تولّى يهود ومسيحيون مغاربة تقاسم فرحة عيد الأضحى إلى جانب المسلمين، في ظلّ الخصوصية التي يبصم عليها “الموعد الديني والاجتماعي” بعد تعليق الذبح هذه السنة، مشددين على أن “هذا اليوم، من جهة أخرى، يقدّم مخزونًا من المشاهد العائدة إلى أزمنة ولّت، سواء بالنسبة لغير المسلمين المنحدرين من أوساط مسلمة أو اليهود المغاربة الذين ترعرعوا داخل ‘رابط إنساني فريد’ يشكل العيد الكبير أحد تمظهراته البارزة”.
وضحى الملك محمد السادس، بوصفه أميرا للمؤمنين، نيابةً عن شعبه، وفقًا لإهابته السابقة بعدم النحر هذا العام بسبب الظروف المناخية الصعبة. وهي المبادرة التي بدا لهسبريس أنها لقيت “تأييدًا واسعًا من الطوائف اليهودية والمسيحية المغربية”؛ وقد سجلت الأخيرة أن “العيد هذه المرة يعكس بُعدًا إنسانيًا وأخلاقيًا إيكولوجيّا واستراتيجيّا”، وزادت: “تعبّر المناسبة عن مغربٍ يحتضن أبناءه على اختلاف الضمير ووسط احتفاء بالتعدد والوحدة في آنٍ واحد”.
قالت سوزان هروش، فنانة مغربية يهودية، إن “عيد الأضحى مناسبة لاستحضار أبعاد رمزية خاصة، تلامس عمق الذاكرة والوجدان المغربي المشترك، حيث تتقاطع المعتقدات وتلتقي القلوب في أجواء من الأخوة والتلاحم”، مضيفة أن “ذاكرتها تفيض بالعديد من المشاهد المرتبطة بهذا العيد في تافيلالت، وبذلك التقارب العاطفي بين المسلمين واليهود خلال هذا اليوم. حقائق تعترف بحدود ما، لكنها تتجاوزها بطريقة مبدئية رائعة ولافتة”.
وأعربت هروش، في تصريح لهسبريس، عن “خالص تهانيها للملك محمد السادس، أمير المؤمنين، وللشعب المغربي كافة، بمناسبة هذه المناسبة المباركة”، مؤكدة أن “العيد الكبير يوم يخص المسلمين، غير أنه كان وعدًا رمزيًا، أو موعدًا منتظرًا نحتفل به جميعًا كمغاربة، يهودًا ومسلمين وغيرهم، في ظل روح من التقدير والاحترام المتبادل التي ميّزت مجتمعنا على مرّ الأجيال”، وتابعت: “أتذكر جلسات الشاي في مساءات العيد مع جيراننا المسلمين”.
واستحضرت سوزان هروش ذكريات طفولتها في مدينة أرفود، قائلة: “تلك اللحظات البسيطة علمتنا أن الدين لا يفصل بين القلوب، بل يُغنيها، وأن التعايش ليس شعارًا نردده، بل حياة كنا نعيشها كل يوم في بلدنا”، وأضافت: “في بيتنا كنا نربّي أبناءنا على حبّ الوطن، وعلى احترام أمير المؤمنين، الضامن لوحدة هذا الوطن ورمز الاستمرارية والتسامح”، وفق تعبيرها، وزادت: “نحن جزء لا يتجزأ من هذا الوطن العزيز، ومغربيتنا ليست فقط انتماءً جغرافيًا، بل إيمانًا عميقًا بقيمه، وبتاريخه الذي يحصّن تنوّع روافده ومكوناته الدينية والثقافية”.
قال آدم الرباطي، رئيس اتحاد المسيحيين المغاربة، إن “أغلبية المسيحيين المغاربة جاؤوا من خلفية إسلامية”، موضحا أن “عائلاتنا مسلمة، وعشنا هذه الأجواء حتى باتت جزءًا راسخًا في عمقنا الثقافي كمغاربة. ومع أننا كمسيحيين لا نلبي نداء النحر، إلا أننا نساند الطمأنينة التي يمنحها هذا العيد، وجوّ الاستقرار والتآخي بين مكونات المجتمع المتعددة؛ مسلمين ويهودا ومسيحيين وبهائيين وغيرهم”. وتابع: “العيش المشترك يخدم الشعب المغربي في كل مناسبة”.
وذكر الرباطي، ضمن تصريح لهسبريس، أن “عيد الأضحى هذا العام يأتي بطابع استثنائي، بعد النداء الملكي الذي دعا إلى إلغاء شعيرة النحر في ظل الظروف المناخية الصعبة التي تمرّ بها بلادنا”، وقال: “أعربنا عن أهمية الخطوة وتفهّمنا الكبير لهذا القرار الحكيم. نثمّن عاليًا البعد الإنساني والبيئي الذي يحمله، ونراه تعبيرًا عن سياسة استشرافية للمصلحة العامة، تضع سلامة الإنسان والحيوان في صميم أولوياتها”، وفق قوله.
وأشار رئيس اتحاد المسيحيين المغاربة إلى “حجم المحبة والتقدير اللذين عبّر عنهما عدد كبير من المواطنين المسيحيين من داخل المغرب وخارجه، في مشهد يعكس بشكل عميق وقوي روح العيش المشترك والتآزر”. وزاد: “نفخر بهذا النموذج الفريد من التعدد الذي لا يُلغي الانتماء، ومن الاختلاف الذي لا يُذوّب مفهوم المواطنة”، وأكد “الالتزام المستمر بالمساهمة في بناء مغرب يتّسع للجميع، تحكمه قيم التآخي، والاحترام المتبادل، والتضامن”.