في ظل التطورات الأخيرة التي شهدتها العلاقات الفرنسية- الجزائرية، جاءت التصريحات الرسمية لتؤكد مرة أخرى موقف فرنسا الثابت من قضية الصحراء المغربية، في مواجهة حملة التضليل الإعلامي التي روّجت لها بعض الجهات الجزائرية.
عقب الاتصال الهاتفي الذي جرى بين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون، شنّت بعض وسائل الإعلام الجزائرية حملة من التأويلات والتفسيرات المضللة حول موقف فرنسا من قضية الصحراء؛ إلا أن الرد الفرنسي جاء سريعا وحاسما، حيث نفى وزير الخارجية الفرنسي بشكل قاطع أي تغيير في موقف باريس ، مؤكدا التزامها بالاعتراف بسيادة المغرب على أقاليمه الجنوبية.
في هذا السياق، شدد جان-نويل بارو، وزير أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسي، على موقف بلاده الواضح من النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية. وأوضح المسؤول الحكومي الفرنسي، خلال جلسة استماع أمام لجنة الشؤون الخارجية يوم الأربعاء 2 أبريل الجاري، قائلا: “قبل بضعة أشهر، عبرنا عن رؤيتنا للحاضر والمستقبل فيما يخص الصحراء الغربية؛ وهي رؤية تقوم على الاعتراف بالسيادة المغربية، انطلاقا من مبادرة الحكم الذاتي المغربية. لا توجد، اليوم، أية حلول أخرى واقعية أو ذات مصداقية”.
وفي هذا الإطار، قال تاج الدين الحسيني، الخبير في العلاقات الدولية، إن “الدبلوماسية الجزائرية تسعى دائما إلى تضليل الرأي العام واختلاق مبررات تستهلكها داخليا. كما تحاول إثارة تناقضات بين مواقف الدول المختلفة”.
وتابع الحسيني، ضمن تصريح لهسبريس، قائلا: “هذا النهج بات معروفا في السياسة الخارجية الجزائرية، التي تتحكم فيها المؤسسة العسكرية منذ سبعينيات القرن الماضي؛ فهذه المؤسسة هي التي تمسك بزمام الأمور، سواء في اتخاذ القرارات الداخلية أو في توجيه السياسة الخارجية على المستوى الدولي. ولذلك، فإن المواقف التي تتبناها الجزائر في هذا الصدد ليست مفاجئة لأحد”.
وذكر الخبير في العلاقات الدولية بأن “الالتزام الذي قطعه الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في خطابه الشهير أمام البرلمان المغربي، وقبل ذلك في رسالته التفصيلية التي وجهها إلى الملك محمد السادس، كان واضحا كل الوضوح؛ فقد أكد أن الالتزام هو التزام دولة، وليس مجرد تصريح إعلامي أو إعلان ذي طابع صحافي. ومن هذا المنطلق، بدا جليا أن فرنسا ربما تجاوزت حتى مواقف بعض الدول الأخرى التي اعترفت بسيادة المغرب”.
وأردف المتحدث عينه: “الرئيس الفرنسي أشار بوضوح إلى أن سيادة المغرب تشمل منطقة الصحراء، ليس فقط في الوقت الحاضر؛ بل في المستقبل أيضا. بل إنه أكد أن فرنسا ستقدم على استثمارات واسعة، وستقيم علاقات متينة لتعزيز تنمية هذه المناطق؛ مما يعني أن مسألة الصحراء ومستقبلها لا يمكن أن تُحسم إلا في إطار السيادة المغربية. وهذا تصريح واضح لا لبس فيه”.
وأكد الخبير أنه “إذ كان هناك أي تغيير في هذا الموقف الرسمي، فلن يكون إلا بقرار من رئيس الدولة نفسه وفي إطار رسمي؛ وهو ما لم يحدث. بل على العكس، فإن وزير الخارجية الفرنسي، وهو المتحدث باسم الدبلوماسية الفرنسية، أكد بشكل قاطع أن فرنسا متمسكة بموقفها الداعم للوحدة الترابية للمغرب ومبادرة الحكم الذاتي”.
من جانبه، قال الموساوي العجلاوي، الخبير في العلاقات الدولية والأستاذ الباحث بمركز إفريقيا والشرق الأوسط، إنه “فيما يخص القراءات الإعلامية الصادرة عن النظام الجزائري فهي موجهة أساسا إلى الرأي العام الداخلي، في محاولة لتبرير التراجع عن مواقف متشددة سابقة تجاه فرنسا، والتنازلات التي قُدمت في سياق الأزمة القائمة بين الجانبين”.
وأبرز العجلاوي، في تصريح لجريدة هسبريس، أن ما يتم ترويجه هو “تبرير لهذه التراجعات والاستسلام أمام فرنسا، ولا يعدو أن يكون تضليلا وافتراء”.
ولفت الأستاذ الباحث بمركز إفريقيا والشرق الأوسط إلى أن ما حدث بين فرنسا والجزائر ينبغي أن يُقرأ في سياقات خاصة، تميزت بمحاولات للبحث عن قنوات اتصال لتخفيف حدة التوتر الذي بلغ مستوى غير مسبوق في العلاقات بين البلدين.
وأضاف الخبير في العلاقات الدولية: “من المعروف أن السياسة الخارجية للدول الكبرى، وعلى رأسها فرنسا، تتسم بالوضوح في مواقفها؛ فعندما قرر الرئيس إيمانويل ماكرون، الذي يضطلع بتحديد السياسة الخارجية الفرنسية، إرسال رسالة إلى جلالة الملك محمد السادس، كان واضحا في مضمونها؛ إذ أكد أن حاضر ومستقبل نزاع الصحراء لا يمكن أن يُحسم إلا في إطار السيادة المغربية، ومن خلال مبادرة الحكم الذاتي”.
وسجل العجلاوي أن “هذا التصريح يشكل منعطفا حاسما في ترسيخ السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية”، متابعا: “أما على مستوى التصريحات الرسمية، فقد أشار وزير الخارجية الفرنسي إلى أن موقف بلاده يأتي في إطار احترام القانون الدولي ومبادئ الأمم المتحدة والسعي إلى إيجاد حل سياسي للنزاع”.
وخلص الخبير إلى القول إن “هذا بالضبط ما يؤكد عليه المغرب باستمرار؛ إذ لا يزال متمسكا بالخيار السياسي، وباتفاق وقف إطلاق النار، كما جاء في أحد اتصالات جلالة الملك بعد عملية تأمين معبر الكركرات سنة 2020، حيث شدد على تمسك المملكة بخيار الحل السياسي، واصفا ما يحدث في المنطقة بالنزاع الإقليمي حول الصحراء”.
وذكر العجلاوي بأن “مبادرة الحكم الذاتي المغربية والحل السياسي المقترح يندرجان ضمن المبادئ الرابعة والسادسة والحادية عشرة من القرار 1541، والذي يُعنى بحق الشعوب غير المتمتعة بالحكم الذاتي، وهو المؤطر بالقرار 1514″، مشددا على أنه “لا يوجد أي تعارض بين تصريح وزير الخارجية الفرنسي والموقف الفرنسي الرسمي من جهة، وبين الرؤية المغربية للحل من جهة أخرى، والتي تظل قائمة على احترام القانون الدولي ووحدة الشعوب وسلامتها الإقليمية”.