آخر الأخبار

معضلة تفاقم "الكاش" تتصدر انشغالات الاجتماع الفصلي لبنك المغرب

شارك

استعصت معضلة تفاقم التداول بالأوراق النقدية “الكاش” على بنك المغرب، وفرضت نفسها ضمن أولويات أجندة أول اجتماع فصلي لمجلسه الإداري في 2025، المرتقب عقده اليوم الثلاثاء، بعدما عجزت كل أدوات السياسة النقدية والمشاريع الرقمية عن تخفيف الضغط على النقد والسيولة البنكية، حيث بلغت قيمة التداول النقدي مع بداية السنة الجارية 421.5 مليار درهم متم يناير الماضي، بزيادة نسبتها 7.2 في المائة مقارنة مع الفترة ذاتها من السنة الماضية.

ويشهد تداول العملة النقدية ارتفاعا مقلقا، إذ من المتوقع أن يزيد بنسبة 8.3 في المائة في 2025 و7.8 في المائة في 2026، نتيجة الاعتماد الكبير على السيولة النقدية بسبب العادات الاجتماعية ومستوى الاقتصاد غير المهيكل المرتفع. هذا الوضع أعاق إعادة إدماج الأموال في النظام البنكي وفاقم عجز السيولة لدى البنوك، باعتبار أن نسبة كبيرة من المعاملات، خاصة في التجارة غير المهيكلة وبعض الخدمات، تتم نقدا، ما سلط الضوء على نجاعة برامج رقمنة المدفوعات، والحوافز الضريبية المرافقة لها، وكذا مشاريع تعزيز الثقافة والتربية الماليتين.

وفي مواجهة هذه الضغوط، حاول بنك المغرب احتواء تداعيات “الكاش” بتكثيف ضخ السيولة، إذ بلغت قيمة تدخلاته 136.6 مليار درهم حتى حدود 6 مارس الجاري، إلا أن هذه الإجراءات لم تغن عن حاجة متزايدة لإعادة تمويل البنوك، ما يفرض ضرورة تبني نهج أكثر شمولية للحد من الضغط على السيولة البنكية، بحيث بتم تحديث نظام المدفوعات بشكل أعمق ليواكب تدخلات البنك المركزي الدورية في سوق النقد، عبر تلبية جميع طلبات البنوك خلال عمليات إعادة التمويل لمدة 7 أيام.

ضغط على السيولة البنكية

رغم تزايد وتيرة تدفق العملات الأجنبية بفضل قاطرات التصدير الجديدة ونفقات السياح وتحويلات مغاربة الخارج، إلا أن مستوى السيولة البنكية واصل تدهوره نتيجة ارتفاع تداول العملة النقدية “الكاش” وزيادة الطلب على القروض، إذ توقع بنك المغرب أن يصل عجز السيولة إلى 164.6 مليار درهم في 2025 و192.3 مليار درهم في 2026، بسبب العجز التجاري المستمر. ورغم ازدهار صادرات السيارات والفوسفاط، إلا أنها لم تعوض ارتفاع الواردات، علما أن الرهان يظل قائما على الموارد المذكورة، بإضافة الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لتعزيز الاحتياطات الرسمية، التي ستبلغ 400.2 مليار درهم في 2026. ومع ذلك، لن تكفي هذه التدفقات لتعويض النقص في السيولة البنكية بشكل مباشر.

وأوضح عبد اللطيف أومنصور، خبير مالي وبنكي، في تصريح لهسبريس، أن “الوضعية الحالية للسيولة البنكية تعكس تحديات هيكلية عميقة، رغم الأداء الإيجابي لعدد من القطاعات المساهمة في جلب العملات الأجنبية، مثل صادرات السيارات والفوسفاط، وارتفاع تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج، بالإضافة إلى انتعاش القطاع السياحي. ومع ذلك، فإن هذه التدفقات لم تنجح في تعويض العجز المستمر في الميزان التجاري، ما أدى إلى تفاقم أزمة السيولة البنكية”، مؤكدا أن التوسع في استخدام العملة النقدية “الكاش” في المعاملات اليومية، وارتفاع الطلب على القروض، سواء من طرف الشركات أو الأفراد، يمثلان أحد الأسباب الرئيسية وراء هذا الضغط المتزايد على السيولة.

وأضاف أومنصور في السياق ذاته أنه “رغم التوقعات الإيجابية بارتفاع الاحتياطات الرسمية في أفق 2026، إلا أن هذه الموارد لن تكون كافية لتغطية العجز البنكي بشكل مباشر. لذلك، يظل الرهان قائما على تعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وتطوير أدوات مالية مبتكرة لتقليل الاعتماد على السيولة النقدية، بالإضافة إلى تحفيز الادخار الوطني، موضحا أن “السلطات المالية مطالبة باعتماد سياسات أكثر استباقية لضمان استقرار النظام المالي، من خلال تحسين مناخ الأعمال، وتشجيع رقمنة المعاملات المالية، وتعزيز الثقة في القطاع البنكي، بهدف تقليص تداول العملة النقدية، وتحفيز تدفقات السيولة داخل النظام المالي المهيكل”.

الإدماج المالي حل مطروح

الإدماج المالي يعد أداة أساسية يفترض أن تحد من ارتفاع السيولة النقدية “الكاش” المتداولة في المغرب، إذ يوصي الخبراء بتشجيع الخدمات البنكية عبر الهاتف المحمول التي ما تزال ضعيفة الاستخدام منذ إطلاقها في 2018، بسبب مخاوف القطاع غير المهيكل من المراجعات الضريبية. ويوصي الخبراء بتقليل التكاليف المفروضة على التجار لتعزيز استخدام هذه الخدمات، إلى جانب تحسين شفافية الشركات وتعزيز الحكامة الضريبية. كما يشددون على أهمية التثقيف المالي لتشجيع الاعتماد على وسائل الدفع الحديثة، وتعتبر هذه الجهود ضرورية لتقليل حجم التعاملات النقدية وتعزيز نظام مالي أكثر شفافية وعدالة.

وأفاد محمد أمين بلفضيل، إطار في الهندسة المالية لدى بنك للأعمال بالدار البيضاء، بأن الإدماج المالي يمكن أن يكون جزءا من الحل في مواجهة تنامي تداول “الكاش”، الذي بات يشكل 30 في المائة من الناتج الداخلي الخام (PIB)، وفق تصريح سابق لعبد اللطيف الجواهري، والي بنك المغرب، موضحا في تصريح لهسبريس أن تعزيز استخدام الخدمات البنكية والأداء بواسطة الهاتف المحمول وإجراءات أخرى، تمثل خطوة حيوية في هذا الاتجاه، مشددا على أهمية اتخاذ تدابير فعالة لتشجيع القطاع غير المهيكل على الانخراط في النظام المالي المهيكل، وتسريع وتيرة الاستبناك في صفوف المهنيين.

ونبه بلفضيل إلى ضرورة تخفيض التكاليف المفروضة على التجار لتشجيعهم على استخدام الخدمات الرقمية، إلى جانب تحسين شفافية الشركات وتعزيز الحكامة الضريبية، مؤكدا وجوب تطوير البنية التحتية الرقمية وتحسين مستوى الأمان الإلكتروني لضمان حماية المعاملات المالية، فضلا عن توفير حوافز ضريبية للشركات التي تعتمد على الوسائل الرقمية في تعاملاتها، معتبرا أن تعزيز التعاون بين القطاعين العام والخاص سيمكن من تحسين خدمات الأداء الإلكتروني وتوسيع نطاقها، دون إغفال أهمية إشراك الفئات الهشة والمناطق القروية في هذه المنظومة المالية من خلال توفير برامج دعم وتمويل صغير تساهم في دمجها في الاقتصاد المهيكل.

هسبريس المصدر: هسبريس
شارك

أخبار ذات صلة



حمل تطبيق آخر خبر

إقرأ أيضا