يقدم ستيفان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة إلى الصحراء المغربية، إحاطته نصف السنوية في ظل ترؤس فرنسا لمجلس الأمن الدولي خلال شهر أبريل الجاري خلفا للدنمارك؛ وهو ما يضفي على هذه الجلسة أهمية خاصة، بالنظر إلى الموقف الفرنسي الداعم لمغربية الصحراء ولمقترح الحكم الذاتي الذي يتبناه المغرب كأقصى حد لتسوية النزاع الإقليمي المفتعل.
ويحمل تولي فرنسا رئاسة مجلس الأمن الدولي خلال شهر أبريل الجاري في طياته دلالات سياسية مهمة، خاصة في سياق مناقشة قضية الصحراء المغربية داخل أروقة الأمم المتحدة، إذ من المنتظر أن يبعث هذا التطور رسائل ارتياح للرباط؛ بالنظر إلى الموقف الفرنسي الداعم لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب كحل واقعي وذي مصداقية.
وفي هذا السياق، تكتسي إحاطة المبعوث الأممي أمام أعضاء مجلس الأمن الدولي أهمية بالغة، حيث تشكل فرصة للمغرب لإعادة تأكيد مكتسباته الدبلوماسية، خاصة في ظل الدعم الذي تحظى به مبادرته السياسية من قوى دولية وازن. كما أن رئاسة فرنسا ستوفر إطارا أكثر انسجاما مع الرؤية المغربية، مقارنة بدول أخرى التي قد تتبنى مواقف أكثر حيادية.
في المقابل، تسعى الجزائر إلى استغلال وجودها المؤقت كعضو غير دائم في المجلس ذاته للتأثير على النقاشات المتعلقة بالقضية، سواء من خلال تصريحاتها الرسمية أو عبر تحركاتها الدبلوماسية في الكواليس؛ غير أن تأثيرها سيظل محدودا أمام توجهات القوى الكبرى، خاصة مع تزايد القناعات الدولية بأن مقترح الحكم الذاتي يشكل الحل الأكثر واقعية واستدامة.
قال الدكتور عبد الفتاح البلعمشي، رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات، إن هذا التطور ينطوي على مجموعة من الاعتبارات الإيجابية فيما يتعلق بالقضية الوطنية الأولى، قضية الصحراء المغربية؛ بالنظر إلى الدور التقليدي الذي تضطلع به فرنسا داخل المجلس، ودعمها المستمر للموقف المغربي.
وأكد البلعمشي، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذه الرئاسة تأتي بعد الموقف الفرنسي الواضح من مغربية الصحراء، كما عبرت عنه الرسالة التي وجهها الرئيس إيمانويل ماكرون إلى الملك محمد السادس بمناسبة عيد العرش، وأيضا عقب زيارة الدولة التي قام بها الرئيس الفرنسي إلى المغرب، حيث أكد أمام أعضاء البرلمان بغرفتيه في الرباط أن “حاضر ومستقبل الصحراء بالنسبة لفرنسا لن يكون إلا تحت السيادة المغربية”.
وأبرز أهمية هذا الموقف الفرنسي في دعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي وتعزيز موقع المملكة في مسار المفاوضات داخل مجلس الأمن، خصوصا في ظل المستجدات الدولية التي تدفع باتجاه البحث عن حلول واقعية ومستدامة للنزاع الإقليمي المفتعل.
وعرج الخبير السياسي المغربي على التحركات الجزائرية داخل مجلس الأمن، موضحا أن “الجزائر واجهت صدا منيعا من لدن موازين القوى داخل المؤسسة الأممية، على الرغم من محاولاتها التأثير على مسار مناقشة ملف الصحراء المغربية خلال عضويتها غير الدائمة في المجلس”، مشيرا إلى أن “مطالبها خلال صياغة القرار الأخير الصادر في أكتوبر 2024 لم تجد أي تجاوب من القوى الكبرى، لا سيما لدى الأعضاء الدائمين الذين يمتلكون حق النقض الدولي داخل ذات المجلس”.
ولفت أستاذ العلاقات الدولية بجامعة القاضي عياض في مراكش الانتباه إلى أن “النقاشات التي سبقت اتخاذ القرار الأممي بشأن الصحراء المغربية لم تتضمن الطروحات الجزائرية في الأساس”؛ وهو ما يعكس “إدراك المجتمع الدولي لضرورة تجاوز المطالب التقليدية التي لا تساهم في تحقيق تسوية واقعية ومستدامة للنزاع” وفقه.
وسجل رئيس المركز المغربي للدبلوماسية الموازية وحوار الحضارات أن المرحلة الحالية تشهد تحولات إيجابية، حيث بدأت قوى اقتصادية دولية تبدي اهتماما متزايدا بالاستثمار في الأقاليم الجنوبية. كما أن هناك مؤشرات على إمكانية صدور مواقف جديدة داعمة للمقترح المغربي للحكم الذاتي؛ ما يعزز من موقع المملكة على الساحة الدولية.
وختم البلعمشي حديثه لهسبريس بالتأكيد على أن رئاسة فرنسا لمجلس الأمن تشكل فرصة مهمة لتعزيز الطرح المغربي داخل الهيئة الأممية، مشددا على ضرورة استثمار هذا الظرف لتعزيز المكاسب الدبلوماسية وتأكيد وجاهة الموقف المغربي أمام المجتمع الدولي.
يرى رمضان مسعود العربي، رئيس الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن رئاسة فرنسا لمجلس الأمن الدولي خلال شهر أبريل تشكل فرصة مهمة لترسيخ الطرح المغربي بخصوص قضية الصحراء، خاصة في ظل الدعم الفرنسي الواضح لمبادرة الحكم الذاتي التي يقترحها المغرب كحل وحيد للنزاع الإقليمي المفتعل.
وأضاف عضو المجلس الملكي الاستشاري للشؤون الصحراوية، في تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن هذه المرحلة تكتسي أهمية بالغة بالنظر إلى التحولات التي يشهدها المشهد الدولي، حيث باتت قوى كبرى تدرك أن حل النزاع لا يمكن أن يكون خارج إطار السيادة المغربية والمبادرة السياسية التي قدمها المغرب.
وأوضح الناشط الحقوقي ذاته أن محاولات الجزائر لاستغلال عضويتها غير الدائمة في مجلس الأمن الدولي للتأثير على مجريات النقاش ستصطدم بالواقع الدبلوماسي الجديد، والذي يكرس “أولوية المقاربة المغربية خاصة مع تنامي المواقف الداعمة للمبادرة المغربية من قبل دول مؤثرة في صناعة القرار الدولي كالولايات المتحدة وفرنسيا وبريطانيا وإسبانيا”، وفقه.
وبخصوص إحاطة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، سجل المتحدث عينه أن “المغرب سيواصل التأكيد على مكتسباته الميدانية والدبلوماسية”، مبرزا “التفاعل الإيجابي للمملكة مع جهود الأمم المتحدة، في مقابل العرقلة المستمرة التي تمارسها الجزائر وجبهة “البوليساريو” الانفصالية”.
وخلص رمضان مسعود، في ختام حديثه لهسبريس، إلى أن المجتمع الدولي أصبح أكثر وعيا بضرورة تجاوز الأطروحات المتجاوزة، والتركيز على حلول عملية تضمن الاستقرار والتنمية في المنطقة؛ وهو ما يجعل الحكم الذاتي الخيار الأكثر واقعية ومصداقية.