قال عمر هلال، السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، إن “المغرب يمتلك فرصا حقيقية لترسيخ مكانته كقوة إقليمية إفريقية في مجال الذكاء الاصطناعي، مستفيدا من رأسماله البشري، وبنياته التحتية، ومراكزه البحثية والعلمية”، وسجل أن البلد “يستوفي شروط الريادة، حسب معايير جامعة كولومبيا بنيويورك؛ وهي: الرؤية والموارد البشرية والمالية وبنية الابتكار والبحث العلمي”.
وأكد هلال اليوم الأربعاء، خلال المناظرة الوطنية الأولى حول الذكاء الاصطناعي المنظمة من لدن وزارة الانتقال الرقمي وإصلاح الإدارة، أن الخلاصات المنبثقة عن اللقاء “تشكل فرصة محورية لتكريس ريادة المغرب رقميّا على الصعيد القاري”، معتبرا أن أهداف استراتيجية المغرب الرقمية 2030، إلى جانب خارطة الطريق الاستراتيجية التي سوف تثمرها المناظرة، كلها “عناصر تعزز هذا الدور الريادي”.
وأورد المسؤول الأممي أن “المبادرات الطموحة للمملكة في الأمم المتحدة، بالإضافة إلى خلاصات اللقاء ستضع المغرب ضمن أربع دول إفريقية فقط وضعت لنفسها تصورا استراتيجيا للتعاطي مع الذكاء الاصطناعي”، وتابع: “تُمثل هذه الركائز مجتمعة عناصر قوة بالغة الأهمية تمكّن الرباط من ترسيخ مكانتها كفاعل ومساهم مؤثر في ضبط أنماط التقنية الجديدة”.
وأبرز المتحدث أن “السباق المحموم بين عمالقة التكنولوجيا، ولا سيما الأمريكيين والصينيين، يطرح مخاطر محتملة تتمثل في توجيه الأولوية نحو اعتبارات تجارية على حساب المصلحة المشتركة؛ مما يؤدي إلى نشوء خلل هيكلي في التوازن العالمي”.
واعتبر السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة أن “الابتكار والتقنين لا يزالان حكرا على دول الشمال؛ في حين تنخرط دول الجنوب العالمي، في أغلبها، ضمن نادي المستهلكين”.
وأورد هلال أن “سباق التقنية يتخذ منحى تنافسيا استراتيجيا بين القوى العظمى في سياق عالمي متشابك”، لافتا إلى أن الوضع يفرز “تداعيات جيوسياسية عميقة، تؤثر بشكل مباشر في موازين القوى بين الشمال والجنوب، وتترك الدول النامية خلف الركب، باستثناء قلة منها على غرار الهند والبرازيل”.
وشدد المسؤول عينه على أن “السبيل لتفادي العواقب غير المحسوبة لهذا السباق يكمن في إرساء حكامة متعددة الأطراف”، وأشار إلى أنها “لم تعد ضرورية فحسب؛ بل أضحت أمرا مُلحا”.
وزاد السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة: “بات من حق الدول النامية المطالبة بإقامة بنية حكامة شاملة لجميع الجهات الفاعلة، ترتكز على الصرامة العلمية، وتحترم حقوق الإنسان، وتقوم على مبادئ الشفافية والعدالة والشمول، وقبل كل شيء المسؤولية”.
وفي هذا السياق، لفت المتحدث إلى أن “الأمم المتحدة تتيح فضاء موثوقا، محايدا وتعاونيا، يمكن من خلاله بناء توافقات قائمة على مبادئ كونية”.
وتابع: “وسيتيح هذا الإطار الأممي إمكانية التعامل مع الذكاء الاصطناعي بشكل أفقي يشمل أبعاده السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والأخلاقية والبيئية، بما في ذلك القانون الدولي وحقوق الإنسان”.
كما شدد هلال على أن “النقاش متعدد الأطراف حول حكامة الذكاء الاصطناعي بلغ مرحلة النضج، رغم التقاطعات المتكررة مع المبادرات الأحادية والإقليمية”، مبرزا أن “الجهود الأممية تقف اليوم عند مفترق طرق حاسم، على الرغم من التنافس الاستراتيجي بين القوى الكبرى الفاعلة في المجال الرقمي، واستمرار الفجوة الرقمية بين الشمال والجنوب”.
وأبرز المتحدث في المناظرة المنظمة تحت رعاية الملك محمد السادس: “رغم ما تنطوي عليه هذه التحديات من تعقيدات، فإنها تمثل فرصة لبناء إطار تعددي معياري، شرط أن يُدار جيدا”، مؤكدا أن المغرب لديه “وعي تام بحجم رهانات تدبير إطار عالمي وأهمية تطبيقاته الاقتصادية والتنموية، فتبنّى، مسترشدا بالرؤية الملكية لدبلوماسية فاعلة واستباقية، موقعا مبكرا بين الفاعلين المؤثرين في هذا الحراك العالمي”.
وأضاف شارحا: “ولهذا السبب، اختار المغرب الشراكة مع الولايات المتحدة، إلى جانب انضمامه إلى المبادرة الصينية، في تأكيد واضح على رفضه التهميش في هذه الثورة التكنولوجية، وسعيه الحثيث إلى أن يكون فاعلا أساسيا فيها، إلى جانب جميع الشركاء في مجال التكنولوجيا المتقدمة، بعيدا عن أي اصطفاف سياسي”.
وشدد هلال على أن “الهدف يتمثل في تسهيل التقارب، وتعزيز التعاون في إطار أهداف التنمية المستدامة، والسعي نحو إتاحة أدوات وتقنيات الذكاء الاصطناعي للجميع بشكل ديمقراطي”، مشددا على استحضار “قناعة راسخة بأن هذا الرهان يجب ألا يُنظر إليه كمجرد مساعدة تقنية، بل كمسألة عدالة، وتقاسم للابتكار، وتضامن، وكحق سيادي رقمي”.