آخر الأخبار

إدراج أغنية "ها وليدي" المغربية في إذاعة القاهرة الدولية يثير اعتراضات جزائرية

شارك

قرّرت إذاعة القاهرة الدولية أن تمنح الأغنية المغربية “ها وليدي” للفنانة جايلان مساحة بثّ يومية ضمن شبكتها البرامجية، في خطوة تُبرز الانفتاح المتزايد على الإبداع المغربي الحديث. وبحسب مصادر من داخل المؤسسة فإن اختيار الأغنية جاء نتيجة المزج المتوازن بين نجاحها الرقمي اللافت على المنصات التفاعلية وبين مستواها الفني المُتماسك، سواء من حيث الإيقاع أو البناء اللحني واللفظي.

ورغم تحفظات عبّر عنها بعض العاملين الجزائريين داخل الإذاعة فضّلت الإدارة الالتزام بخطها التحريري المرتكز على التنوع والانفتاح، مؤكدة أن المعايير الفنية هي المحدّد الأوحد لاختياراتها الموسيقية.

إن إدراج إذاعة القاهرة الدولية الأغنية المغربية “ها وليدي” بصوت الفنانة جايلان لا يُمكن اعتباره قرارًا عرضيًا ضمن جدول موسيقي اعتيادي، بل يُقرأ كحلقة جديدة تُستأنف بها صلات فنية عريقة جمعت المغرب بمصر لعقود طويلة. فالقاهرة، بصفتها مركزًا للإشعاع الثقافي العربي، كانت دومًا منصة عبور لأصوات مغربية اختارت أن تُثبت حضورها من قلبها، كما فعل عبد الهادي بلخياط، والملحن الكبير عبد السلام عامر، والديفا سميرة سعيد، الذين شقّوا مساراتهم بتفرّد دون أن يُفرّطوا في انتمائهم الفني.

وإذا كانت تلك الأجيال شدّت الرحال إلى مصر لتُعرّف بذواتها فإنّ جيل اليوم، ومنه خولة مجاهد (جايلان)، أضحى قادرًا على العبور المعكوس: أن يُغنّي من أرضه، بلهجته، وأن يجد صوته صدى في القاهرة دون أن يهادن هويته. لذلك، يبدو اختيار الإذاعة المصرية هذه الأغنية تكريسًا لمسار نضج موسيقي مغربي، لم يعد يتوسل الاعتراف، بل يفرض حضوره بجماله وتفرّده.

ورغم أن إذاعة القاهرة الدولية تُعرف بتجردها المهني واعتمادها معايير فنية لا تخضع للاعتبارات الإيديولوجية أو الحسابات السياسية، فإن بث أغنية مغربية بطابع وطني خالص على أثيرها يُقرأ، بحسب نقّاد ومتابعين، كاعتراف بحضور الإبداع المغربي وقدرته على اختراق الفضاءات الثقافية العربية دون أن يتنازل عن ذاته. ويرى هؤلاء أن أغنية “ها وليدي”، بما تحمله من لهجة مغربية أصيلة ونَفَس تراثي واضح، تُعيد تثبيت الهوية الفنية للمغرب داخل المشهد العربي، في وقت يتزايد الصراع على الرموز الثقافية ومحاولات طمس الخصوصيات. وبالنسبة للمراقبين أنفسهم فإن نجاح أغنية وطنية في بلوغ هذا الصدى داخل إذاعة مرموقة يُعد مكسبًا ضمن ما يسمونها “الدبلوماسية الثقافية الناعمة”، التي تتيح للمغرب أن يُصدّر هويته الفنية بشكل غير مباشر، ولكن فعّال، خارج منطق الشعارات.

وفي هذا الصدد قال محمد عبد العزيز، مدير إذاعة القاهرة الدولية، إن إدراج أغنية “ها وليدي” ضمن شبكة بث الإذاعة يندرج في إطار توجه مهني يسعى إلى إبراز التنوع الموسيقي العربي والانفتاح على التجارب التي تُثبت حضورها جماهيريًا وفنيًا، وأكد أن الأصوات التي حاولت الاعتراض على بث الأغنية، خاصة من بعض العاملين الجزائريين، لا تُغيّر من قناعة المؤسسة الراسخة بكون الإبداع لا يخضع لأي إملاءات خارجية، بل يُحتفى به متى استوفى شروط الجودة الفنية والقبول العام.

وأضاف عبد العزيز، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الإذاعة تعتمد برمجة أسبوعية مرنة تتيح لكل بلد عربي مساحة زمنية ثابتة، بما يضمن تمثيلية منصفة للأصوات الموسيقية الصاعدة، موردا أن المغرب يحتل موقعًا متقدمًا داخل هذه الخارطة، بفضل تنوعه الغنائي وثرائه الإيقاعي، وأضاف أن الإذاعة تطلب فعلاً من كل مقدم برامج ينتمي إلى دولة عربية إعداد فقرة موسيقية أسبوعية مخصصة لإنتاجات بلده، يتم فيها اختيار الأعمال التي تحظى بتفاعل كبير أو تبرز ضمن قوائم “التوندونس”؛ وإذا ما أثبتت هذه الأغاني حضورًا مستمرًا لدى الجمهور فإنها تُدرج ضمن البرمجة اليومية تلقائيًا، في إطار سياسة تحريرية تضع الإبداع في صدارة معايير الاختيار، دون اعتبار لأي خلفيات سياسية أو اصطفافات إعلامية.

وأبرز الإعلامي ذاته أن فريق البرمجة الموسيقية تابع بتمعّن الحضور اللافت لأغنية “ها وليدي” للفنانة جايلان، معتمدًا في إدراجها على معايير فنية صرفة، دون اعتبار للخلفيات أو المواقف التي قد تُحمّل على العمل؛ وفي معرض رده على الأصوات التي رأت في الأغنية تحميلًا لرسائل سياسية، ولاسيّما إعلان الفنانة موقفها من قضية الصحراء المغربية، شدّد على أن الإذاعة لا تبني اختياراتها الموسيقية على مثل هذه التأويلات، بل على الجودة التعبيرية والنجاح الجماهيري.

وأردف المتحدث ذاته بأن المؤسسة احتضنت، عبر السنوات، أعمالًا تعبّر عن هويات ثقافية متعدّدة، وقدّمت فضاءات لعرض القفطان المغربي والشدة الفاسية، دون أن يُفهم ذلك كاستفزاز لأي طرف، وختم قائلاً إن منطق الإبداع يتجاوز الانتماءات، وإن الأغنية التي تحقّق تفاعلًا حقيقيًا وتحمل طابعًا فنيًا متماسكًا تجد مكانها، سواء كانت ذات بعد ديني، ثقافي أو وطني، لأن الذوق هو الفيصل الوحيد.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا