أعادت قضية اغتصاب طفلة مغربية لا يتجاوز عمرها 14 سنة على يد مواطن كويتي النقاش مجددا حول حماية الطفولة، وفعالية العدالة الجنائية في مواجهة جرائم الاعتداء الجنسي، خاصة حين يكون الجاني أجنبيا ويفلت من العقاب.
وقد أثار الحكم الغيابي الصادر عن الغرفة الجنائية بمحكمة الاستئناف بمراكش، القاضي بخمس سنوات سجنا نافذا في حق المتهم، موجة من الغضب الحقوقي والجدل الشعبي، واعتُبر على نطاق واسع “حكما مخففا لا يليق بجسامة الجريمة”، خصوصا في ظل استمرار المتهم في الفرار إلى خارج المغرب.
وفي هذا السياق، خرجت منظمات وشخصيات حقوقية عدة مطالبة بتفعيل مساطر التعاون القضائي مع دولة الكويت، وتسليم المتهم لمحاكمته حضوريا، ومراجعة الأحكام بما يضمن الإنصاف وعدم الإفلات من العقاب.
في هذا الإطار، قال عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان: “تابعنا كمنظمات حقوقية بقلق بالغ مجريات قضية اغتصاب طفلة مغربية لا يتجاوز عمرها 14 سنة من طرف مواطن كويتي، وهو الملف الذي اهتز له الرأي العام الوطني لما ينطوي عليه من بشاعة الفعل، واستهتار بكرامة وحقوق الطفولة، وعبث بالقيم الكونية لحقوق الإنسان”.
وأضاف تشيكيطو ضمن تصريح لهسبريس: “رغم أن الحكم الغيابي الصادر عن الغرفة الجنائية الابتدائية بمحكمة الاستئناف بمراكش بتاريخ 20 يونيو 2025، القاضي بخمس سنوات سجنا نافذا، لم يحز قوة الشيء المقضي به ليتسنى لنا التعليق وإصدار موقف نهائي بخصوص مجريات المحاكمة، إلا أننا نعتبر أن هذا الحكم، في ضوء خطورة الجريمة، هو حكم مخفف لا يرقى إلى مستوى العدالة الجنائية الواجبة في قضايا الاغتصاب، خاصة حين يتعلق الأمر بطفلة قاصر”.
واعتبر الحقوقي ذاته أن الأمر يشكل “مساسا صارخا بحقوق الضحية وتنكرا لروح الاتفاقيات الدولية التي صادق عليها المغرب في مجال حماية الطفولة، خصوصا في ظل استمرار المتهم في الفرار من العدالة وتمتعه بشكل غير مبرر بحماية غير مفهومة من طرف سلطات بلده، وهو ما يعتبر إفلاتا من العقاب لا يمكن التساهل معه”.
وأكد أن “على الجهات القضائية أن تسارع لتفعيل آليات التعاون القضائي الدولي من أجل تسليم المتهم ومحاكمته حضوريا في احترام تام لشروط المحاكمة العادلة، ومراجعة العقوبة المحكوم بها بما يتناسب مع خطورة الجريمة، عبر استئناف الحكم في إطار الإنصاف ورد الاعتبار للضحية، مع مواصلة الضغط الدولي والوطني لكشف أسباب تقاعس السلطات الكويتية في تسليم المتهم للمغرب، وتحميلها جزءا من المسؤولية في عرقلة العدالة”.
وختم تشيكيطو تصريحه قائلا: “إن الكرامة الجسدية للأطفال لا تخضع للمساومة أو الحسابات السياسية أو الدبلوماسية، وهذه القضية ليست فقط انتهاكا لطفولة بريئة، بل هي اختبار حقيقي لمدى جدية المؤسسات في التزاماتها تجاه حقوق الإنسان وحقوق الطفل. فالعدالة الناجزة وغير المنقوصة هي وحدها الكفيلة بتبديد الشعور بالإحباط والغضب العميق لدى الضحية وذويها، ولدى كل القوى المؤمنة بالحق في الكرامة والسلامة الجسدية”.
من جانبها، قالت نجاة أنور، رئيسة منظمة “ما تقيش ولدي”: “نحن في المنظمة سبق أن عبرنا عن رفضنا القاطع للإفراج المؤقت؛ بحيث استنكرت المنظمة بشدة إطلاق سراح المتهم رغم وجود أدلة قوية ضده، واعتبرت ذلك استهتارا بحقوق الطفلة الضحية وفتحا لباب الإفلات من العقاب”.
وأضافت أنور في تصريح لهسبريس أن “المنظمة عبّرت عن استغرابها عدم سحب جواز سفر المتهم أو وضعه تحت المراقبة القضائية، واعتبرنا الهروب تنسيقا دبلوماسيا غير مقبول”.
وتابعت: “حمّلت المنظمة السفارة الكويتية مسؤولية تهريبه، واعتبرت ما وقع إهانة للقضاء المغربي وضربا لسيادة القانون، وطالبت وزارة الخارجية المغربية بفتح تحقيق دبلوماسي في كيفية خروجه من البلاد، وطالبت مرارا بتفعيل اتفاقيات التعاون القضائي مع دولة الكويت لتسليم المتهم ومحاكمته حضوريا، وأكدت أن العدالة الغيابية غير كافية ولا تضمن حقوق الضحية”.
وشددت الحقوقية نفسها على أن “الحكم الصادر (5 سنوات سجنا) غير منصف ولا يرقى لخطورة الجريمة”، وأكدت أن “هذا الحكم يعطي رسالة خاطئة للمعتدين الجنسيين، ويُفقد الضحايا الثقة في القضاء”.
وذكرت أنور أن منظمة “ما تقيش ولدي” تطالب بـ “تفعيل كل مساطر التعاون القضائي الدولي مع دولة الكويت، والعمل على تسليم المتهم لمحاكمته حضوريا، ومراجعة القوانين المغربية لتشديد العقوبات على جرائم الاعتداء الجنسي ضد القاصرين، خاصة إذا كان الجاني أجنبيا، وإصدار تعليمات واضحة للنيابة العامة في القضايا المشابهة بعدم التهاون أو التساهل في قرارات السراح المؤقت، حماية لكرامة الطفولة المغربية”.