آخر الأخبار

قدسية المساجد تسائل حدود التنشئة الاجتماعية ولهو الأطفال خلف المصلّين

شارك

تشهد صلاة التراويح في معظم المساجد سلوكات طفولية من قبل الصغار الذين يستغلون انشغال الكبار بالصلاة للعب والمرح في الصفوف الخلفية، فيما تنقسم آراء المصلين حول هذه الظاهرة إلى فئتين، إحداهما ترى أن الأمر طبيعي ومحبّب ما دام يعزز ارتباط الأطفال بالمساجد، فيما تعتبره الأخرى إزعاجاً غير مقبول، لما فيه من تحويل بيت الله إلى فضاء للهو.

التنشئة الدينية وقدسية المسجد

مصطفى السعليتي، أستاذ علم النفس الاجتماعي، رئيس شعبة علم النفس بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بجامعة القاضي عياض بمراكش، قال إن “المسجد يُعتبر فضاءً مخصصًا للعبادة وأداء الصلوات المفروضة، ويتميز بقدسيته التي تميزه عن باقي الأماكن العامة، وبالتالي فهو ليس مجرد فضاءٍ يمكن ممارسة أنشطة مختلفة داخله، بل هو مكانٌ مخصصٌ للصلاة والاستفادة من الدروس الدينية، كما يؤدي دورًا أساسيًا في ترسيخ الثقافة الروحانية وتعزيز القيم الدينية لدى الأفراد”.

وأضاف المتحدث ذاته، في تصريح لهسبريس، أنه “يتوجب على كل من يرتاد المسجد الالتزام بقواعد تحترم طبيعته، بغض النظر عن سنّه”، منبّها إلى أنه “من الملاحظ أن العديد من الآباء يحرصون على اصطحاب أطفالهم إلى المسجد، باعتبار ذلك جزءًا من التنشئة الدينية، وبالنسبة لهم تعويد الطفل على الذهاب إلى المسجد منذ سنٍّ مبكرة يعزز ارتباطه به ويجعل ارتياده جزءًا من عاداته الدينية، ما يسهم في تكوين شخصيته الدينية والاجتماعية بشكل متوازن”.

واستدرك مصطفى السعليتي: “غير أن هذا السلوك، رغم أهميته التربوية، يثير بعض الجدل، إذ يرى البعض أن لعب الأطفال داخل المسجد قد يسيء إلى قدسية المكان”، موضحا أن “التمثلات الاجتماعية غالبًا ما تحصر اللعب في فضاءات مخصصة لذلك، بينما يُنظر إلى المسجد على أنه فضاء مقدس لا ينبغي أن يكون مكانًا للهو، ومن هذا المنطلق يعتبر البعض أن وجود الأطفال داخل المسجد دون مراعاة الضوابط اللازمة قد يشكل إزعاجًا للمصلين”.

وفي هذا الإطار أكّد أستاذ علم النفس الاجتماعي أن “المسؤولين عن المساجد، بمن فيهم الأئمة والفقهاء، يتحملون مسؤولية توجيه الآباء نحو أساليب مناسبة لمرافقة الأطفال داخل المسجد، مع التأكيد على أهمية الالتزام بقواعد الاحترام والانضباط، وتقديم إرشادات واضحة تساعد على التوفيق بين حاجة الأطفال إلى اكتساب القيم الدينية وضمان الأجواء المناسبة للمصلين”، مشددا على أن “دور الأئمة في التوعية يبقى أساسيًا لتجنب السلوكات التي قد تعرقل أجواء العبادة داخل المسجد”.

وبناءً على ذلك قال مصطفى السعليتي إن “التنشئة الدينية لا تعني بالضرورة السماح للطفل بالتصرف بحرية مطلقة داخل المسجد تحت مبرر التعلم أو اكتساب حب الدين”، موردا أن “احترام قدسية المسجد والالتزام بآدابه يجب أن يكون جزءًا من عملية التنشئة نفسها، ما يساهم في تحقيق توازن بين حاجة الطفل إلى التعلم ومتطلبات الحفاظ على روحانية المكان وهدوئه”.

الحضور مرغوب والتأدّب مطلوب

محمد لبيتي، خطيب جمعة وباحث في الفكر الإسلامي، قال إن “حضور الأبناء إلى المساجد أمر مرغوب فيه طوال العام، فهو يعزز تربيتهم تربية صحيحة ويشجعهم على الاقتداء بالقدوة الصالحة في المساجد وفي الحياة بشكل عام، لكن قد يكون حضورهم المكثف دون إعداد مسبق ودون معرفة آداب المسجد عاملاً في التشويش على المصلين”، مضيفا أنه “في المساجد قد يُسمع البكاء والضحك والأصوات المزعجة، ما يؤدي إلى شمئزاز البعض واحتجاجهم، وأحياناً بطريقة عنيفة”.

وأوضح المتحدث ذاته أن “المسجد مكان للراحة والطمأنينة والهدوء، وهو مخصص لمناجاة الله سبحانه وتعالى، وأي منغص، حتى وإن كان مجرد رفع الصوت يعتبر مخالفاً لآداب المساجد”، متسائلا: “هل يمكن التغاضي عن تصرفات بعض الأطفال نظرًا للمصالح التي قد تتحقق من وجودهم في المسجد؟”، وموردا أن “البعض يعتقد أن التوازن بين المصلحة الكبرى في تدريب الأطفال على صلاة الجماعة والتآلف والتآزر في المسجد يدفع إلى التغاضي عن بعض الأخطاء والهفوات التي قد تصدر منهم، لكن في بعض الأحيان قد يتجاوز الأمر الحد المقبول ويؤدي إلى تشويش كبير”.

وأكد لبيتي، في تصريح لهسبريس، أن “التشويش الناتج عن الأطفال قد يكون مؤثراً إلى درجة أن المصلين لا يستطيعون الخشوع في صلاتهم، ما قد يدفعهم إلى التأفف من حضور هؤلاء، وفي بعض الأحيان قد يصل الأمر إلى العنف ضدهم”، وزاد: “من جهة أخرى يرى البعض أن التأفف المبالغ فيه يأتي من المصلين كبار السن الذين أصبحوا بعيدين عن تربية الأطفال، ما يجعلهم غير قادرين على تحمل مشاغباتهم، رغم أن الأمر يخالف آداب المساجد”.

من جهة أخرى قال الخطيب نفسه إن “البعض يستدل على ضرورة التسامح في حضور الأطفال إلى المساجد بما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ كان يحمل ابنة بنته إذا قام من السجود ويضعها إذا سجد، بل عندما جاءه أحد أبناء بنته فاطمة الزهراء، وهو على المنبر، نزل ليحمله ثم عاد إلى خطبته، ولو كان الأمر مرفوضًا شرعاً لما قبل الرسول الكريم حضور الأطفال إلى المسجد، وبالتالي يجب اتباع خطى الرسول عليه الصلاة والسلام في هذا السياق”.

وشدد الباحث في الفكر الإسلامي على أنه “لا ينبغي حرمان الأطفال من المساجد، بل ينبغي تربيتهم فيها، وتعويدهم على حضور الجماعات، لأن هؤلاء هم رجال الغد، وهم الذين سيحملون مشعل المساجد في المستقبل، لكن يجب تعليمهم آداب المسجد في المنزل أولاً، ثم اصطحابهم إلى المساجد قبل رمضان حتى يتدربوا على هذه الآداب، وبذلك يمكن تلافي حدوث ضوضاء أثناء الصلاة، من خلال مراقبة الأطفال وتنظيم حضورهم في المساجد بما يتماشى مع آدابها”.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا