آخر الأخبار

التحرك الأمريكي ضد إرهاب البوليساريو يربك دسائس النظام الجزائري

شارك

تشكل المقذوفات التي استهدفت ضواحي السمارة لحظة مفصلية تعيد تسليط الضوء على قضية الصحراء المغربية، خصوصا أنها تزامنت مع دينامية تشريعية أمريكية غير مسبوقة تسعى إلى إعادة تعريف جبهة البوليساريو ضمن المنظومة القانونية الدولية عبر تصنيفها تنظيما إرهابيا، ما يسمح بإنتاج واقع دبلوماسي جديد يعيد رسم ملامح التعاطي الدولي مع الملف، ويفرض على الأطراف المعنية مراجعة استراتيجياتها الأمنية والدبلوماسية في ضوء معادلة أكثر تشددا تجاه الفعل المسلح.

ويرى محللون تحدثت إليهم هسبريس أن مشروع القانون المطروح داخل الكونغرس الأمريكي، الذي يهدف إلى تصنيف جبهة البوليساريو تنظيما إرهابيا، يعكس تحوّلا واضحا في طريقة قراءة واشنطن لسلوك الجبهة وتاريخ أنشطتها في منطقة الساحل، وهذا القانون لا يكتفي بتوصيف سياسي، بل يتجه إلى وضع إطار قانوني صارم يحمّل البوليساريو مسؤولية مباشرة عن أفعال يمكن أن تدرج ضمن خانة التهديد الإقليمي، ما يفتح الباب أمام ملاحقات قانونية، ويعيد ترتيب مواقف دولية كانت إلى وقت قريب تتعامل معها بمرونة أو حياد.

رسائل ميدانية

قال أحمد العبدلاوي، باحث محلل سياسي أستاذ العلاقات الدولية زائر بجامعة مدريد، إن المقذوفات التي استهدفت مدينة السمارة لا يمكن عزلها عن منطق الفعل الذي تحاول جبهة البوليساريو توظيفه في هذه المرحلة، معتبرا أن “الرسالة الأساسية لهذا التصعيد لا تستهدف المغرب عسكريا بقدر ما تسعى إلى تذكير المجتمع الدولي بوجود الجبهة، بعد تراجع حضورها في الساحات السياسية والحقوقية”. وأضاف أن هذا النوع من العمليات غالبا ما يستخدم كأداة ضغط حين تضيق هوامش التفاوض وتشتد العزلة السياسية، خاصة في ظل المتغيرات الدولية الجارية.

وأوضح العبدلاوي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن تزامن هذا التصعيد مع مشروع القانون الأمريكي الذي يسعى إلى تصنيف جبهة البوليساريو تنظيما إرهابيا، يعكس حالة من الارتباك العميق في بنية القرار داخل الجبهة، ويدلّ على تحرك استباقي يهدف إلى إرباك المسار القانوني الدولي الذي بات يضيق الخناق حولها. واعتبر أن هذا التحرك في هذا الظرف الزمني بالذات يترجم إحساسا متناميا لدى قيادة الرابوني بأن البيئة الجيو-سياسية الراهنة لم تعد تقبل مناوراتها القديمة، لا سيما في ظل بوادر تحول ملموس في مواقف عدد من القوى الغربية التي بدأت تراجع قراءتها التقليدية للحركات المسلحة التي تفتقر إلى الانضباط السياسي والدبلوماسي.

واعتبر المحلل السياسي ذاته أن المغرب من خلال تعامله الهادئ والمؤسساتي مع الحادث، يعيد التأكيد على تفوقه في إدارة الأزمات بوسائل قانونية ودبلوماسية رصينة، بعيدا عن أي انفعال قد يستغل لإعادة إنتاج سرديات الجبهة الانفصالية. وأشار إلى أن التحرك المغربي في هذا السياق لا يقتصر على التنديد أو الشجب، بل يتجه نحو توطيد الشراكات الاستراتيجية، خاصة مع الولايات المتحدة، من أجل استثمار الزخم التشريعي الأمريكي الداعي إلى تصنيف البوليساريو ضمن خانة التنظيمات الإرهابية. كما أوضح أن هذا التوجه قد يسهم في تعميق اقتناع المجتمع الدولي بخطورة الجبهة على الأمن الإقليمي، ويمهّد لمرحلة جديدة من الضغط الدولي الهادف إلى محاصرتها سياسيا وقانونيا، باعتبارها طرفا يهدد مساعي الاستقرار والسلم في المنطقة.

وختم أستاذ العلاقات الدولية تصريحه لهسبريس بالتأكيد أن مشروع تصنيف البوليساريو تنظيما إرهابيا، إذا ما تم تبنيه رسميا من قبل الكونغرس الأمريكي، سيحدث تحوّلا بنيويا في طبيعة التعاطي الدولي مع النزاع، موضحا أن هذا التصنيف لن يكون مجرد إجراء شكلي، بل سيترتب عليه تجميد الأصول، وتقييد التحركات، ومنع الدعم المادي والسياسي، وهو ما سيربك حسابات الجزائر التي لطالما قدّمت الغطاء الدبلوماسي واللوجستي للجبهة. وأضاف أن المرحلة المقبلة تتطلب من المغرب تثبيت هذا المكسب عبر تعزيز حضوره القانوني والدبلوماسي داخل المؤسسات الدولية.

اقتراب المساءلة

أبرز عبد الله فرجي، أستاذ القانون الدولي بالجامعة الدولية بالرباط، أن استهداف مدينة السمارة يعد خرقا فاضحا لقواعد القانون الدولي الإنساني، وخاصة المبادئ الجوهرية المتعلقة بحماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة. وأوضح أن القانون الدولي يلزم جميع الأطراف باحترام التمييز بين الأهداف المدنية والعسكرية، ويمنع بشكل صريح تعريض السكان المدنيين لأي خطر مباشر، مضيفا أن هذا الاعتداء يعبّر عن استخفاف واضح بمبدأ الحماية الدولية، وقد يشكل تمهيدا لمساءلة جنائية أمام المحاكم الدولية، بالنظر إلى طبيعته المناقضة للشرعية القانونية المتعارف عليها دوليا.

وأضاف فرجي، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن الهجوم الذي استهدف مدينة السمارة يندرج ضمن الأعمال العدائية المحظورة بموجب قواعد القانون الدولي، لا سيما المادة الثانية من ميثاق الأمم المتحدة، التي تحظر التهديد أو استخدام القوة ضد السلامة الإقليمية أو الاستقلال السياسي لأي دولة. وأوضح أن هذا الفعل، باعتباره صادرا عن جهة غير حكومية، يقع أيضا ضمن نطاق المادة الثالثة المشتركة لاتفاقيات جنيف، التي تحظر الاعتداء على المدنيين خارج النزاعات الدولية الرسمية، وتلزم جميع الأطراف، بمن فيهم الفاعلون من غير الدول، باحترام الحد الأدنى من الحماية الإنسانية. كما أشار إلى أن البروتوكول الإضافي الثاني لعام 1977 يعزّز هذا المنع، مؤكّدا على المسؤولية الفردية للقيادات عن الأعمال التي تستهدف السكان المدنيين عمدا. وتابع موضحا أن توثيق هذه الانتهاكات يشكّل قاعدة قانونية لإثارة مسؤولية الجهة المرتكبة أمام آليات المحاسبة الدولية، ويفتح المجال لمساءلتها أمام مجلس حقوق الإنسان أو المحكمة الجنائية الدولية إذا توفرت الشروط الموضوعية للاختصاص.

وأشار الخبير في القانون الدولي إلى أن مشروع القانون الأمريكي القاضي بتصنيف جبهة البوليساريو تنظيما إرهابيا يمكن أن يشكل سابقة قانونية نوعية داخل القانون الدولي، خاصة إذا استند إليه لاحقا من قبل هيئات متعددة الأطراف كالأمم المتحدة أو مجلس الأمن في إطار الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، الذي يتيح اتخاذ تدابير صارمة ضد الكيانات المهددة للسلم والأمن الدوليين. وشرح أن هذا التصنيف، في حال اعتماده، لن يعد موقفا سياديا منعزلا، بل قد يتحول إلى مرجعية معيارية تستخدم في بناء شرعية قانونية لتقييد أنشطة الجبهة على المستوى الدولي، وذلك بموجب اتفاقيات دولية كاتفاقية مكافحة تمويل الإرهاب لعام 1999، واتفاقية جنيف الرابعة المتعلقة بحماية المدنيين. وأبرز أن هذا المسار قد يفضي إلى تجميد الموارد المالية المرتبطة بها، وفرض قيود على تحركات أعضائها، بل وحتى منع الاعتراف بتمثيلياتها الخارجية، بما يدرجها ضمن الكيانات غير الحكومية المسلحة الخارجة عن القانون الدولي، ويعزز إمكانية مقاضاتها أمام المحاكم الوطنية والدولية بصفتها تهدد النظام العام الدولي.

وخلص الأستاذ الجامعي إلى أن هذا المنعطف القانوني يضع الجزائر في مأزق مزدوج؛ فهي من جهة مطالبة بتبرير دعمها السياسي والمالي لجبهة توصف بالإرهابية، ومن جهة أخرى مطالبة بالامتثال للالتزامات الدولية المتعلقة بعدم تمويل أو إيواء كيانات مصنفة إرهابية. وذكر أن “استمرار الجزائر في تقديم الدعم للجبهة بعد التصنيف المحتمل قد يعرّضها للمساءلة أمام هيئات رقابة دولية، بل وقد يمهّد لمطالبات بتفعيل آليات العقوبات بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة إذا ما ثبت تورطها في تمويل هجمات تستهدف مدنيين خارج نطاق النزاع”.

وختم فرجي تصريحه بالتنبيه إلى أن المرحلة المقبلة تستدعي من المغرب ليس فقط الاستمرار في العمل الدبلوماسي الكلاسيكي، بل أيضا تعزيز حضوره القانوني في المنتديات الدولية، من خلال تعبئة خبرائه، وتوثيق انتهاكات الجبهة ضمن ملفات محكمة الصياغة تعرض على الأمم المتحدة والمحاكم الدولية المختصة، موردا أن “المواجهة أصبحت قانونية بامتياز، وربح المعركة في هذا المستوى يعادل ــ بل يتجاوز أحيانا ــ ما تحققه الدبلوماسية في دوائر القرار السياسي”، مضيفا أن المغرب، بفضل استقراره المؤسساتي وتحالفاته الدولية، يملك كل الشروط لتثبيت مكتسباته وتعزيز موقعه كفاعل مسؤول في مواجهة كيان انفصالي باتت تحركاته تهدد السلم والأمن في منطقة الساحل والصحراء.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا