أعلنت وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة عن قرار إدماج مربيات ومربي التعليم الأولي ضمن منظومة التغطية الاجتماعية، في خطوة تُعد تحوّلًا نوعيًا طال انتظاره. ويأتي هذا الإجراء، الذي لقي ترحيبًا واسعًا في الأوساط التربوية والنقابية، ليضع حدًا لسنوات من التهميش المؤسساتي الذي طبع وضعية هذه الفئة، ويكرّس الاعتراف بأدوارها المحورية في بناء الأساس التربوي لجيل المستقبل.
القرار الوزاري يندرج في إطار التفعيل العملي للتوجيهات الملكية المتعلقة بتعميم الحماية الاجتماعية، ويأتي ضمن جهود الدولة الرامية إلى بناء نموذج تنموي أكثر عدالة وإنصافًا. ومن المرتقب أن يشمل هذا الإجراء آلاف المربيات والمربين المنتشرين عبر مختلف ربوع المملكة، ممن ظلوا لسنوات طويلة خارج دائرة الحماية الصحية والتقاعدية. ووفق بلاغ الوزارة فإن مسار الإدماج سيتم على مراحل متقدمة، تبدأ أولًا بتقييد المعنيين في السجل الوطني الموحد، ليُربطوا بعد ذلك بنظام التأمين الإجباري الأساسي عن المرض، وكذا بنظام المعاشات، على غرار ما تم اعتماده مع فئات مهنية أخرى.
تفعيل القرار الوزاري جاء بعد سلسلة مشاورات بين وزارة التربية الوطنية ومجموعة من الفاعلين المؤسساتيين، من بينهم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي والمندوبية السامية للتخطيط، إضافة إلى التنسيقيات الوطنية للمربيات والمربين، التي عبّرت عن ارتياحها المشروط، معتبرة أن الخطوة، رغم طابعها الإيجابي، يجب أن تتجاوز الطابع الإعلاني نحو إرساء عقود عمل قارة ومنصفة، وتحسين الأجور، وتوحيد شروط العمل داخل القطاع؛ كما طالبت بضمانات حقيقية لتكريس هذا الحق على الأرض، بعيدًا عن منطق التفاوت بين الأقاليم والجمعيات المشغّلة.
كريمة سرحان، وهي مربّية سابقة في التعليم الأولي بإقليم خنيفرة وعضو في جمعية “أجيال الغد”، قالت إن قرار إدماج المربّين في نظام التغطية الاجتماعية يمثّل “بارقة أمل لفئة ظلت لسنوات تشتغل في الظل، محرومة من أبسط حقوقها الاجتماعية رغم قيامها بدور جوهري في تنشئة الأطفال”، وأشارت إلى أن هذه الخطوة تعني الكثير بالنسبة لمربيات كرسن أعمارهن لخدمة الطفولة المبكرة دون حماية قانونية، ووصفت القرار بـ”الخطوة الجريئة، وإن جاءت متأخرة”.
وأضافت سرحان، ضمن تصريحها لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن مربّيات التعليم الأولي كنّ يشتغلن في أوضاع “تفتقد إلى الكرامة المهنية”، إذ كانت عقود العمل تمر عبر جمعيات غير مؤهلة للتدبير الإداري والمالي، ما كان ينعكس سلبًا على الاستقرار الوظيفي، وشددت على أن “الاشتغال في ظل هذا الغموض القانوني ولّد لدى العديد من المربيات شعورًا بالإقصاء، بل وحتى بالاستغلال”، مشيرة إلى أن غياب التغطية الصحية والتقاعدية كان من أبرز أوجه هذا الإقصاء المزمن؛ كما اعتبرت أن القرار الوزاري الجديد يكتسي أهمية خاصة بالنظر إلى راهنيته، في وقت بات إصلاح منظومة التعليم رهينًا بتحسين أوضاع كل العاملين فيها، بدءًا من القاعدة.
وختمت المتحدثة تصريحها بالتأكيد على أن هذا القرار “يجب ألا يُختزل في تسجيل داخل أنظمة الضمان الاجتماعي، بل أن يُواكَب بإجراءات عملية تُنصف المربيات”، من خلال عقود عمل رسمية، وأجور تحفظ الكرامة، وتكوين مستمر يرقى بالمستوى التربوي؛ كما دعت الوزارة إلى وضع آلية لتتبع مدى التزام الجمعيات المُشغِّلة بالمعايير الجديدة، حتى لا يتحول القرار إلى مجرّد إعلان بدون أثر ملموس في حياة الفاعلين في هذا القطاع.
أوضح مصدر مسؤول في وزارة التربية الوطنية، ضمن تصريحه لهسبريس، أن إدماج مربّي ومربيات التعليم الأولي في نظام التغطية الاجتماعية “يعدّ ترجمة فعلية للورش الملكي المتعلق بتعميم الحماية الاجتماعية، ويهدف إلى تعزيز الإنصاف والعدالة المهنية داخل المنظومة التربوية”، وأبرز أن الإجراء يهمّ جميع المربيات والمربين الذين يشتغلون في إطار برامج التعليم الأولي العمومي، سواء عبر الجمعيات الشريكة أو الأكاديميات الجهوية، شريطة توفرهم على عقود عمل مفعّلة ومسجلة لدى الجهات المختصة.
وأضاف المصدر ذاته، ضمن تصريحه لهسبريس، أن الوزارة وضعت خطة عمل دقيقة لتفعيل هذا القرار، تشمل ثلاث مراحل أساسية: أولًا ضبط اللوائح الاسمية للمستفيدين عبر تنسيق مع الجمعيات والأكاديميات؛ ثانيًا تسجيل المربّين في السجل الوطني للسكان وفي نظام التغطية الصحية الإجبارية؛ وثالثًا تتبع عملية الانخراط في صندوق المعاشات المهنية، وأكد أن المصالح الجهوية والإقليمية للوزارة ستواكب هذه العملية لضمان شموليتها، مع إحداث لجنة مركزية للتتبع والتقييم تضم ممثلين عن الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
وأشار المسؤول الوزاري ذاته إلى أن هذا الإجراء “ليس نهاية المطاف، بل بداية مسار إصلاحي أوسع يشمل تأهيل شروط العمل داخل التعليم الأولي، والرفع التدريجي من الأجور، وتوحيد معايير التكوين والولوج”، لافتًا إلى أن الوزارة تعكف حاليًا على إعداد مرجع وطني للمهنة، سيُمكّن من تقنين وضعية المربيات والمربين وتحديد مهامهم وأدوارهم بدقة؛ كما دعا إلى تضافر جهود الفاعلين المحليين والجهويين لإنجاح هذا الورش، باعتباره جزءًا لا يتجزأ من إصلاح المنظومة التربوية برمتها.