آخر الأخبار

بين بروكسل ونيويورك .. رسائل أممية مشفرة تختبر خيارات تسوية نزاع الصحراء

شارك

يعكف المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، ستيفان دي ميستورا، على عقد لقاءات سياسية بالعاصمة البلجيكية بروكسل، في خطوة جديدة تبحث إعادة بعث العملية السياسية المتوقفة منذ سنوات، وسط تباينات بارزة في مواقف الأطراف المعنية حول مكان وجدوى هذه اللقاءات خارج الإطار الأممي التقليدي بنيويورك.

ورغم الطابع غير الرسمي لتحركات المبعوث الأممي، إلا أن اختيار بروكسل محطة دبلوماسية للاجتماع بالجانبين الموريتاني وجبهة البوليساريو الانفصالية يطرح أسئلة متعددة بشأن دلالاته الرمزية والعملية، خصوصا في سياق النقاشات الجارية داخل مجلس الأمن بشأن مستقبل مسار التسوية، وتزامنه مع فعاليات الاجتماع الوزاري الإفريقي–الأوروبي، الذي تستثمره أطراف إقليمية معينة للترويج لمقارباتها المعرقلة لحل النزاع.

رسائل المكان

ويعد اختيار دي ميستورا العاصمة البلجيكية، “مقر مؤسسات الاتحاد الأوروبي”، محاولة منه لإضفاء زخم جديد على الملف عبر توسيع دائرة التشاور، وإعادة تشكيل توازنات النزاع بما يتماشى مع التحولات الجيو-سياسية التي فرضها الإقرار الأمريكي بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية، والدعم المتزايد للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي باتت تحظى بتزكية علنية من واشنطن بصفتها “حاملة القلم” داخل مجلس الأمن.

ومع تداول معطيات غير مؤكدة حول إمكانية لقاء دي ميستورا بمسؤولين جزائريين على هامش الاجتماع الوزاري ذاته، يبرز احتمال تحفظ الرباط عن الدخول في مشاورات خارج القنوات الرسمية المعتمدة، خاصة وأن المغرب لطالما شدد على ضرورة احترام المعايير السياسية للمفاوضات، وتفادي الانزياح نحو منابر قد تستغلها أطراف أخرى لإعادة إنتاج مواقفها المتجاوزة.

تباين المواقف

كما لا تستبعد مصادر أممية أن ترفض الجزائر بدورها عقد لقاء مع المبعوث الأممي ببروكسل، مشترطة ترتيب لقاء مسبق مع المغرب كمدخل لإعادة النقاش حول “مسؤوليتها المباشرة” في النزاع المفتعل، وهي فرضية توحي بمحاولة الجزائر الحفاظ على موقعها كطرف “ملاحظ” دون انخراط رسمي في المفاوضات المباشرة، رغم ما تؤكده قرارات مجلس الأمن من ضرورة مشاركتها بفعالية في البحث عن حل دائم ومتوافق عليه.

وبين هذه الحسابات المتقاطعة، يُحتمل أن تقتصر لقاءات دي ميستورا الحالية على جس نبض الأطراف بشأن إمكانية بلورة توافق حول المبادرة المغربية، خصوصا بعد تجديد الولايات المتحدة دعمها لها، وسعيها إلى تثبيتها ضمن هندسة القرار الأممي المرتقب شهر أكتوبر القادم.

في المقابل، تبقى كل المؤشرات مفتوحة على احتمال قيام المبعوث الأممي بزيارة مرتقبة للرباط في قادم الأيام، وذلك في إطار سعيه لجمع تصورات ومواقف الأطراف الرئيسية، وتهيئة الشروط السياسية التي تسمح باستئناف المسار التفاوضي بما ينسجم مع خلاصات القرار الأممي الأخير، ومحددات الطرح المغربي القائم على الواقعية والتوافق كسبيل وحيد لتسوية النزاع الإقليمي.

رسائل مشفّرة

تعقيبا على المآلات الممكنة، قال الدكتور آبا الشيخ أبا علي، عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، إن اختيار المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا العاصمة البلجيكية بروكسيل محطة للقاءاته السياسية في هذا التوقيت بالذات، لا يمكن قراءته في سياق بروتوكولي فحسب، بل يحمل في طياته رسائل استراتيجية تعكس توجها جديدا في تعاطي الأمم المتحدة مع ملف الصحراء المغربية.

وأوضح أبا علي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن دي ميستورا، المعروف بكونه مفاوضا محنّكا وسياسيا متمرّسا، لا يتحرك خارج أجندة دقيقة، مذكرا بما ورد في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن في أبريل الماضي، التي أشار فيها إلى أهمية الأشهر المتبقية من السنة الجارية كمرحلة مفصلية، قد تعيد وضع الملف على سكة الحل السياسي المتوافق عليه.

وأضاف الباحث في العلوم السياسية والقانون الدستوري أن اختيار دي ميستورا بروكسيل، وهي عاصمة القرار الأوروبي، ليس اختيارا اعتباطيا، بل يندرج ضمن مسعى لتعزيز الزخم الدولي الداعم للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، خاصة في ظل التموقع الواضح لعدد من العواصم الأوروبية المؤثرة، وفي مقدمتها باريس وبرلين ومدريد، التي باتت تنظر إلى المقترح المغربي كحل عملي وواقعي وحيد لإنهاء هذا النزاع الإقليمي.

ويرى المتتبع لخبايا الملف أن المبعوث الأممي يستثمر الانخراط الأمريكي المتقدم في دعم المقترح المغربي، ويعمل على توسيع قاعدة التأييد له من داخل الاتحاد الأوروبي، وهو ما من شأنه، حسب المتحدث، أن “يضيّق هامش المناورة أمام الأطراف الأخرى، التي لم تعد تملك الوزن نفسه داخل المعادلة الدولية، خصوصا في ظل تآكل خطابها التقليدي وتراجع الاعترافات السابقة”.

وأكمل آبا الشيخ أبا علي حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن اللقاءات التي يعقدها دي ميستورا حاليا تندرج ضمن تحضيراته لتقريره السنوي المرتقب في أكتوبر المقبل، لكنها ليست مجرد استماع إلى مواقف معروفة سلفا، بل خطوة في اتجاه ترسيخ القناعة الدولية بأن مبادرة الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية باتت الحل الأمثل والمدعوم من قبل أبرز الفاعلين داخل مجلس الأمن الدولي، ولم تعد مجرد خيار مطروح.

تأطير تفاوضي

برأي مخالف، يرى سعيد بوشاكوك، باحث مهتم بقضايا التنمية والمجال، أن اختيار العاصمة البلجيكية بروكسيل محطة للقاءات المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا لا ينسجم مع الطبيعة القانونية والسياسية لملف الصحراء المغربية، معتبرا أن “أي نقاش حول هذا النزاع خارج الإطار الحصري لمجلس الأمن يعد خرقا واضحا للشرعية الدولية وتجاوزا لصلاحيات الأمم المتحدة في تدبير الملف”.

وفي تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، شدد بوشاكوك على أن “الاجتماع الوزاري الإفريقي الأوروبي، الذي يشكل فضاء للتعاون في مجالات الأمن والهجرة والتنمية، لا يُفترض أن يتحول إلى منبر لمناقشة قضية حساسة ذات طابع سيادي”، مشيرا إلى أن “مثل هذه المحاولات تُفرغ المسار الأممي من مضمونه، وتفسح المجال لمناورات سياسية تفتقد للشرعية”.

وأضاف المهتم بنزاع الصحراء المغربية أن “دي ميستورا لم يستفد من دروس محطاته السابقة، خاصة حين اختار مناقشة الملف مع جنوب إفريقيا خارج قنوات التفاوض الرسمية”، محذرا من أن “تكرار هذا النهج قد يؤثر على مصداقية الوساطة الأممية ويقوّض منسوب الثقة بين الأطراف المعنية”.

وبخصوص التحفظ المغربي تجاه لقاءات بروكسيل، أوضح بوشاكوك أن “هذا الموقف يعكس التزام الرباط الثابت باحترام المرجعيات الأممية المؤطرة للنزاع، وحرصها على توفير الشروط الموضوعية والملائمة لاستئناف العملية السياسية، على أساس التفاوض حول المبادرة المغربية للحكم الذاتي”، مبرزا أن “هذا الخيار يحظى بدعم متنام من قوى دولية مؤثرة، في مقدمتها الولايات المتحدة وعدد من العواصم الأوروبية الكبرى، التي تعتبره الحل الواقعي والعملي الوحيد لتسوية النزاع الإقليمي المفتعل”.

واسترسل سعيد بوشاكوك في القول إن “اللحظة الإقليمية والدولية الراهنة تقتضي الانخراط المسؤول في مسار تفاوضي جاد ومحدد”، محذرا مرة أخرى من أن “أي محاولة للالتفاف على الشرعية الدولية ستفضي في النهاية إلى مزيد من التعطيل، وتُفوت الفرصة الأخيرة ربما لحل هذا النزاع الإقليمي المفتعل بشكل نهائي ومستدام”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك


حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا