في حال واجهت مشكلة في مشاهدة الفيديو، إضغط على رابط المصدر للمشاهدة على الموقع الرسمي
تستقبل العاصمة المغربية الرباط علماء اجتماع من أزيد من مائة دولة، يشاركون في الدورة الخامسة من “المنتدى العالمي الخامس للسوسيولوجيا” الذي نُظِّم افتتاحه مساء أمس الأحد، بمسرح محمد الخامس، وهي سابقة في القارة الإفريقية والمنطقة المتحدّثة باللغة العربية.
المنتدى الدولي لعلم الاجتماع، الذي نُظّمت بتزامن مع افتتاحه وقفة قرب المسرح لنشطاء مغاربة مدافعين عن حقوق الإنسان تندّد بالتطبيع الأكاديمي وتدعو إلى عدم مشاركة أكاديميين إسرائيليين مساندين لإبادة الفلسطينيين، عبّر رئيس الجمعية المنظِّمة له في افتتاحه، في ظل تصفيقات علماء اجتماع من عشرات الدول، عن تضامن الموعد العلمي “مع زملائنا في فلسطين (…) في ظل الإبادة الجماعية الجارية ضدّهم في غزة الآن، والوضع المزري أكثر فأكثر في الضفة الغربية”.
الموعد العلمي الدولي المستمر بين أيام 6 و11 يوليوز الجاري، يُنظَّم تحت رعاية ملكية، بشراكة جمعت “الجمعية الدولية للسوسيولوجيا” و”جامعة محمد الخامس بالرباط” و”الهيئة المغربية للسوسيولوجيا”، موضوع دورته الخامسة “معرفة العدالة في الأنثروبوسين”. ويُذكر في هذا الإطار أن “الأنثروبوسين” مفهوم علمي جديد يتزايد النقاش حوله، ومفاده أن العالم يشهد عصرا جيولوجيا جديدا بفعل النشاط الإنساني المتسارع.
وفي افتتاح “المنتدى العالمي للسوسيولوجيا” قال محمد غاشي، رئيس جامعة محمد الخامس، إن هذا “المنتدى الكبير، المنظَّم باعتزاز كبير، برعاية ملكية سامية وشراكة جمعت الجامعة، والجمعية الدولية، وهيئة السوسيولوجيين المغاربة، تثمينٌ لدور جامعة محمد الخامس كمؤسسة دولية رائدة في التكوين الأكاديمي والبحث العلمي.”
وأضاف أن هذا الموعد “لبنة فكرية جديدة في بناء المغرب المتوسطي الإفريقي الكوني”، والاهتمام بـ”المعرفة رهانا للتنمية، والعدالة شرطا للاستقرار، والسوسيولوجيا سبيلا للفهم”، مردفا أن “هذه ليست مجرد لحظة تنظيمية، بل تجسيد للحظة استراتيجية (…) تتحول فيها الرباط إلى مركز عالمي للنقاش السوسيولوجي العميق”.
وتابع: “شعار الندوة؛ “معرفة العدالة في الأنثروبوسين” لا يستدعي فقط أدوات التحليل التقليدي، بل يفرض علينا كجامعات ومفكرين فتح نوافذ جديدة للسوسيولوجيا، وإعادة مساءلة علاقة الإنسان والطبيعة والمعرفة والهيكلة، في عالم تعصف به اختلالات الطبيعة والمعرفة، والاختلاف بين الشمال والجنوب”، من أجل “نماذج بديلة لمستقبل أكثر عدالة وإنصافا وتضامنا”، و”تعزيز مكانة الجنوب العالمي في الخريطة العلمية العالمية”، والإسهام في “بناء جسر جديد بين الشعوب للمستقبل”.
جوفري بلايزر، رئيس الجمعية الدولية للسوسيولوجيا، قال إن هذا “أول نشاط كبير للمنتدى العالمي للسوسيولوجيا بمنطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط”، وهو فرصة لـ”تُغني معارف هذه البلدان فهم التحديات العالمية لأزمنتنا في عصر الأنثروبوسين”.
وفي سياق حديثه عن “الأزمة الحضارية” التي يعيشها العالم “والتي لا تشبه أزمة أخرى في طريقة عيشنا مع بعضنا البعض، وفهم المجتمع، وممارسة علم الاجتماع”، ندّد عالم الاجتماع بـ”الإبادة الجماعية الجارية في غزة الآن، ووضع الضفة الغربية الذي يصير أكثر فأكثر ترديا (…) نتضامن مع زملائنا في فلسطين، الذين نعرف أنهم لم يستطيعوا القدوم”.
وتحدث بلايزر عن أهمية هذا الموعد “لمشاركة بحوثنا، والتذكير بما نحن سوسيولوجيون، ودورنا في عالمنا وزمننا”، في وقت تشكّك فيه قيادات دول “في العلم، وتشجع الأخبار الزائفة، وخطاب الكراهية (…) وإسقاط الإنسانية عن فئات واسعة من الناس، والتخلي عن حجية الدليل العلمي (…) وتدافع عن العنصرية الممأسسة والإبادة”.
وشدّد عالم الاجتماع على أن “الإنسانية تواجه أزمة عالمية، بل إن الحرية الأكاديمية مهددة حتى في الديمقراطيات المكرَّسة”، وبالتالي “العلوم الاجتماعية أهم اليوم من أي وقت مضى، والالتزام بالمعرفة والمنهج العلمي، ومواجهة الخطابات التبسيطية، بسوسيولوجيا مستقلة، تبني نوعا من المعنى للعيش الإنساني المشترك؛ لأن الكذبة ولو قيلت ألف مرة فهي كذبة”.
أليسون ماري لوكونتو، رئيسة المنتدى العالمي للسوسيولوجيا، تحدثت من جهتها عن حاجة التحاور وتبادل المعارف، ومن بينها معرفة “الأنثروبوسين” الذي هو “مفردة دخلتنا بداية الألفية، بعد اكتشافات جيولوجية عن الأثر غير القابل للمحو لممارساتنا”، وبالتالي على “علماء الاجتماع التفكير، وأن يكون لهم رد فعل في الموضوع”، من أجل “التفكير في العدالة في مجتمعاتنا الحالية وضمانها”، وليكون للسوسيولوجيا ونقاشاتها “أثرها المتميز في مجتمعاتنا”.
عبد الفتاح الزين، منسق الهيئة المغربية للسوسيولوجيا، تحدث في مستهل كلمته الافتتاحية عن السمعة المغربية والإقليمية والعالمية للسوسيولوجيا المغربية، التي لم تكن “لا غنيمة حرب، ولا معرفة مستوردة تطلبت التأصيل، بل تنامت إثر اشتغال الجيل الأول بلغات ومناهج متعددة. وهو جيل اجتهد في وضع مقاربات لفتح الطريق أمام الممارسة المغربية، برغم ما عاشته من سنوات عجاف”.
هذه المعرفة السوسيولوجية، تابع الزين، “علينا الاجتهاد في تطويرها (…) ومواكبة الطلبة وتقديم عناصر أجوبة من أجل مغرب نريده متماسكا، وأن يصبّ تنوعه في وحدته”، ومن أجل “التغيير المجتمعي الرصين الذي يقوم على البحث التنموي”؛ لأن “السوسيولوجيا ضرورة تكوينية لتشخيص أوضاع المجتمع، وقطاعاته وتنميتها”.
وحول “الأنثروبوسين” الذي هو “عصر جيولوجي فرضيته أن للنشاط البشري تأثيرا كبيرا على كوكبنا، صار معه قوة جيولوجية تقارن بباقي القوى الطبيعية”، ذكر عالم الاجتماع أن مناقشته “فرصة معرفية، تضاف إلى فرص تنظيمية أخرى للمغرب”، في ظل تصور “خدمة سلطة المعرفة” من أجل “عالم آخر ممكن”؛ لأن “المعرفة مورد لا ينضب، في سبيل فهمِ إنسانية تشملنا جميعا، ولا تترك أحدا على قارعة التاريخ”.