قال محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ علم السياسة والسياسات العمومية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن “الصحراء المغربية كانت وستظل بقوة الوثيقة الأثرية والمرجع العلمي”، مضيفًا أن “المخيمات تعيش على وقع الفوضى المتصاعدة والرعب اليومي”، وأن “الانهيار الكامل قد يكون وشيكًا”، في إشارة إلى الواقع المتردي لجبهة البوليساريو.
وأشار بنطلحة الدكالي في مقاله “الدمى.. والأراجوز” إلى أن “جوقة كراكيز يحركها نظام جبان تردد دون توقف ادعاءات باطلة موغلة في الغرائبية والحقد والحسد تجاه المغرب الأبي ورموزه الشامخة”، مبرزا أن “الأراجوز يتبع سلوك المقامر المنهزم الذي تتملكه رغبة لاشعورية في أن يخسر بدل أن يكسب”، وأن “لعبة الأراجوز هي من حكايا التاريخ”.
سألني أحد الصحافيين حول قرار الحزب الكردستاني إلقاء السلاح هل ينسف أطروحة” البوليساريو” الانفصالية؟
إن الصحراء المغربية كانت وستظل بقوة الوثيقة الأثرية والمرجع العلمي، وأن قرار حزب العمال الكردستاني(PKK) حل تنظيمه ووقف العمل المسلح ووضع السلاح يبعث إشارات قوية إلى كافة الجماعات الانفصالية المسلحة في العالم، لأنه يأتي في سياق إنهاء المليشيات والتنظيمات الانفصالية المسلحة، وأن الخيار المقبول والمعقول هو الانخراط في مؤسسات الدولة، وهو الحال بالنسبة لإقليم كاتالونيا أو إقليم كردستان العراق، وهو المصير نفسه الذي ينتظر مليشيات البوليساريو، بما أنها تجارب تتقاطع في الارتكاز على أمور واهية، رغم أن عبد الله أوجلان، قائد الحزب الكردستاني، يتسم بالكاريزما واستقلالية الموقف، بينما ابن بطوش يحركه الأراجوز.
ضحك الصحافي وهو يحاورني قائلا: من منا لايتذكر الأراجوز أو ما يطلق عليه فن الدمى حين كان يقدم لنا عبارة عن عروض مسرحية في المدارس تشاكس خيالنا البريء.
أتفق معك، لكن مر زمن طويل قبل أن نعلم أن شخصيات فن الدمى يتم التلاعب بها من أعلى بواسطة خيوط متصلة بعنصر تحكم، ويطلق على الشخص الذي يقوم بتحريك الدمى في العروض اسم “محرك الدمى”، ويقوم بذلك من خلف ستائر أو غطاء أسفل أو على المسرح.
والدمى أنواع، منها المصنوعة من قماش، ومنها المخلوقة من لحم ودم. ورغم الفارق بينهما، فإنهما يقومان بالدور نفسه، ويخضعان لمحرك من خلف ستار.
لقد غمرت المشهد في هذه الأيام جوقة كراكيز يحركها نظام جبان، تردد دون توقف ادعاءات باطلة موغلة في الغرائبية والحقد والحسد تجاه المغرب الأبي ورموزه الشامخة، وتهدف إلى التضليل ونشر المزاعم الكاذبة، تنم عن حملة قذرة لاتراعي عرفا ولاجوارا ولا دما .
لقد تغيرت قواعد مسرح العرائس في زماننا (يقول الصحافي)، فإذا كان يطلق على التمثيل في المسرح كلمةPlaying ، أي اللعب، فإنه يراد به أن يلعب الممثلون للجمهور، لا أن يلعبوا عليه، أي أن لا يسعى الممثلون إلى خداع المخرجين بأداء تنكري واستعراض مهارات زائفة.
أؤكد كلامك، وأقول لك إن هناك اتجاها عريقا ومختلفا لمسرح الدمى، هو الاتجاه الياباني المسمى “بونراكو”، وهي أعمال جادة وليست كوميدية، حيث اشتهر المخرج تشيكاماتشو كأعظم مؤلفيها التراجيديين، وفي هذا النوع المسرحي، الذي يحترم مشاهديه، يرى الجمهور دمى ضخمة يحركها بوضوح أمام أنظاره لاعبون ظاهرون للعيان.
وماذا عن صاحبنا الأراجوز؟
لقد سقط القناع عن القناع، وما كان يجري خلسة بات الآن يحدث في العلن دون خجل، وتبين أن المسرحية التي تحكي “قصة الحب” لها نصيب من المأساة، وسط ديكور مأساوي تعرض فيه جماجم الذاكرة المثقوبة ودماء الشهداء.. ليست إلا ملهاة رديئة لمخرج فاشل… ويا لبؤس الأراجوز حين انكشف تحت أضواء الحقيقة المبهرة.
وهل عاد الأراجوز إلى صوابه؟
الأراجوز يتبع سلوك المقامر المنهزم الذي تتملكه رغبة لاشعورية في أن يخسر بدل أن يكسب، ويسيطر عليه دافع أن يخسر ويستمر في الخسارة كنوع من العقاب ينزله بنفسه.
وماذنب الدمى إذا كان هذا سلوك الأراجوز؟
في كتابه “نحن والحمير في المنعطف الخطير” يروي الأديب اليمني محمد مصطفى العمراني مأساة واقعية من قلب قريته، حيث كان أهلها يقطعون طريقا محفوفا بالمخاطر للوصول إلى عين الماء، طريق يمر بجانب واد سحيق التهم أرواح أطفال سقطوا فيه مع حميرهم، وهم في رحلة الشقاء اليومية لجلب الماء.
مرت سنوات طويلة، كبر الصغار ورحل الضحايا، لكن الخطر ظل على حاله، اجتمع وجهاء القرية ذات يوم في دار أحدهم يتناقشون بجدية عن ذلك “المنعطف القاتل” وكيف يمكن حل هذه الكارثة المتكررة.
سألهم الكاتب، وقد كان أحد أولئك الصغار الذين ذاقوا ألم السقوط في الوادي: “لماذا لا تسلكون طريقا آخر أكثر أمانا؟”. فجاء الجواب صادما: “نحن نمشي وراء الحمير، وهي التي تسلك بنا ذلك الطريق”!.
وهل من مسلك آخر حتى لا يسقط الجميع؟
المسلك هو استيعاب الدروس التي يلقي بها التاريخ عبر تجاربه. إن المخيمات تعيش على وقع الفوضى المتصاعدة والرعب اليومي، وما يجري مؤشرات أولية على بداية الإفلاس التام، والانهيار الكامل قد يكون وشيكا، أما لعبة الأراجوز فهي من حكايا التاريخ…