في الحادي عشر من شهر أبريل من العام 2007، تقدمت المملكة المغربية، من خلال مندوبها لدى هيئة الأمم المتحدة، إلى بان كي مون، الأمين العام السابق لهذه الهيئة، بنص مبادرة الرباط بشأن التفاوض على تخويل الأقاليم الجنوبية للمملكة حكما ذاتيا؛ وهي المبادرة التي لم تكن مجرد اقتراح سياسي، بل رؤية استراتيجية لحل النزاع المفتعل حول الصحراء، تأخذ بعين الاعتبار التحولات الإقليمية وضرورة تحقيق استقرار شمال إفريقيا والحفاظ على وحدة دولها.
ويلقى مقترح الحكم الذاتي، الذي يمزج بين الحكمة الوطنية والواقعية الدولية، زخما دوليا متزايدا بعد تعبير عدد من الدول عن تأييدها الصريح لهذا الحل باعتباره أعلى سقف للتفاوض حول مشكل الصحراء في إطار السيادة المغربية؛ على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، العضوان الدائمان في مجلس الأمن، صاحب الاختصاص الحصري في هذا النزاع.
ويعكس هذا الزخم تحولا جوهريا في طبيعة المقاربات الدولية لتسوية واحد من أطول النزاعات الإقليمية في القارة السمراء، من خلال الجنوح نحو الحلول المستدامة كبديل عن مقاربات الانفصال والتقسيم.
وجاء في نص المبادرة: “تكفل المملكة المغربية من خلال هذه المبادرة لكافة الصحراويين، سواء الموجودين بالداخل أو الخارج، مكانتهم اللائقة ودورهم الكامل في مختلف هيئات الجهة ومؤسساتها، بعيدا عن أي تمييز أو إقصاء”، مؤكدة أن “سكان الصحراء سيتولون وبشكل ديمقراطي تدبير شؤونهم بأنفسهم، من خلال هيئات تشريعية وتنفيذية وقضائية تتمتع باختصاصات حصرية. كما ستُوفَر لهم الموارد المالية الضرورية لتنمية الجهة في كافة المجالات”.
قال مصطفى سلمى ولد سيدي مولود، مسؤول أمني سابق في جبهة البوليساريو، إن “القبول الدولي المتزايد لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدمت به الرباط، مرتبط بعوامل سياسية متعددة؛ لعل أبرزها مصداقية المغرب والثقة التي يحظى بها على الساحة الدولية الناتجة عن انفتاحه واستقراره السياسي والأمني، بالإضافة إلى اشتغاله على الأرض في الأقاليم الصحراوية من خلال مجهود تنموي كبير وملحوظ”.
وأضاف ولد سيدي مولود، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “جل الفاعلين الدوليين المؤيدين لهذا المقترح تأكدوا من ارتباط موضوع الصحراء بالأمن القومي المغربي عكس بقية الأطراف.. وطبعا، ما يبدو نقطة قوة لصالح المغرب هو في الآن ذاته نقاط ضعف لدى خصومه”.
وتفاعلا مع سؤال حول إمكانية إعادة تشكيل ديناميكيات المفاوضات الأممية بناء على ذلك، سجل المتحدث ذاته أن “هذه المفاوضات من غير المتوقع أن تشهد دينامية ما لم تغير “البوليساريو” والجزائر من مواقفها المعلنة حتى الساعة؛ فكلاهما لا يخدمه حل غير الاستقلال، حتى ولو كان على جزء فقط من الصحراء.. اللهم إذا حصل تطور ما على مستوى مجلس الأمن، وأدرج مقترح الحكم الذاتي كخيار وحيد للحل، وهو تصور تعوقه تعقيدات الساحة الدولية والتنافر بين أقطاب مجلس الأمن”.
من جهته، أوضح إدريس قسيم، باحث في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية المغربية، أن “الأمم المتحدة في هذه القضية – كغيرها من القضايا التي تخضع بحكم طبيعتها المعقدة للتوازنات والحسابات الدولية والإقليمية – لا يبدو أنها تملك في الوقت الراهن مفاتيح حل القضية بشكل جذري أو قادرة على تقديم تصور أو مبادرة واقعية تتجاوز بها حالة الركود والسكون التي يعرفها الملف في ردهات المنظمة الأممية منذ نصف قرن”.
وتابع قسيم بأن “هذا لا يعني بطبيعة الحال التخلي عن البنية الأممية باعتبارها إطارا مقبولا ومجمعا عليه من كافة أطراف النزاع؛ ولكن أعتقد أن الرهان عليه لاستصدار حلول واقعية لصالح المغرب ليس خيارا سليما.. فالرباط تفطنت إلى هذا الأمر عندما نقلت فعلها الدبلوماسي وحركيتها الخارجية لحشد الدعم لمبادرته إلى مراكز الثقل الاستراتيجية الدولية والإقليمية في واشنطن وباريس ولندن ومدريد وغيرها من دوائر وبؤر التأثير العالمي”.
وأشار المتحدث ذاته إلى أن “مبادرة الحكم الذاتي تعكس نزعة واقعية من الجانب المغربي؛ غير أنها تواجه تحديين رئيسيين: الأول ذو طبيعة قانونية، حيث تنبني وجهة النظر المناوئة للطرح المغربي على مفهوم “حق تقرير المصير”؛ وهو مرتكز قانوني متين لا يزال يحظى بانتشار وقبول في أوساط عالمية أكاديمية وسياسية مؤثرة، ولا تزال تتبناه أطراف وقوى إقليمية وازنة مثل جنوب إفريقيا”.
ويتمثل التحدي الثاني، حسب الباحث في العلاقات الدولية والسياسة الخارجية المغربية سالف الذكر، في “الحفاظ على مركزية مبادرة الحكم الذاتي وصدارتها ضمن مختلف الصيغ المقدمة لحل النزاع؛ ذلك أن ضمان ديمومة المبادرة المغربية في مواقف وتوجهات القوى الدولية والإقليمية يستوجب دينامية دبلوماسية عالية ومستمرة ومستدامة، خاصة في سياق دولي متحول ومتسارع”.