قالت رحمة بورقية، رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي، إن “مخرجات نظامنا التعليمي تلازمها مفارقات تكمُن في ظاهرتين متناقضتين، الأولى تتجلى في كون هذا النظام ينتج فئة من أجوَد الخريجين، ويحقق لها مستوى مشرفا من التعليم والتكوين، قد يضاهي ما تعرفه أحسن الأنظمة التعليمية على الصعيد الدولي، ويؤهِّل فئة من حاملي شهادة الباكالوريا لولوج أحسن الجامعات والمدارس العليا في العالم”.
وأشارت بورقية، في كلمة ألقتها خلال افتتاح دورة الجمعية العامة، الأربعاء، إلى أن “الظاهرة الثانية، التي تُبيِّنها نتائج الدراسات والتقييمات الجادة، والأبحاث المتعددة، المغربية منها والأجنبية، تتجلى في معضلةُ التكرار التي تعاني منها ومن آثارها شريحة من التلاميذ، يواجه عددٌ منهم معضلة الانقطاع الدراسي، الذي يقذف بجزء لا يستهان به خارج المدرسة، دون استكمال التعليم الأساسي، ودون الاستفادة من البرامج التعليمية بالثانوي الإعدادي والتأهيلي”.
وأضافت رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي أن “التحدي الذي يواجه الإصلاح يكمُن في تقليص حجم هذه الفئة المتضررة من الانقطاع، في أفق القضاء التام على هذه المعضلة، التي تظل مصدر تغذية لظاهرة الأمية والهشاشة والفقر المادي والفكري، وتُعطّل كل آلية للارتقاء الاجتماعي في المغرب”
كما قالت المتحدثة ذاتها إن “هذا الواقع يتطلب منا الاهتداء إلى مكامن الضعف وتجلياته في الهدر المدرسي في المنظومة التعليمية، واستهدافها بالتصحيح العميق والمستدام”، وزادت: “نحن نعرف أن الوزارة الوصية منكبة على هذه الفئة بتجربة ‘برنامج المدارس الرائدة’ للحد من التكرار والانقطاع، ونحن مدعوون إلى النظر إلى المرحلة التي نحن مقبلون عليها كمرحلة حاسمة لتحقيق التغيير، لتعميق وتسريع الإصلاحات الأساسية، وابتكار الآليات الجديرة بتحقيقها على أرض الواقع”.
وأوضحت بورقية أن “قطاع التربية والتكوين والبحث العلمي في كل بلدان العالم يعيش دائما على وقع التغيير المستمر، وهو دائم التجدد، لأن التطور هو سيرورة ضرورية في ظل التحول الذي يحدث على مستوى علوم التربية ونظريات التعلم، والمعارف العلمية، بالإضافة إلى التحديات التي تفرزها كل مرحلة من مراحل تحول المجتمع والعالم؛ ما يتطلب من المؤسسات المعنية، ومن كل فاعل في مجال التربية والتعليم، أن يساير هذا التحول بيقظة مستمرة، في سياق نموذج تربوي مبتكر”.
وورد ضمن الكلمة ذاتها أن “هناك مشاريع تجريبية في طور الإنجاز، لا يمكن أن يتم الحسم في نتائجها إلا عند تعميم تطبيقها على أرض الواقع”، وتابعت: “تستلزم هذه المرحلة من كل المؤسسات المتدخلة في التربية والتكوين والبحث العلمي، رغم اختلاف مهامها، أن تحقق هدف التقائية جهودها للارتقاء بالتربية والتكوين والبحث العلمي، وإنجاح التحول المنشود، الكفيل بإحداث الأثر الملموس على مكامن الضعف في المنظومة التعليمية”.
وفي سياق آخر قالت بورقية إن “التقدم العلمي والتكنولوجي في مجالي علوم الأعصاب (les neurosciences) والذكاء الاصطناعي، وما يطرحانه من قضايا جديدة، سيكون له أثر على مقاربات ومضامين تربية النشء في العالم المعاصر، وهذا التقدم المتسارع يدفع اليوم إلى طرح سؤال ‘كيف يمكن تهيئة الجيل الجديد للتعايش مع الثورة الرقمية والذكاء الاصطناعي، بتكوين وبتربية رقمية؟”.
وأشارت رئيسة المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي إلى أن “التطور التكنولوجي، ووسائل التواصل الاجتماعي، والذكاء الاصطناعي، ليست مجرد وسائل للتواصل والبحث، بل هي أيضا وسائط تحدث تحولا في مَلكة وطريقة تفكير الفرد، وفي قدراته المعرفية (Les capacités cognitives)، ولها تأثير واضح على سلوكه أيضا”.
وأردفت رحمة بورقية بأن “هذه الثورة التكنولوجية جاءت مباغتة لمنظومتنا وهي في خضم سيرورة إصلاحها، والواقع أن اليافعين والشباب ولَجوا عالما افتراضيا لا يخضع لأي ضوابط، ولا يحكمه أي تقنين، ولا أي معايير أخلاقية للاستعمال والتوظيف”، مضيفة أن “هذا ما يدفعنا إلى مُساءلة الطريقة التي ستسلكها المدرسة في تربية النشء، بغية تسهيل مسايرته لهذا التحول بدون مخاطر أو خسائر”.