تبدي جبهة البوليساريو توجسًا متزايدًا من تنامي وتيرة الاستثمارات الأجنبية في الأقاليم الجنوبية للمملكة المغربية، إذ ترى في هذا الحراك الاقتصادي تهديدًا مباشرًا لروايتها السياسية والعسكرية التي تدّعي وجود حرب فعلية في الصحراء، ما يعكس، حسب مهتمين، إدراكًا عميقًا لدى قيادات الجبهة بأن منطق التنمية والاستثمار بدأ يحلّ محلّ خطابات وسرديات الجبهة الانفصالية التي ظلت تتكئ عليها لعقود من الزمن.
في هذا الصدد ادعى المسمى أبي بشرايا البشير، الذي يُوصف بـ”ممثل جبهة البوليساريو لدى سويسرا والأمم المتحدة والمنظمات الدولية بجنيف”، في تصريحات لوكالة الأنباء الجزائرية، أن “المغرب لجأ إلى استعمال ورقة الاستثمارات الاقتصادية (…) ويهدف من خلال توريط شركات في نهب ثروات الشعب الصحراوي إلى التأمين على المواقف (…) من خلال إطلاق اليد لشركات تلك الدول للتواجد في الصحراء واستغلال ثرواتها”، حسب تعبيره.
قال البراق شادي عبد السلام، خبير دولي في إدارة الأزمات وتدبير الصراع وإدارة المخاطر، إن “الاستثمارات الأجنبية في الصحراء المغربية تمثل اعترافًا ضمنيًا بالسيادة المغربية على هذه الأقاليم، وهو ما يتعارض مع مزاعم الجبهة الإرهابية حول ‘تقرير المصير’، ذلك أن هذه الاستثمارات تُقوّض السردية الانفصالية التي تحاول البوليساريو ترويجها دوليًا حول ‘استغلال’ المغرب ثروات الصحراء، إذ إن المشاريع التنموية تعود بالنفع على الساكنة المحلية وتُسهم في تحسين ظروف عيشها”.
وأضاف البراق أن “البوليساريو تنظر إلى هذه الاستثمارات كعنصر يساهم في ترسيخ الوجود المغربي وتعزيز الاندماج الاقتصادي للمنطقة، ما يُضعف موقفها التفاوضي ويزعزع أسس مطالبها الانفصالية، ويدفعها إلى محاولات يائسة لتخويف المستثمرين وعرقلة التنمية”، مبرزًا أن “تنامي هذه الاستثمارات مؤشر قوي وواضح على قدرة العقل الإستراتيجي على فرض تحول جوهري في الموقف الدولي من ملف النزاع، إذ يعكس هذا التنامي ثقة متزايدة من جانب الدول والشركات الأجنبية في استقرار المنطقة وجاذبيتها الاقتصادية في ظل السيادة المغربية؛ وهو كذلك تجسيد عملي لارتفاع منسوب التأييد الدولي لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب كحل جاد وواقعي وذي مصداقية للنزاع المفتعل”.
وسجّل المتحدث لهسبريس أن “هذه الاستثمارات لا تقتصر على الجانب الاقتصادي فحسب، بل تحمل أبعادًا سياسية ودبلوماسية عميقة؛ فهي تبعث برسالة واضحة مفادها أن المجتمع الدولي يرى في المقترح المغربي أساسًا متينًا لتحقيق الاستقرار والتنمية المستدامة في المنطقة، متجاوزًا بذلك الخطابات التقليدية ليتبنى رؤية براغماتية تعود بالنفع على جميع الأطراف”، مؤكدا أن “وجود الشركات الأجنبية واستثماراتها الكبرى في الصحراء المغربية ليس مجرد نشاط اقتصادي، بل هو اعتراف ضمني وملموس بأن المغرب يمارس سيادته الكاملة والمشروعة”، وزاد: “كما أن هذه الاستثمارات تنفي بشكل قاطع أي ادعاءات حول عدم الاستقرار، إذ تُبرهن على أن الأقاليم الجنوبية تتمتع ببيئة آمنة وجاذبة للأعمال، ما يدحض الدعاية التي تحاول تصوير المنطقة كبؤرة للصراع”.
وخلص الخبير ذاته إلى أن “هذه المشاريع الاستثمارية الكبرى تشكل دليلًا على التزام المغرب بتحقيق التنمية المستدامة والشاملة في الصحراء، وتحويلها إلى قطب اقتصادي حيوي يعود بالنفع المباشر على ساكنة الأقاليم الجنوبية”، وتابع: “كما تُعزز هذه الاستثمارات مكانة المغرب كبوابة إستراتيجية لإفريقيا”، مشددًا على أنها “تدفع العديد من الدول إلى اتخاذ خطوات سياسية إيجابية، مثل فتح قنصلياتها العامة في مدن كبرى مثل العيون والداخلة”.
يرى عبد الفتاح الفاتيحي، مدير مركز الصحراء وأفريقيا للدراسات الإستراتيجية، أن “جبهة البوليساريو تدرك أن الاستثمار المغربي والأجنبي في الصحراء ورقة هامة كانت تزايد بها كثيرًا ضد مغربية الأقاليم الجنوبية، إذ اعتبرت ورقة استغلال خيرات الصحراء إحدى الأدوات التي حققت بها توازنًا في موقفها التفاوضي؛ كما أن قرار محكمة العدل الأوروبية وما تلاه من إلغاء الاتفاق الفلاحي واتفاق الصيد البحري بين المغرب والاتحاد الأوروبي في ما يخص أقاليم الصحراء يُعد تتويجًا لما تعتبره تأكيدًا على قوة موقفها من النزاع”.
وأضاف: “ولأن الواقع لا يُعلى عليه فإن الدينامية الجديدة التي يعرفها ملف الصحراء، ولاسيما بعد الإسناد الدولي الكثيف لمبادرة الحكم الذاتي، تعود لتكشف انهيار موقف جبهة البوليساريو في نزاع الصحراء، إذ عادت العديد من الدول الأوروبية إلى إحداث استثمارات كبيرة بأقاليم الصحراء، ومنها الاستثمارات الفرنسية والإسبانية والألمانية في مجال الطاقات المتجددة، واللائحة طويلة”.
وتابع المتحدث لهسبريس بأن “ما يزيد من تأكيد تصدّع دفوع البوليساريو بورقة استغلال الخيرات الطبيعية للصحراء أيضًا شمول الاتفاقية التجارية بين المغرب وبريطانيا الأقاليم الجنوبية”، مردفا: “حتى بالنسبة للدول الوازنة في مجلس الأمن الدولي، التي مازالت تلتزم بموقف رمادي من قضية الصحراء، تنفذ هي الأخرى مشاريع اقتصادية كبيرة في الصحراء المغربية، كما هو الحال بالنسبة للاستثمارات الصينية”،
وشدد الخبير نفسه على أن “التراكم الذي حققته مبادرة الحكم الذاتي أعاد الثقة إلى كل الشركات الأجنبية من الناحية القانونية، وهو ما ساهم في تسجيل ارتفاع كبير في تدفقات الاستثمارات الأجنبية على الأقاليم الجنوبية؛ وهذا ما يمهد لتأكيد عملي وواقعي على سيادة المغرب على الصحراء، ولاسيما مع تأكيد العديد من الدول رغبة مقاولاتها في الاستثمار بالأقاليم الجنوبية، خاصة أن المصالح الاقتصادية هي الموجه الفعلي للمواقف السياسية لمختلف الدول”.
كما ذكر الفاتيحي أن “عددًا من الدول كثيرًا ما تترجم مواقفها السياسية من النزاع متأخرة عن سلوكياتها التجارية والاقتصادية، وهو ما يعمّق انهيار مواقف جبهة البوليساريو، ويدفعها إلى التهديد بتنفيذ هجمات إرهابية ضد المصالح الأجنبية بالأقاليم الجنوبية”، مؤكدًا أنه “بعد انهيار الورقة الحقوقية في المزايدة على سيادة المغرب يتأكد سقوط ورقة استغلال الخيرات الطبيعية للصحراء، ليتشكل واقع جديد يؤكد عدالة المملكة المغربية في سيادتها على الأقاليم الجنوبية”.