أكدّ وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، الإثنين، أن تفعيل المقتضيات القانونية المتعلّقة بحماية الممتلكات الثقافية ومكافحة الاتجار غير المشروع بها يقتضي “العمل على تعزيز قدرات الفاعلين المؤسساتيين، وأجهزة إنفاذ القانون، كمؤسسة الجمارك”، موضحا أن الأخيرة “تضطلع بدور هام في مواجهة تهريب القطع الثقافية ومنع انتقالها عبر المنافذ الحدودية بطرق غير قانونية”.
وأشار وهبي، في كلمة له خلال الجلسة الافتتاحية لأشغال المؤتمر الدولي حول “دور هيئات الجمارك في مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية”، الذي يحتضنه مقر “الإيسيسكو” بالرباط، حتى 5 يوليوز المقبل، إلى أن ضمن الأجهزة المذكورة كذلك “المؤسسات القضائية والأمنية، وباقي المؤسسات والإدارات التي تعنى بحماية الممتلكات الثقافية، وفق القوانين والأنظمة الجاري بها العمل”.
وأورد المسؤول الحكومي ذاته أن الأمر يتعيّن أن يتم “من خلال تعميق مدارك أجهزة إنفاذ القانون، وتقوية قدراتها وتأهيلها لامتلاك المؤهلات القانونية والمهارات الفكرية اللازمة للتنزيل الأمثل للمقتضيات القانونية المتعلقة بمكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية، بما يتلاءم مع الممارسات الدولية في هذا الإطار”.
ويرى الوزير أن مكافحة النوع المذكور من الجرائم تستلزم أيضا “اعتماد آليات التعاون القضائي الدولي في شقه القضائي والأمني”، ولاسيما أنها “تُشكّل في غالب الأحيان سلوكا إجراميا عابرا للحدود الوطنية، يتم في إطار عصابات ومنظمات إجرامية، وبطرق احتيالية واحترافية تتطلب مواجهتها اعتماد تقنيات بحث خاصة من طرف الأجهزة الأمنية والقضائية المختصة”، بتعبيره.
لم يفت وزير العدل أن يتستحضر في كلمته أن المملكة بادرت، “في إطار مسايرة التوجهات الدولية في مجال حماية الممتلكات الثقافية، إلى المصادقة على كافة الاتفاقيات الصادرة في هذا الإطار، وإبرامها اتفاقيات ثنائية مع بعض الدول في مجال مكافحة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية واستردادها”؛ كما سعت إلى “ملاءمة التشريع الوطني مع الإطار القانوني الدولي وتطويره للاستجابة للتحديات الراهنة”.
وراهنت المملكة من خلال هذه الملاءمة على “تعزيز قدرات أجهزة إنفاذ القانون على محاربة ظاهرة الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية وضبط مرتكبيها والحد من حالات الإفلات من العقاب”، وفق وهبي، مفيدا في هذا الصدد بصدور “أول قانون خلال فترة الحماية سنة 1912 يعنى بحفظ الآثار والكتابات القديمة والتاريخية”، تلته عدة نصوص قانونية ذات صلة.
وكان آخر هذه القوانين، كما ذكّر المسؤول ذاته، “القانون رقم 33.22 المتعلق بحماية التراث لسنة 2025″، مشيرا إلى أنه “جاء بمقتضيات حديثة ومتطورة في مجال حماية التراث بكل أصنافه، علاوة على بعض المقتضيات الزجرية الواردة في مجموعة القانون الجنائية أو في بعض القوانين الجنائية الخاصة”.
محمد مهدي بنسعيد، وزير الشباب والثقافة والتواصل، وضحّ بداية أن “الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية جريمة منظمة ضد الموروث الثقافي”، مُردفا بأن المملكة بقيادة الملك محمد السادس، “الذي يولي أهمية خاصة للتراث الثقافي، تدرك القيمة الاستثنائية للممتلكات الثقافية؛ فهي ليست مجرد قطع أثرية أو أعمال فنية، بل هي شهادات حية على حضارات متعاقبة، وذاكرة مشتركة للإنسانية”.
أضاف بنسعيد، في كلمته خلال الجلسة عينها، أن “هذه الكنوز أصبحت هدفا لشبكات إجرامية منظمة تستغل الصراعات والنزاعات، وتستفيد من الفراغات القانونية والتكنولوجية، لتهريبها من أوطانها الأصلية”، مشددا على أن “الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية ليس مجرد جريمة اقتصادية، بل هو عمل تخريبي يمس الذاكرة الجماعية للشعوب، ويقوي الإرهاب والجريمة المنظمة، ويعرقل جهود التنمية المستدامة”.
في هذا الصدد أفاد الوزير ذاته الحاضرين باتخاذ المغرب بقيادة الملك “خطوات استباقية وحاسمة لمواجهة هذه الظاهرة”، لافتا إلى تعزيز الإطار القانوني والتشريعي بما يتماشى مع الاتفاقيات الدولية ذات الصلة، خاصة اتفاقية اليونسكو لعام 1970، وكذا تكثيف جهود الرقمنة وجرد الممتلكات الثقافية، وزاد: “اليوم دخل قانون جديد لحماية التراث الثقافي حيز التنفيذ، بمقتضيات جديدة وهامة للحد من الممارسات المهددة لهذا التراث”.
“أما على المستوى العملياتي فنركز على تقوية قدرات أجهزتنا الأمنية والقضائية في مجال التحقيق والملاحقة القضائية لمرتكبي هذه الجرائم، بالتعاون الوثيق مع مؤسسات أمنية دولية والمنظمات الدولية الشريكة”، يردف بنسعيد، مذكّرا بأن المغرب سبق أن قام بعمليات استرجاع لممتلكات ثقافية بتعاون مع دول صديقة مثل الولايات المتحدة الأمريكية، وجمهورية الشيلي”.
ودعا المتحدث إلى “تضييق الخناق على الأسواق السوداء وتشديد الرقابة على المزادات الفنية التي قد تكون غطاء لغسل هذه الممتلكات”، مع “إطلاق مبادرات لدعم الدول المتضررة، خاصة تلك التي تعاني من النزاعات، في جهودها لحماية تراثها واستعادة ما سُرق منها”؛ إلى جانب “استغلال التكنولوجيا الحديثة، مثل الذكاء الاصطناعي وblockchain، في تتبع أصل الممتلكات الثقافية وتوثيقها”.