يشهد المغرب، في الآونة الأخيرة، تزايداً ملحوظاً في عدد المناطق الصناعية ومناطق التسريع الصناعي، مصحوباً بتسارع في وتيرة التصنيع عبر مختلف الجهات.
ويأتي هذا التوجه، وفق الحكومة، في إطار إستراتيجية وطنية تهدف إلى تعزيز النسيج الصناعي، وتنويع مصادر النمو الاقتصادي، ومواجهة التحديات المرتبطة بالبطالة والتشغيل.
تعتبر هذه المناطق رافعة لجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية، لكنها تثير من جهة أخرى تساؤلات حول قدرتها على تحقيق تنمية شاملة، تُترجم إلى فرص عمل ذات جودة عالية وتقليص فعلي لمعدلات البطالة.
في هذا السياق يبرز السؤال حول حجم تأثير دينامية إحداث المناطق الصناعية في مختلف جهات المملكة على النمو الاقتصادي، ومدى مساهمتها في الحد من البطالة، خاصة بين الشباب وحاملي الشهادات، فضلاً عن جودة فرص العمل التي توفرها.
ويربط أستاذ العلوم الاقتصادية بجامعة محمد بن عبد الله بفاس عبد الرزاق الهيري تزايد المناطق الصناعية بمساعي المغرب إلى تقوية نسيجه الصناعي، انطلاقاً من ملاحظات النموذج التنموي الجديد الذي كشف عن ضعف القاعدة الإنتاجية وقلة تنوعها، موردا: “بلغة الأرقام تشكل المقاولات الصناعية 10 في المائة فقط من إجمالي المقاولات، مقابل 21 في المائة في البناء، 28 في المائة في التجارة، و41 في المائة في الخدمات”.
واعتبر الهيري، ضمن تصريح لهسبريس، أن “هذا الواقع يدفع المغرب نحو رفع القيمة المضافة الصناعية ذات التكنولوجيا المتوسطة والعالية من 28 في المائة إلى 60 في المائة بحلول 2035، بهدف تحسين الإنتاجية والتنافسية”، وأكد أن الهدف من هذا التوسع الصناعي هو “تعزيز المنتجات المصنعة محلياً لتكون متنوعة وذات جودة عالية”، مبرزاً أن هذا التوجه “يتماشى مع الجهود الكبيرة التي بذلها المغرب في تكوين رأس المال البشري، إذ أعد كفاءات تقنية، بما يشمل مهندسين في تخصصات الصناعة الحديثة، مثل الجيل الرابع والخامس، لتلبية متطلبات المقاولات الصناعية الجديدة”.
ويرى المتحدث ذاته أن “رفع عدد المناطق الصناعية يتيح خلق مناصب شغل ذات جودة عالية وثابتة، ما يساهم في خفض معدل البطالة، خاصة بين الشباب وحاملي الشهادات”؛ غير أنه يشترط أن يترافق ذلك مع بيئة مقاولاتية جذابة، تتطلب تحسين مناخ الأعمال من حيث الإجراءات الإدارية، التمويل، وقدرة السوق الوطنية على استيعاب المنتجات.
وخلص الأستاذ الجامعي ذاته إلى “ضرورة تعزيز النسيج الصناعي الوطني كجزء من إرساء السيادة الصناعية، مع التركيز على تأهيل البنية التحتية لدعم الإنتاج وتشجيع المقاولات الوطنية والدولية”.
من جانبه أبرز الخبير والمحلل الاقتصادي إدريس العيساوي أن “التنامي الملحوظ في المناطق الصناعية بالمغرب يأتي بالموازاة مع اعتماد الوزارة المعنية بالتصنيع على وتيرة متسارعة لتعزيز النمو في عدة قطاعات، بغرض استغلال الاستثمارات المهمة التي تستقطبها هذه القطاعات”.
وأضاف العيساوي، في حديث لهسبريس، أن الهدف الأساسي من هذه المبادرات هو “تعزيز التشغيل وخلق فرص عمل متعددة للمغاربة”، مشيراً إلى “تميزها بشموليتها الجغرافية، بحيث لا تقتصر على المدن الكبرى كالدار البيضاء والرباط والقنيطرة، بل تمتد إلى كافة الجهات، بفضل جهود وزارة الداخلية في تهيئة هذه المناطق وتوزيع الاستثمارات بشكل متوازن”.
وشدد المحلل ذاته على أن تكاثر المناطق الصناعية ورفع وتيرتها “له وقع مهم على التشغيل ونسبة النمو”، غير أنه يحذر من “استمرار إشكالية البطالة، خاصة بين الشباب”، معتبراً أن التحدي يكمن في “غياب تطوير كافٍ لقدراتهم”، ما يعني أن الاستثمارات الصناعية، رغم أهميتها، قد لا تكون كافية وحدها لمعالجة البطالة ما لم تُصاحب ببرامج تدريبية تؤهل الشباب لسوق العمل المتطور، وموردا أن نجاح هذه المبادرات “يتطلب أيضاً توفير شروط كاملة، مثل الموارد المائية والتكنولوجية، التي قد تفتقر إليها بعض المناطق”.