسة، رغم ما تعكسه من ارتفاع في معدلات الهجرة غير النظامية نحو المغرب، تُظهر في جانبها الآخر اتجاها واضحا نحو تحويل المملكة إلى فضاء استقبال دائم، وليس فقط بلد عبور. ويُستدلّ على ذلك بتقدّمه في ترتيب استقبال طلبات اللجوء؛ ما يُفهم منه سعي السلطات إلى إدماج هذه الفئات داخل نسيج اجتماعي منظم.

غير أن هذا التحول، حسب المتابعين، لا يخلو من تحديات مركّبة، ترتبط أساسا بالضغط المتزايد على البنيات التحتية والخدمات العمومية، إلى جانب الصعوبات الاقتصادية التي تواجه أصلا فئات واسعة من المواطنين، فضلا عن المخاوف المرتبطة بتأمين الحقوق الأساسية للمهاجرين في ظل موارد محدودة وآليات استيعاب لا تزال في طور التشكل.

عبور معلّق

قالت سلوى عقاد، الباحثة المتخصصة في قضايا الهجرة، إن المغرب لم يعُد مجرد نقطة عبور نحو الضفة الأخرى من المتوسط؛ بل تحوّل إلى فضاء استقرار مؤقت لعدد متزايد من المهاجرين المنحدرين من دول إفريقيا جنوب الصحراء، في ظل انسداد المسالك التقليدية نحو أوروبا وتفاقم الأزمات في بلدانهم الأصلية.

وفي الوقت نفسه، أشارت عقاد، ضمن تصريحها لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن السلطات المغربية تبنّت خلال السنوات الأخيرة عددا من المقاربات الإدماجية التي تهدف إلى تخفيف حدة الهشاشة داخل هذه الفئة، من خلال تسوية أوضاع قانونية، وإطلاق برامج في التكوين والتشغيل، وفتح فرص للتمدرس والرعاية الصحية، معتبرة أن هذه الجهود تظل إيجابية، لكنها تحتاج إلى دعم مؤسساتي أوسع حتى لا تتحول الهشاشة إلى بنية دائمة.

وأوضحت الباحثة المتخصصة في قضايا الهجرة أن السياسات العمومية التي تبناها المغرب منذ إطلاق الاستراتيجية الوطنية للهجرة واللجوء سنة 2014، أسهمت في تغيير الصورة النمطية للمملكة باعتبارها مجرد بلد عبور، لافتة إلى أن حملات تسوية الوضعية القانونية، إلى جانب المبادرات المرتبطة بالإدماج الاجتماعي والاقتصادي، جعلت من المغرب فضاء جاذبا للمهاجرين.

ونبّهت المتحدثة عينها في المقابل إلى وجود عدد من الإكراهات التي ما تزال تُضعف فعالية هذه السياسات؛ من بينها محدودية الموارد المخصّصة لبرامج الإدماج، وتفاوت الخدمات بين المناطق، فضلا عن غياب إطار مؤسساتي موحد يضمن التنسيق بين الفاعلين؛ ما يجعل النتائج الإيجابية عرضة للتراجع إذا لم تُواكب بإصلاحات هيكلية أعمق.

كما حذّرت عقاد من مغبّة اعتماد المغرب فقط على المقاربة الانفرادية في تدبير ملف الهجرة، مؤكدة أن التحديات المتصاعدة، خصوصا في المناطق الحدودية والحواضر الكبرى، تفرض تعزيز التعاون جنوب–جنوب، وإشراك بلدان المنشأ والعبور في بلورة سياسات إقليمية منسّقة.

وخلصت الباحثة المتخصصة في قضايا الهجرة إلى أن الوضع الحالي يتطلب كذلك دعما أكبر من الاتحاد الأوروبي، ليس فقط في الجانب الأمني؛ بل أيضا في تمويل مشاريع الإدماج والتنمية، بما يضمن توازنا حقيقيا بين حقوق المهاجرين واستقرار المجتمعات المستقبِلة.

أعباء متزايدة

يرى الحقوقي مراد شويكة، المهتم بقضايا الطفل والشباب، أن تصدّر المغرب لقائمة البلدان المستقبِلة للمهاجرين وطالبي اللجوء في إفريقيا يضعه أمام مسؤوليات متعاظمة، خصوصا تجاه الفئات الهشة؛ وعلى رأسها النساء والأطفال.

وأكد مراد شويكة، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن التحديات المطروحة تتجاوز الجوانب الإدارية والتشريعية، لتطال أبعادا اجتماعية ونفسية؛ ما يستدعي، في نظره، مقاربة شاملة ترتكز على احترام الكرامة الإنسانية وتكييف السياسات العمومية مع واقع الحاجيات المتزايدة لهذه الفئات.

أوضح المهتم بقضايا الطفل والشباب أن الأطفال المهاجرين غير النظاميين يواجهون أوضاعا صعبة في المغرب، تتراوح بين الانقطاع عن الدراسة والحرمان من الرعاية الصحية والوقوع في براثن الاستغلال والهشاشة الاجتماعية.

وشدّد على أن السياسات العمومية ينبغي أن تولي أهمية خاصة لهؤلاء الأطفال، من خلال توفير برامج تربوية وتكوينية وإدماجية تقيهم مخاطر الهجرة غير النظامية، وتمنحهم فرص الاندماج في النسيج الاجتماعي المغربي، بعيدا عن كل أشكال التمييز أو التهميش.

وأكد الحقوقي ذاته أن وضعية الشباب المهاجرين تُعدّ من أكثر الملفات حساسية وتعقيدا، نظرا لما يواجهونه من انسداد الآفاق وغياب مسارات الاستقرار الفعلي؛ فغالبا ما يُتركون دون سند مؤسساتي، في فضاءات تتنازعهم بين الانتظار الدائم للحلم الأوروبي والتهميش المزمن في هوامش المدن.

وأشار المتحدث سالف الذكر إلى أن البطالة والعنف الرمزي والتأطير الاجتماعي المحدود تشكّل مثلثا ضاغطا على هذه الفئة، التي تجد نفسها في مواجهة يومية مع الخيبة.

وأبرز شويكة أن معالجة هذا الوضع لا تكون إلا بسياسات عمومية تضع الشباب المهاجر في صلب الرؤية التنموية وتمنحه ما يكفي من فرص التكوين والمشاركة والكرامة.

كما دعا إلى تعزيز الشراكات بين الدولة والمجتمع المدني لبناء منظومة حماية مندمجة موجهة للأطفال والشباب المهاجرين، ترتكز على مقاربة شاملة تربط بين الحقوق والتنمية.

واعتبر أن الظرفية الراهنة تُحتم على المغرب تبني سياسات عمومية مستدامة لا تنطلق من منطق أمني أو تدبيري محض؛ بل من رؤية استراتيجية تراهن على الإدماج الفعلي وضمان الكرامة.

وشدّد على أهمية التقييم الدوري لهذه السياسات، بما يستجيب للتحولات الجيوسياسية والإقليمية ويضمن انسجامها مع الالتزامات الحقوقية للمملكة.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

الأكثر تداولا اسرائيل سوريا دمشق

حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا