وجه النائب البريطاني آشلي فوكس، المحسوب على الدوائر الداعمة للطرح الانفصالي، سؤالين كتابيين إلى وزير الدولة للأعمال والتجارة، في تحرك جديد يعكس محاولة اللوبي الجزائري داخل مجلس العموم البريطاني التشويش على موقف المملكة المتحدة الذي بات يميل تدريجيا لصالح المغرب في قضية الصحراء المغربية.
وفي هذا الصدد، تساءل النائب البريطاني آشلي فوكس إن كان وزير الدولة للأعمال والتجارة قد أجرى تقييما لـ”تأثير اعتراف المملكة المتحدة بالصحراء الغربية على الشركات البريطانية”، وإن كانت وزارته قد “عقدت فعلا مناقشات مع وزارة الخارجية والكومنويلث بشأن الانعكاسات المحتملة لهذا الاعتراف على الأنشطة الاقتصادية للمملكة المتحدة”.
ويأتي هذا التحرك السياسي في سياق حملة ممنهجة تهدف إلى إرباك التوجه المتنامي لدى عدد من العواصم الغربية، وعلى رأسها لندن، نحو تبني مقاربة أكثر واقعية، ترتكز على المبادرة المغربية للحكم الذاتي كخيار جدي وذي مصداقية، تماشيا مع جهود الأمم المتحدة الرامية إلى تسوية سياسية عادلة ودائمة ومقبولة من الطرفين.
ورغم أن بريطانيا لم تعلن بعد اعترافا رسميا بمغربية الصحراء، إلا أن موقفها يتسم بتطور ملحوظ، يتجلى في دعمها لجهود الوساطة الأممية ومواقفها المتقدمة بشأن حرية الشركات البريطانية في الاستثمار في الإقليم، شرط أن تعود هذه الأنشطة بالنفع على السكان المحليين.
ويرى مراقبون أن هذه المناورات البرلمانية المتكررة التي يدفع بها اللوبي الجزائري تعكس ارتباكا واضحا في مواجهة المكاسب المتسارعة التي حققتها الدبلوماسية المغربية، خاصة بعد اعتراف الولايات المتحدة بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية وتعزيز علاقاته الاستراتيجية مع شركاء وازنين في أوروبا وآسيا وأفريقيا.
ومن المرتقب أن يتلقى النائب آشلي فوكس إجابة مكتوبة عن سؤاليه يوم الاثنين 5 ماي الجاري، وفق ما هو منصوص عليه في الوثيقة التي اطلعت عليها جريدة هسبريس الإلكترونية الصادرة من مجلس العموم البريطاني.
عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، يرى أن الإدارة البريطانية تتابع عن كثب التطورات التي يشهدها ملف الصحراء المغربية، وتُجري تقييما دقيقا للمواقف الدولية المتقدمة في هذا الشأن، خاصة تلك الصادرة عن دول ذات ثقل دبلوماسي واستراتيجي، على رأسها الولايات المتحدة وفرنسا، اللتان أقرتا بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
وقال البلعمشي، في تصريح لهسبريس، إن تنامي العلاقات الثنائية بين الرباط ولندن في عدد من القطاعات الحيوية، سواء في المجال الاقتصادي أو التجاري أو الأمني، يدفع باتجاه مقاربة أكثر وضوحا في تعاطي بريطانيا مع هذا النزاع الإقليمي، لافتا الانتباه إلى أن “النخب السياسية البريطانية بدأت تعبر عن ضرورة الوضوح في الموقف الرسمي بشأن نزاع الصحراء المغربية”.
وأوضح الخبير في الشؤون الدبلوماسية أن تعمق الفهم الدولي لمحددات النزاع في الصحراء المغربية، خاصة لدى الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن، يمنح المملكة المتحدة هوامش جديدة لتطوير مقاربتها تجاه هذه القضية، ويفتح أمامها آفاقا أرحب للاستثمار في المنطقة، خصوصا في ظل ما تشكله الأقاليم الجنوبية من صلة وصل بين أوروبا وأفريقيا في المجالين الأطلسي والإفريقي.
وشدد أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض في مراكش على أن التحول المرتقب في موقف لندن ليس سوى مسألة وقت، على اعتبار أن مؤشرات الإرادة السياسية بين البلدين باتت واضحة، سواء من خلال الاتفاقيات الثنائية الموقعة أو عبر التصريحات المتبادلة التي تؤكد تقارب الرؤى فيما يتعلق بتطوير الشراكة الاستراتيجية متعددة الأبعاد.
وأكمل البلعمشي تصريحه بأن السياق الجيو-سياسي الراهن يفرض على بريطانيا صياغة موقف حاسم وواضح من النزاع المفتعل بما يتماشى مع متطلبات المرحلة، ويعكس التفاهمات المتقدمة التي يتم بناؤها مع المغرب، انطلاقا من مبدأ المصلحة المشتركة وحسابات الاستقرار والتنمية الإقليمية.
قال سعيد بوشاكوك، باحث أكاديمي مهتم بقضايا التنمية والمجال، إن الدعم الدولي المتزايد والمتتالي للمبادرة المغربية لمنح الأقاليم الجنوبية حكما ذاتيا أدى إلى ردود فعل ارتجالية وعشوائية من طرف اللوبي الجزائري، الذي ما يزال يعارض الحقوق الشرعية للمغرب في بسط سيادته الكاملة على صحرائه، مضيفا أن “آخر هذه التحركات ما تشهده الساحة السياسية البريطانية في الآونة الأخيرة”.
وأكد بوشاكوك، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن اللوبي الجزائري استشعر بوضوح التحول الإيجابي في الموقف البريطاني من القضية الوطنية، خاصة في ظل المؤشرات المرتبطة بتعزيز العلاقات الاقتصادية والثقافية والأمنية بين المملكتين، ومنها مشروع الربط الكهربائي الذي سينطلق من إقليم أسا الزاك بجهة كلميم وادنون في اتجاه العاصمة البريطانية لندن لسد جزء من حاجياتها الطاقية.
ولفت المهتم بخبايا الملف الانتباه إلى أن التقارب المتنامي بين الرباط ولندن أزعج النظام الجزائري، فدفعه إلى إطلاق مواقف شاذة ومعزولة تفتقر لأي سند دبلوماسي أو تأثير فعلي، موردا أن “هذه التحركات لن تؤثر في المسار الطبيعي لتطور الموقف البريطاني، الذي يُنتظر أن يتقاطع مع مواقف دول وازنة كالولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، في الاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية”.
وختم سعيد بوشاكوك حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن تحركات الجزائر تعكس تورط النظام العسكري بشكل مباشر في إطالة أمد النزاع، في ظل شعوره المتزايد بالعزلة على المستوى الدولي، مبرزا أن محاولات التشويش على مسار العلاقات المغربية البريطانية، وآخرها توجيه سؤالين إلى وزير الأعمال والتجارة البريطاني، لا تعدو أن تكون محطات فاشلة ستجني منها الجزائر مزيدا من الخيبات، على اعتبار أن المغرب يشتغل بمنهجية “البستاني” وفقا لعلوم التربية، بينما لا تزال الجزائر تحافظ على منطق “النجار” القائم على القطيعة والمواجهة.
سجل حمدات لحسن، أستاذ العلاقات الدولية، أن الموقف البريطاني من قضية الصحراء المغربية ظلّ عبر مختلف المحطات منسجما مع الطرح المغربي، بالنظر إلى اعتبارات سياسية واستراتيجية واقتصادية وثقافية متعددة.
وأوضح حمدات، ضمن إفادته لهسبريس، أن المغرب منذ تقديمه مبادرة الحكم الذاتي في 11 أبريل 2007 وهو يراكم الدعم الدولي والتجاوب الإيجابي، خصوصا من جانب الدول الغربية، باعتباره حليفا استراتيجيا في شمال إفريقيا، وبوابة رئيسية نحو القارة السمراء، مستفيدا من استقراره السياسي والأمني ومكانته كشريك موثوق داخل المنظومة الأوروبية.
وبخصوص خلفيات التحركات الأخيرة للجزائر، أكد المحلل السياسي ذاته أنها تأتي كردّ فعل مدفوع، تغذّيه مصالح اقتصادية مرتبطة بعقود الغاز مع بعض الأطراف، في محاولة للتشويش على المكتسبات المغربية، خاصة بعد الإحاطة الأخيرة للمبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا أمام مجلس الأمن، التي نوّه من خلالها بالزخم الدبلوماسي للمقترح المغربي، واعتبره حلا جديا وذا مصداقية ومتوازنا، مع ترك تفاصيله للتفاوض بين المغرب والجزائر.
وأورد المتخصص في قضية الصحراء المغربية أن الجزائر تجد نفسها اليوم في موقع ارتباك أمام توالي النجاحات الدبلوماسية المغربية والتنمية المتسارعة التي تعرفها الأقاليم الجنوبية المسترجعة، وهو ما أسقط فعلا أطروحة الانفصال، خاصة في ظل الانخراط الفعلي لأبناء هذه الأقاليم في مسيرة البناء والتنمية.
وأضاف المتحدث ذاته أن محاولات بعض البرلمانيين البريطانيين لإحراج حكومتهم من خلال طرح سؤالين معزولين حول ملف الصحراء لن تغيّر من الموقف البريطاني الراسخ، لا سيما أن المملكة المتحدة، العضو الدائم في مجلس الأمن، لم تعترض في أي مناسبة على القرارات الأممية التي تشيد بالمقترح المغربي، مشددا على أن “دخول شركات بريطانية للاستثمار في الأقاليم الجنوبية، في مجالات الفلاحة والتنقيب والطاقات النظيفة والتعدين، يُعدّ في حد ذاته مؤشرا قويا على الاعتراف الضمني بالسيادة المغربية”.