حلّل الباحث في علم الاجتماع سعيد بنيس “فعل المقاطعة” و”المتغيّر الجديد” الذي نقله من “النسق الواقعي” إلى “النسق الافتراضي”، قائلا في ورقة إن “المقاطعة الواقعية مقاطعة محلية ترابية، أما المقاطعة الديجيتالية، التي تتخذ لها الرقمي كجسر ووعاء، فهي مقاطعة افتراضية عابرة للحدود يشكل فيها التشبيك والاتصال وثقافة “بارطجي” (شارك) والتشارك، أداة للإقناع والتوافق والانخراط الجماعي”.
وأضاف الأستاذ الجامعي: “من هذه الزاوية يصبح فعل المقاطعة الديجيتالي هو الضامن لاستمرارية فعل المقاطعة الواقعي؛ فتتحول المقاطعة إلى آلية للممانعة والتعبئة، وبالتالي الضغط والتأثير، ما يُمَكِّنُ الفعل الافتراضي من تجاوز جميع البنيات السياسية والمدنية، وإعادة تصويب المواقف والتفكير والتحضير، لغزو فضاءات أخرى من خلال سلاح المقاطعة”.
وقدّر بنيس أن السبب المباشر لتحول “فعل المقاطعة” إلى “وسيلة جامعة ومؤطرة”، هو “تواري أصحابه إلى الوراء، وتجاوزهم، وتملكه من طرف جمهور الأفراد المرتبط بشبكة الأنترنت”، بالتالي “مع انتفاء المحاور” يتحكم في “فعل المقاطعة”؛ “موقف جماعي وليس هيأة أو ريادة معينة، يستمر (فعل المقاطعة) ويمتد إلى مواد وخدمات وقطاعات أخرى”.
ولأن العمق التفاوضي لـ”فعل المقاطعة” يكمن في رمزيته وجرأته على تحدي السلطة السياسية والاقتصادية، ولأن قوته تتمثل في كونه لا يرتبط بتضليل افتراضي أو أخبار كاذبة أو زائفة، فإنه يصير “نوعا جديدا من التنشئة الافتراضية الذي يتأسس على يقظة ديجيتالية، ولا سيما في رسملة وغرس وترسيخ سلوك الممانعة والاستغناء، وعدم الانجرار نحو المواجهة المباشرة والواقعية مع الخصوم المفترضين”.
ودعا الباحث في علم الاجتماع إلى مقاربة “فعل المقاطعة” على أساس أنه “فعل جماعي يشكل تحديا لفكر ومنطق مهيمن، ونسق سياسي ضاغط، وليس فقط مسألة ترتبط بأفق ورهانات وتداعيات الأرباح أو العائدات أو الخسائر الاقتصادية أو تراجع الأسهم”.
تجدر الإشارة إلى أن فعل “المقاطعة” والدعوة إليها قد انتشر في المغرب منذ عقود، خاصة في ارتباط بالسلع الإسرائيلية أو سلع الشركات المتضامنة مع إسرائيل، ومن أبرزها شركات أمريكية. كما انتشرت دعوى المقاطعة قبل عقدين ضد السلع الدنماركية، زمن انتشار رسوم اعتُبرت مسيئة للمسلمين. ووجّه سلاح المقاطعة في العصر الرقمي ضد سلع مغربية بسبب الغلاء أو الاحتكار في السنوات الفارطة.