آخر الأخبار

عار "المسيرة الكحلة" يلاحق الجزائر

شارك

في خضم التوترات السياسية التي شهدتها منطقة المغرب الكبير منتصف سبعينيات القرن الماضي، برزت حادثة مأساوية قلّما تذكر في الإعلام الدولي، لكنها لا تزال حية في ذاكرة آلاف الأسر المغربية، إنها “المسيرة الكحلة”، أو ما يعرف بعملية الطرد الجماعي القسري التي نفذها النظام العسكري الجزائري سنة 1975 ضد أكثر من 350 ألف مواطن مغربي كانوا يعيشون على الأراضي الجزائرية.

جاء هذا الحدث كرد فعل سياسي وانتقامي من طرف النظام الجزائري، عقب إعلان المغرب تنظيم المسيرة الخضراء المظفرة لاسترجاع أقاليمه الجنوبية من الاستعمار الإسباني. وفي خطوة وصفت آنذاك باللاإنسانية، أقدمت السلطات الجزائرية، بأوامر مباشرة من الرئيس الراحل هواري بومدين، على تنفيذ عملية تهجير قسري شملت عشرات الآلاف من الأسر المغربية، التي فصل أفرادها عن بعضهم البعض، وسلبت ممتلكاتهم، وطردوا في ظروف قاسية نحو الحدود المغربية.

صالح آيت بن مسعود، طالب باحث مهتم بالموضوع، قال إن “المسيرة الكحلة”، التي حملت هذا الاسم لما خلفته من مآس إنسانية وظروف سوداوية، تعد وصمة عار في جبين النظام الجزائري، الذي استخدم فيها الإنسان كورقة ضغط سياسية، دون مراعاة لأبسط حقوقه في الأمن والاستقرار، وهو ما يعتبر انتهاكا صارخا للمواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان.

وأضاف آيت بن مسعود، في تصريح لهسبريس، أن الضحايا كانوا مغاربة استقروا في الجزائر منذ عقود، بعضهم ولد هناك وشارك في بناء الاقتصاد الجزائري بعد الاستقلال، لكنهم ووجهوا فجأة بالطرد دون سابق إنذار، وتم تجريدهم من ممتلكاتهم، بما في ذلك البيوت، الأراضي وحتى الحسابات البنكية، مشيرا إلى أن هذا السلوك العدائي لم يكن موجها ضد أفراد، بل ضد شعب بأكمله، في تجاوز خطير لكل الأعراف والقوانين الدولية.

وكشف الطالب ذاته أنه التقى سابقا بأحد المرحلين من مدينة وهران الجزائرية، فحكى له أنه في يوم واحد انقلبت حياتهم، جاؤوا إلى بيتهم وبدؤوا يصرخون في وجوههم ويطالبونهم بالمغادرة، فتركوا كل شيء خلفهم: البيت، المتجر، الذكريات… ولم يأخذوا سوى ملابسهم وألمهم، مشيرا إلى أن شهادات مثل هذه كثيرة، وتحمل في طياتها حجم المأساة التي عاشها هؤلاء المغاربة بسبب قرار سياسي جائر.

وأضاف أنه التقى بإحدى السيدات اللواتي كانت آنذاك طفلة صغيرة، فروت له قائلة: “أتذكر البكاء، الفوضى، الجنود والبرد القارس.. لا أفهم حتى اليوم كيف يمكن لدولة أن تطرد جيرانها وأصدقاءها فقط لأننا مغاربة. لقد كبرنا على الجرح، لكنه لا يندمل”. وأوضح أن هذه الكلمات تلخص الأثر النفسي العميق الذي خلفته “المسيرة الكحلة” في نفوس الضحايا وأبنائهم.

يذكر أن حقوقيين مغاربة ودوليين أكدوا أن ما وقع جريمة إنسانية تستوجب الاعتراف والمحاسبة، مبرزين أن ما قامت به الجزائر سنة 1975 لا يمكن أن يمحى بالتقادم، فهناك مسؤولية تاريخية وأخلاقية تقع على عاتق النظام العسكري الجزائري، ويجب فتح هذا الملف على المستوى الدولي، ومطالبة الدولة الجزائرية بالاعتذار والتعويض.

ورغم مرور 50 سنة تقريبا على هذه الحادثة لا تزال العلاقات المغربية الجزائرية متوترة، ويعد ملف “المسيرة الكحلة” أحد أبرز وأثقل الملفات في الذاكرة المشتركة، حيث لم تعترف الجزائر رسميا بمسؤوليتها عما حدث، ولا تزال ترفض أي مساع لمعالجة آثار هذا التهجير القسري.

وأوضح آيت بن مسعود أن ما قامت به السلطات الجزائرية آنذاك لم يكن مجرد قرار سياسي، بل كان انتهاكا ممنهجا لكرامة الإنسان، وخرقا لكل الأعراف الإنسانية، مما يجعل “المسيرة الكحلة” رمزا للظلم الذي تعرض له آلاف المغاربة، ووصمة عار تلاحق النظام العسكري الجزائري حتى اليوم.

وأكد أن الضحايا وذويهم يواصلون المطالبة بإنصافهم، وفتح تحقيق دولي في هذه الجريمة، مشيرين إلى أن العدالة ليست انتقاما، بل حق لا يسقط بالتقادم، وبينما يحيي المغاربة ذكرى المسيرة الخضراء كل سنة بفخر، تظل “المسيرة الكحلة” جرحا مفتوحا، وشاهدا على لحظة مظلمة في تاريخ العلاقات بين الشعبين الشقيقين.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا