آخر الأخبار

صيف ارتفاع التوقعات وضغط المقارنات يحوّل العطلة إلى "عبء نفسي"

شارك

رغم أن العطلة الصيفية تُصوَّر غالبًا كفترة راحة واستجمام، إلا أنها تتحوّل لدى كثير من الأسر إلى مصدر ضغط نفسي بسبب تعدد التوقعات، وتزايد الالتزامات المادية والاجتماعية، والرغبة في تلبية “الواجبات الترفيهية” التي يفرضها المحيط، خصوصا مع ضغط المقارنات، وتزايد حضور وسائل التواصل الاجتماعي في رسم صورة مبالغ فيها عن “الصيف المثالي”.

يطرح هذا التحول في دلالة العطلة الصيفية تساؤلات كثيرة حول الجوانب النفسية التي تجعل من فترة يفترض أن تكون للراحة مصدرا للتوتر والانزعاج، وحول دور المقارنات الاجتماعية ومحتوى منصات التواصل في تغذية توقعات غير واقعية داخل الأسر، مما يزيد من الشعور بالضغط وعدم الرضا، كما تبرز الحاجة إلى التفكير في سبل عملية تساعد الأسر على تدبير هذه المرحلة الموسمية بشكل متوازن.

مقارنات تفسد العطلة

محمد شفيق الوزاني، أخصائي نفسي إكلينيكي، قال إن “فترة العطلة الصيفية لا تمثل بالضرورة فرصة للراحة النفسية بالنسبة إلى جميع الأسر، بل قد تتحول إلى مصدر ضغط وتوتر، خصوصا لدى الفئات ذات الدخل المحدود والوضعيّات الاجتماعية الهشة”.

وأوضح الوزاني أن “العديد من الأسر تعاني خلال فصل الصيف من صعوبة في تحقيق تصورات مثالية للعطلة، نتيجة الارتفاع الكبير في سقف التوقعات، سواء داخل الأسرة نفسها أو بفعل المحتوى المثالي الذي يُروّج له على مواقع التواصل الاجتماعي”، مضيفا أن “هذه التوقعات غير الواقعية تخلق فجوة بين ما يأمل الفرد وما يستطيع تحقيقه، ما يُنتج مشاعر القلق والذنب والإحباط، لا سيما لدى أولياء الأمور الذين يشعرون بالعجز عن توفير ظروف الاستجمام لأطفالهم”.

وأشار المتحدث ذاته، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، إلى أن “التخطيط للسفر، خاصة إلى خارج المغرب، يتطلب مجهودا كبيرا واستعدادا ماليا وتنظيميا دقيقا”، مبرزًا أن “هذه المتطلبات تتحول بدورها إلى مصدر ضغط نفسي، وقد تؤثر على التوازن الأسري خلال الصيف”.

وفي سياق متصل، نبه الوزاني إلى “تأثير المقارنة المستمرة عبر شبكات التواصل، التي تُظهر لحظات استجمام مثالية وتجارب سياحية فخمة”، قائلا إن “هذا المحتوى المنمّق يخلق تشوها في الإدراك الذاتي ويغذي مشاعر النقص لدى الأفراد، لكونه يتجاهل التعب والخلافات اليومية والروتين الذي تعيشه معظم الأسر، ويُظهر فقط جانبًا واحدًا من الواقع”.

واعتبر شفيق الوزاني أن “محاولة بعض الأسر محاكاة هذه الصورة المثالية قد يؤدي إلى اضطراب العلاقة بين أفرادها؛ إذ يشعر البعض بأنهم أقل كفاءة من الآخرين، مما يؤثر سلبًا على الصحة النفسية ويزيد من منسوب التوتر العائلي، خصوصا في ظل محاولات إثبات النجاح الاجتماعي والمادي أمام المحيط”.

ولتجاوز هذا الضغط الموسمي، دعا الأخصائي إلى “تبني تصور واقعي للعطلة الصيفية، من خلال إشراك الأطفال في تخطيط الأنشطة الأسرية، مع مراعاة الإمكانيات المتاحة، وتجنب المقارنات المبالغ فيها”، وأوصى بـ”خلق لحظات عائلية دافئة ومريحة، ولو داخل البيت، من خلال أنشطة بسيطة لا تتطلب ميزانيات مرتفعة، مثل زيارة الغابة أو البحر، أو تنظيم نزهات قصيرة”.

وأكد محمد شفيق الوزاني أن “الطفل لا يحتاج بالضرورة إلى تجارب فاخرة ليشعر بالسعادة، بل يكفي أن يحظى بالاهتمام والمرح والارتباط الأسري خلال هذه الفترة”، مشيرا إلى أن “التخطيط المشترك مع الأبناء يضمن التوازن، ويحدّ من التوقعات المبالغ فيها التي قد تنتهي بخيبة أمل”.

العطلة والمثالية الزائفة

ندى الفضل، أخصائية معالجة نفسية إكلينيكية، قالت إن “العطلة يُفترض أن تكون فسحة للراحة وتجديد الطاقة، إلا أنها تتحوّل في كثير من الأحيان إلى عبء نفسي نتيجة لعوامل نفسية واجتماعية متعددة، أولها تضارب التوقعات؛ إذ تختلف تطلعات أفراد الأسرة (الزوج، الزوجة، الأبناء)، ما يؤدي إلى صراعات حول كيفية قضاء العطلة، إضافة إلى الفراغ السلوكي؛ ذلك أن غياب الروتين اليومي المرتبط بالدراسة أو العمل قد يُحدث فراغًا لدى الوالدين والأبناء، وهذا الفراغ يفتح المجال للقلق أو الخلافات أو التشتت”.

وأشارت الفضل، في تصريح لهسبريس، إلى ما أسمته “الإحساس بالواجب المفرط”، موضحة أن “بعض الآباء والأمهات يشعرون بأن عليهم ‘صنع صيف مثالي’، ما يُدخلهم في دوامة التزامات تفوق طاقتهم، إضافة إلى الإرهاق التراكمي، لأن الوصول إلى العطلة يكون أحيانا بعد شهور من الإرهاق المهني والدراسي، ما يجعل النفس متعبة وغير قادرة على الاستمتاع حتى حين تتوفر الظروف”.

ونبّهت المعالجة الإكلينيكية إلى أن “منصات التواصل الاجتماعي تروج صورا لـ’عطلات الأحلام’، مما يولّد لدى الأمهات والآباء شعورا بالدونية أو الفشل في تحقيق المستوى ذاته، كما أن الكثير من المحتوى المعروض غير واقعي أو مموّه، لكنه يُقدَّم كواقع يومي، مما يرسّخ في الأذهان صورة مثالية غير قابلة للتحقيق”، مشيرة إلى أن “الأبناء بدورهم يقارنون أنفسهم بأقرانهم، ويطالبون بتجارب أو رحلات قد لا تناسب إمكانيات الأسرة، في الوقت الذي يشعر الوالدان بالتقصير إذا لم يتمكنا من توفير ‘صيف مميز’، ما يؤدي إلى جلد الذات”.

وعن السبل التي يمكن أن تساعد الأسر على تدبير العطلة الصيفية دون الوقوع في الضغط النفسي والشعور بالتقصير، ذكرت ندى الفضل “إعادة ضبط التوقعات”، وقالت إن “الأسر يجب عليها أن تذكّر نفسها بأن العطلة ليست مسابقة، وأن الهدف الأساسي هو الراحة والتواصل الإنساني، وليس التباهي أو الاستعراض”، مشددة على ضرورة “تقدير اللحظات الصغيرة، من خلال قضاء وقت بسيط معًا (نزهة، حكاية قبل النوم، لعبة جماعية) يمكن أن يكون أكثر تأثيرًا نفسيًا من سفر فاخر”.

ونصحت الأخصائية النفسية بـ”الانفصال المؤقت عن مواقع التواصل، وتحديد فترات خالية من المقارنات الرقمية بهدف التخفيف من الضغط الداخلي”، و”وضع برنامج عائلي مرن، عبر تنظيم وقت العطلة بمشاركة كل أفراد الأسرة، بما يراعي الإمكانيات والاهتمامات، دون إغراق في التفاصيل أو المثالية”، و”توزيع الأدوار داخل البيت، وإشراك الأطفال في المهام والأنشطة المنزلية بطريقة ترفيهية، ما يعزز الإحساس بالإنجاز والارتباط العائلي”، و”استثمار الأنشطة المجانية أو منخفضة التكلفة، كالمكتبات والمخيمات والمشي في الطبيعة ولقاءات الجيران أو الأقارب…”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا