في ظل تنامي الدعم الدولي للسيادة المغربية على الصحراء، تراهن جبهة البوليساريو على الخطاب الحقوقي من أجل تجاوز حالة الضعف السياسي والعسكري التي تمر بها، من خلال تعبئة وتجييش الأصوات الحقوقية والسياسية المحسوبة عليها بهدف فتح جبهة مواجهة جديدة مع الرباط، وبالتالي إحداث ثغرات في واقع الاستقرار الذي نجح المغرب في إرسائه بالصحراء.
وتسعى الجبهة الانفصالية، ومعها بعض الجمعيات المحسوبة عليها، لاستغلال منع السلطات المغربية لعدد من النشطاء والسياسيين من دخول الأقاليم الجنوبية بسبب افتضاح نواياهم المشبوهة بتأجيج النزاع المفتعل حول الصحراء، كونهم من منظري المشروع الانفصالي ومسوقي الفوضى في المنطقة، من أجل تشويه الحقائق على الأرض لإضعاف موقف المملكة على الساحة الحقوقية العالمية.
وخرجت مجموعة من “التنظيمات الحقوقية” الداعمة للبوليساريو في الآونة الأخيرة ببيانات نددت من خلالها بمنع المغرب وفودا سياسية وحقوقية غير رسمية من زيارة الأقاليم الجنوبية، وهو ما وصفه المسمى عبد الله عرابي، القيادي الانفصالي في إسبانيا، بـ”الانتهاك الصارخ للقوانين الدولية من طرف المغرب”، على حد قوله.
في سياق مماثل، توصلت الحكومة في مدريد بعدد من الأسئلة الكتابية من نواب برلمانيين حول موقفها من منع نواب وحقوقيين إسبان من الهبوط في مطارات الصحراء المغربية، واكتفت بالإشارة في جوابها على هذه الأسئلة إلى أن “المصالح الدبلوماسية والقنصلية الإسبانية في المغرب تقدم مساعدة لجميع المواطنين الإسبان الذين يقعون في مثل هذه المواقف”.
تفاعلاً مع هذا الموضوع، قال رمضان مسعود، رئيس الجمعية الصحراوية للدفاع عن حقوق الإنسان بمدريد، إن “تحريض جبهة البوليساريو مجموعة من السياسيين والنشطاء الحقوقيين المحسوبين عليها لزيارة الأقاليم الجنوبية للمغرب ومحاولة استفزاز هذا الأخير، يأتي في سياق سياسي متسم بتراكم النجاحات الدبلوماسية وتوسع دائرة الاعتراف الدولي بمغربية الصحراء مقابل انحسار الأطروحة الانفصالية”.
وأضاف مسعود، في حديث لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “الجهات المعادية للمغرب تحاول من خلال هذه التحركات التي ارتفعت وتيرتها في الآونة الأخيرة، فتح جبهة حقوقية جديدة في خط المواجهة مع الرباط، خاصة بعد فشل محاولات سابقة لتوسيع صلاحيات بعثة المينورسو لتشمل مراقبة حقوق الإنسان، وهو ما تصدى له المغرب بكل حزم”، مشددا على أن “البوليساريو تعيش أضعف حالاتها الدبلوماسية والسياسية، ما يدفعها إلى تعبئة وتحريك جمعياتها الحقوقية لتشويه صورة المملكة”.
وشدد الفاعل الحقوقي ذاته على أن “المغرب من حقه بموجب اللوائح والقوانين الدولية، منع أي شخص من دخول أراضيه بسبب ارتباطات تتعلق بحماية الأمن القومي والنظام العام”، مبرزا أن “مطالب بعض المنظمات والجمعيات الداعمة للطرح الانفصالي في الصحراء بإيفاد لجان لتقصي حقيقة وضعية حقوق الإنسان بالصحراء، تنطوي على الكثير من المزايدات السياسية، إذ إن الأولى أن ترسل هذه اللجان إلى مخيمات تندوف التي تعيش وضعاً إنسانياً وحقوقياً سيظل وصمة عار على جبين الجسم الحقوقي العالمي”.
من جهته، قال عبد الوهاب الكاين، رئيس منظمة “أفريكا ووتش” نائب منسق تحالف المنظمات غير الحكومية الصحراوية: “دائما ما نتوصل بأخبار عن قدوم وفود حقوقية وسياسية وبرلمانيين ومحامين ونشطاء إلى عاصمة الأقاليم الجنوبية في زيارات ظاهرها صلة الرحم مع عائلات لأصدقاء لهم بإقليم الباسك والأندلس وغيرها من المناطق الإسبانية، وعمقها إيصال رسائل لاستنبات بؤر عنف في المناطق الصحراوية لتوريط السلطات في أحداث عنف يتم استغلالها لاحقا في التواصل مع الآليات الدولية لحماية حقوق الإنسان ومؤسسات الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص”.
وتابع الكاين بأن المتتبع لمسلسل الزيارات “الحقوقية” و”تقصي الحقائق” الذي لا تنتهي حلقاته، يصل إلى نتيجة أن “هذا التهافت على الوصول إلى إقليم الصحراء، لم ولن يكون بدافع حماية حقوق الإنسان أو استجلاء الوضع بالمنطقة، بسبب وقوف هؤلاء النشطاء خلف برامج تمويلها بدعم الحليف الجزائري الكريم حتى التخمة في كل ما من شأنه إضعاف المغرب وإظهاره في حالة المذنب الذي لا يتورع عن التنكيل بمواطنيه، سواء كانوا صحراويين أو من وسط البلاد”.
وأبرز الفاعل الحقوقي ذاته، في تصريح لهسبريس، أن “الهيئات التي تصف نفسها بالحقوقية ما زالت تردد شعارات رومانسية، من قبيل أن إسبانيا ما زالت هي القوة المديرة في الصحراء، في حنين إلى ماضي الاستعمار ومحو إرادة الصحراويين للتعبير عن أنفسهم”، لافتا إلى أن “تلك الزيارات غير المرغوبة والمستهجنة من قبل قوى المجتمع الصحراوي الحية، يتم التخطيط لها كل سنة، بنسب متفاوتة، وبلاعبين مختلفين، حسب اقتراب موعد الاستحقاقات الدولية التي تحتضن نقاشات رفيعة المستوى عن حقوق الإنسان في الأمم المتحدة”.
وشدد الكاين على أن “هؤلاء النشطاء بإقدامهم على هكذا تصرفات، يقدمون صورة سيئة لوضع المدافعين عن حقوق الإنسان، وحري بنا أن نذكرهم بأن إقليم كطالونيا صوت لصالح إجراء استفتاء انفصالي عن بقية المملكة الإسبانية، وووجهت هذه الخطوة بعنف شديد من قوات الشرطة والحرس المدني، ومباركة من مختلف مكونات الطيف السياسي والحقوقي والمدني الإسباني دون القدرة حتى على توجيه النصح للأشخاص المكلفين بإنفاذ القانون بتوخي الحذر في التعامل مع الأشكال الاحتجاجية”.
وزاد: “وهو ما لم يقع في أقاليم الصحراء، ومع ذلك يستمر هؤلاء النشطاء في الترويج لأخبار زائفة بوقوع انتهاكات جسيمة مستمرة بالإقليم دون إثبات ذلك بوقائع ومعلومات تقطع الشك باليقين”، مشددا على ضرورة “الامتثال للقانون والتشريعات الوطنية المطبقة في الإقليم، والتجاوب مع تنفيذ القانون، لأن الاستعلاء وإتيان الصحراء من الخلف لن يخلف سوى مشاعر الاستهجان والرفض والنفور من هذه التصرفات الجاهلية التي لا تعكس مستوى نضج وفعالية المجتمع المدني الإسباني والأوروبي”.
وختم الحقوقي ذاته كلامه قائلا: “نقول لأي زائر لمنطقة الصحراء إن البيوت تأتى من أبوابها، وإن أي عمل يراد إنجازه في مجال حقوق الإنسان يستلزم تواصلا فعالا وإيجابيا مع السلطات العمومية وانفتاحا على الطيف الحقوقي الصحراوي بمختلف مكوناته، ونخبره بأن الصحراويين هم من يحددون ممثليهم، وليس الأوروبيون أو تعليمات المكاتب المظلمة في الجزائر العاصمة والرابوني”.